فازت الشاعرة والباحثة ليندا نقولا نصار بجائزة جنان خليل للشعراء العرب الشباب في دورتها السادسة عن ديوانها “لأني في عزلة”، وتسعى الجائزة التي أنشأتها الفنانة التشكيلية اللبنانية الدكتورة جنان الخليل من أجل ترسيخ تقليد ثقافي وإنساني، كان قد أسس له الشاعر العربي الكبير سعيد عقل منذ سبعينيات القرن الماضي من أجل الاحتفاء بالشعر والشعراء في الوطن العربي، وطباعة أعمالهم في لبنان.
وقررت لجنة التحكيم التي ضمت في عضويتها مجموعة من النقاد والشعراء العرب منحها الشاعرة والباحثة ليندا نقولا نصار عن ديوانها”لأني في عزلة” الذي يتميز بتطور ملموس في تجربتها الشعرية، وبكونه مؤسس على خاصيات ثلاث:
1ـــ خاصية الانتقال بالتجربة الذاتية من انغلاقها على الداخل الخاص في رومانسية شعورية إلى انفتاح على التأثير الخارجي للعالم في الذات، ومحاولة منح الحواس دورا مهما في صياغة هذا التأثير، بيد أن هذا الانفتاح لا يسعى إلى نقل الجانب البصري للعالم موضوعات وأشياء، بل نقل ما يبقى منه من تأثير في النفس، في اتصال بالتجربة الشخصية للشاعرة. وتتشكل الصورة الشعرية في نوع من النضج انطلاقا من هذا التفاعل مع العالم، لا بوصفه مادة ملموسة، ولكن بوصفه تجربة انفتاح على الوجود وأسئلته.
2ــــ خاصية التماسك: تمنح الشاعرة لقصيدتها في هذا الديوان نوعا من التماسك على مستوى البناء الشعري؛ بحيث نجد هناك ناظما للدفق الشعري، ولم تعد القصيدة مجرد تتابع لإحساسات شعورية. ويتأتى هذا الناظم من الانفتاح على إمكانات السرد، ومن استخدام نوع التفاعل الداخلي بين المقاطع الشعرية من طريق التوسل بأساليب الإنشاء، وبخاصة السؤال. هذا فضلا عن التنبه في بعض القصائد إلى أهمية حركة العين في تنظيم المقاطع عن طريق جعل عناصر العالم تدخل منظمة وفق إيقاع العين.
3ـــ خاصية المسافة: تنبهت الشاعرة في ديوانها هذا إلى أهمية وضع المسافة تجاه العلاقات المعتادة في التعبير عن العالم؛ بحيث يلاحظ أنها تفكر في إيجاد علاقات جديدة بين الأشياء من طريق نقل صفات شيء ما في حقل ما إلى شيء في حقل آخر. “أرمي يوميّات/ تتطاير كريشة طائر سبقت جناحيه…”. فحقل السيري ممرر من خلال حقل طبيعي. ومن ثمة تصير الاستعارة مبنية وفق قراءة متصادية لعناصر العالم لبعضها البعض، وتصير قابلة لأن تتبادل فعالية المعنى في ما بينها. تؤسس التجربة الشعرية التي هي متضمنة في ديوان “لأني في عزلة” لأفق شعري مهم، ولهذا قررت لجنة التحكيم منحها الجائزة. كما ارتأت اللجنة أن ينشر ديوان “لأني في عزلة” في بيروت.
والشاعرة والباحثة ليندا نيقولا نصار تتابع دراساتها العليا في الأدب العربيّ بالجامعة اللّبنانيّة كلّيّة الآداب والعلوم الإنسانيّة الفنار حائزة على الإجازة في الأدب العربي- الجامعة اللبنانية- كلية الآداب والعلوم الإنسانية. استاذة لغة عربية في مدرسة سيتي إنترناشيونال سكول- زقاق البلاط- بيروت. كاتبة في الإعلام الثقافي. عضو في اتحاد الكتّاب اللبنانيين. صدر لها: “اعترافات مجنونة” (2012)، “إيقاعات متمرّدة” (2014). قصص للأطفال بالاشتراك مع ماري مطر: “تكنولوجيا ولكن” (دار اصالة للنشر والتوزيع- 2013)، “أمي صاحبة الكاراج” (دار أصالة للنشر والتوزيع (2013)، “متسوّل ولكن” (دار أصالة للنشر والتوزيع 2015)، “أغني بالعربية” (دار العلم للملايين (2015)، و”طيف بلا ظل” (دار النهضة العربية-بيروت).
فور الإعلان عن فوزها بالجائزة صرحت ليندا نصار: “لا أستطيع تصوير هذا الفرح الذي يسيّجني الآن؛ ولأنه فرح حقيقي بقصيدة تكبر بداخلي كلما عزفت موسيقاي بالقرب من بحيرة البجع، أجدني صفحة من الماء الذي يروي حكايات نصوص كانت تمنحني الحق في الحياة مثلما يمنحني الشعر الحق في الحلم بوطن جميل يفتح قلبه لكل من يحمل إشراقة أمل وسط هذه “الأرض اليباب” التي تهشمت شقوقها بما فيه الكفاية.
ولأن الجائزة كبيرة من خلال اسم فنانة تشكيلية لها بصمتها المتفردة في الفن الإنساني الذي يحمل قضايا وجودية في شخص الدكتورة جنان الخليل، وكذا من خلال تاريخ الأسماء التي توجت بها، وكيف أن دواوين أصحابها حاضرة بقوة في المشهد الثقافي العربي، ويشكلون الآن تجارب قوية. لا يمكنني إلا أن أشعر بالخوف من الكتابة بما هي سلطة رمزية لمقاومة كل أشكال الألم. أشعر أن عزلتي الاضطرارية كانت مهمة لقول هذا الوعي وترميمه والذي يتشكل من خلال الهزات التي يعيشها الإنسان المعاصر.
تصريح ليندت نصار
شكرا للدكتورة الفنانة التشكيلية جنان الخليل وللجنة التي منحتني روحا أخرى لأحلق خفيفة بلا جناحين. شكرا للجنة التحكيم التي ضمت أساتذة ونقادا وشعراء على رأيهم العلمي الدقيق في تجربة “لأني في عزلة”، وقد كان بالنسبة إلي اعترافا رمزيا عميقا بما أكتبه؛ وهذا تتويج له قيمة مهمة في مساري الشعري؛ وهنا لا يمكنني أن أنسى الشاعر العربي الكبير عباس بيضون الذي جعلني أدخل في هذه العزلة الشعرية بعد مقالة السفير التي دفعتني لاكتشاف شعريات ترى وتنظر ولا تكتفي بالاشتغال فقط على ما هو لغوي، وإنما تدوزن اللغة من داخل تجارب الحياة في نقصها، واكتمالها وهذا لا يكون إلا بتشكيل لغة شعرية خاصة تعري هشاشة الوجود فينا، ولأني في عزلة أحبكم جميعا أيها الأصدقاء والصديقات. شكرا لكل من ساهم في تتويجي، ومن دعمني في بداياتي..لاشيء يجعلني أقاوم الألم سوى الشعر به أعيش وبه أموت.