مازن ح. عبّود
(كاتب- لبنان)
قال: “من يكون “بوكيمون” يا ابي؟ هل صحيح انه يقيم في بيت الحكم في مدينة الابراج وهو زعيم حكومة هذا العالم الذي في الضوء؟ وهل هو المخلوق الذي لا ينفك “رالف” ابن خالتي يبحث عنه في كل مكان كي يصطاد منه؟”
فأجبته انّ “بانكي مون” هو الامين العام للأمم المتحدة وهو ليس ب”بوكيمون” وهو يقيم في نيويورك في بيت الامم المتحدة، وهو انسان ككل الناس يتمتع بصفات وقد يقع في ضعفات. فأحنى رأسه وقال فهمت: “انه حتما “مانكي مون” وليس “بوكيمون”. نعم، انه قرد من القمر احضره معه “ارمسترونغ”، وقد ابلغني بذلك الطير الطائر في الحلم فوق تلال “الالدورادو” في الحلم مساء امس”. وتابع: “لكن كيف تحكم القردة العالم؟ أيعقل؟ واين ذهبت الاسود؟ اتكون قد انقرضت كالديناصورات؟ هل نكون قد دخلنا في عصر القردة والبوكيمونات؟”. ثمّ راح ينشد اغنية باللغة الانكليزية تعلمها في الروضة: “خمسة قردة على السرير، احدهم وقع وكسر عظامه، اربعة قردة على السرير احدهم وقع…” حتى وصل الى نهاية الاغنية، والنهاية كانت وقوع كل القردة عن السرير وكسرها لعظامها وشللها ووضعها على سرير المستشفى للمعالجة”.
تزامنت اغنية طفلي مع ورود خبر اغتيال مفتي نيويورك وابنه، وللحظة تقاطعت كل الاخبار في ذهني من قصص “داعش” والحروب والسياسات، فادركت فعلا انّ ابني على حق، فعصر الاسود في الزعامة قد انتهى لحساب عصر القردة التي تعجز عن ايجاد حلول، بل تقلد وتؤجل الازمات كي لا تتخذ قرارات موجعة، فيسقط تباعا الواحد بعد الاخر حتى سقوطهم جميعا، ومع آخر قرد تنتهي سلالة القردة وتنشل البشرية وتصير انظمة التعاون الدولي في خبر كان، فيضحي السلم والسلام من الماضي، بينما الناس تتلهى بصيد “البوكيمون” والقضايا الهامشية. نعم ما عادت الاسود ملوك الغابات بل حل محلها القردة وفق ما قال طفلي.
لقد اضحى اولادنا يهومون في الشوارع بحثا عن “بوكيمون” ويزورون الكنائس والمساجد والمعابد لا كي ينطلقون في مشوار الترقي بل كي يقتنصون مخلوقا وهميا. صرنا نقتات الوهم ونتنفس الفردية، تخدرنا وصارت الحياة لعبة بوكيمون. جعلونا نؤمن بحق سيادة الغرائز على الجسد، فسادت، ولما سادت اهتز سلامنا الداخلي وخرب الكوكب. اوهمونا بأننا آلهة ان تفلتنا من الضوابط. ودعونا الى صنع نواميس وشرائع تلائمنا. ضاعت البوصلة، وصار الحق وجهة نظر. انطفأت القضايا الكبرى لحساب قضايانا الصغرى.
في عصر “البوكيمون” صار اصحاب المهن الحرة فقراء وصناع الالعاب من القلة الاثرياء. في عصر البوكيمونات صرنا دمى متحركة ومات الانسان فينا، فاستيقظ الحيوان. انتشر التكفير والجهل والفقر في سبيل وضع اليد على الموارد.
في عصر البوكيمون ما عاد الجهل مرتبطا بالأمية وفك الحرف بل بالمعرفة المغلوطة التي تحقن في كل مكان.
في عصر البوكيمونات صارت الانسانية اسواق استهلاكية، وصرنا ببساطة مواد. وعدونا بمساحات حرية وخصوصية لكنها تبخرت ببساطة في بحر التدابير الامنية التي ما وفرت لنا ادنى مقومات الامن، فصارت حياتنا لعبة برمجها رأس قوي.
لكن لا لن ننضم الى عالمكم، عالم البوكيمون. ولن نتبنى مشاربكم بل سنبقى شهودا لحضارة الانوار التي لن نتخلى عنها والتي سنبقى شهودا لها الى ان نستلقي ونستريح.