أحيت رابطة قنوبين للرسالة والتراث نشاطها الثاني ضمن فعالياتها لصيف 2016، ونظمت ندوة في الكرسي البطريركي في الديمان حول أربعة جديدة أصدرتها من أوراق بطاركة قنوبين بعنوان ” الوادي المقدس والجوار في الحرب العالمية الاولى”.
جمع الكتب بولس رميا وحققها جورج عرب وراجعها الاباتي انطوان ضو، وهي تقدمة نوفل الشدراوي رئيس الرابطة ضمن تبنيه برنامج أوراق بطاركة قنوبين من المسح الثقافي الشامل لتراث الوادي المقدس. وحضر البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الراعي، مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعّارعلى رأس وفد من مشايخ دار الفتوى في الشمال ، المطارنة رولان أبو جودة، بولس اميل سعادة، مطانيوس خوري، حنا علوان، مارون العمار، امين عام المدارس الكاثوليكية الاب بطرس عازار، اتحاد بلديات قضاء زغرتا الزعني خير، رئيس اتحاد بلديات الكورة كريم بو كريم ، رئيس اتحاد بلديات قضاء بشري ايلي مخلوف، العميد وليام مجلي مدير عام مؤسسة فارس، رئيسة المشروع الاخضر والتعاونيات غلوريا ابي زيد، مدير عام الصندوق الاجتماعي الماروني الاب نادر نادر، رئيس الندوة اللبنانية للحفاظ على البيئة المحامي انطوان بخعازي، نائب رئيس الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم ميشال الدويهي، ناشر النهار الاوسترالية انور حرب، رئيس جمعية تجار لبنان الشمالي اسعد الحريري ، الى رئيس رابطة قنوبين نوفل الشدراوي وأعضاء مجلس أمنائها وحشد من رؤساء البلديات والمخاتير والوجوه الروحية والزمنية.
جورج عرب
بداية اللقاء كلمة لامين النشر والاعلام في رابطة قنوبين الزميل جورج عرب عارضاً لمضامين الكتب الاربعة الصادرة في ذكرى مئوية الحرب العالمية الاولى. وتناول دور البطريرك الحويك في تثبيت كيانات قرى البطريركية الاربعة الديمان ووادي قنوبين وبلوزا وسرعل، الى مساعداته في بشري واهدن والجوار. وأشار الى ان كل كتاب يتضمن قيود سجلات الديمان وبيانات الانفاق اليومي وتكاليف تعمير بيوت الاهالي والعناية بالاراضي الزراعية، الى صور وجوه عايشت حقبة الحرب واحصاءات الوفيات خلالها، بالاضافة الى وثائق تنشر للمرة الاولى متصلة بتاريخ الوادي المقدس الاجتماعي والبشري.
محسن يمين
ثم كانت مداخلة الزميل محسن يمين بعنوان زغرتا في زمن المجاعة. وجاء فيها: هي وقفة تحمل في ثناياها مئة عام، نجتمع في كنف هذا الصرح الوطني الجاممع لنحيي ذكرى الذين طوتهم أعوام المجاعة، والجراد، والأمراض الفتاكة، وأعواد المشانق، ودروب المنافي، ولنحيي إرادة الحياة، وسط الموت العميم، ودور بطريرك عظيم، هو البطريرك الياس الحويك الذي عرف ب”رجل العناية الإلهية”. ذاك البطريرك الجليل الذي بدا وكأنه أرسل لمغالبة الآلام والجراح، ومساعدة شعبه لتجاوز الوضع الكارثي، ومقاومة الإذلال والتخويف، والتلويح برهن أملاك البطريركية المارونية، ضماناً لأي دين قد يسهل رد عائلة الجوع عن شعبه الذي قادنا الى الإستقلال، البطريرك الحويك، والى صيغة العيش المشترك المجابه، مذ ذاك، للتحديات الدورية، ولأعاصر الشرق، زاره في بكركي، في 7 حزيران 1919، مطالباً بسفره الى فرنسا، سعياً وراء الإستقلال، بالقول : لم أسمع بينكم من يتكلم بإسم الطائفة الدرزية، ولا الإسلامية، فلا سبيل للإستقلال إلا برضى الكل.
وكان أن إنتهت مساعيه في فرنسا الى النجاح وأن أعلنت “دولة لبنان الكبير” في الأول من أيلول عام 1920، ذاك اليوم المجيد الذي كلل مكافحات حياته، بحسب تعبير الجنرال غورو.
خلال الحرب العالمية الأولى، وفيما كان البطريرك الحويك يسعى جاهداً لإرسال شحنات قمح تقي شعبه المزيد ممن الموت جوعاً، مستثيراً بذلك غضب جمال باشا، كانت زغرتا، من خلال قوافل بطلها الشعبي سركيس نعوم الذي ترتدي ملامحه في ذاكرتها الجماعية لون القمح، ورفاقه الشجعان، المسيحيين والمسلمين، تؤمن شراء القمح المهرب من عكار، وسوريا، من بلدة المنية، وبذور اللحمة الوطنية العفوية التي ستتظهر بشكل أوضح بعد سنوات قليلة تتناثر وتنمو على إمتداد الشعاب التي كانت تسلكها القوافل الدائبة على إختراق الحدود بين الجبل والولاية، ولإجراءات الحصار التجويعي، ومخاطر قطاع الطرق.
وقد كانت شقيقتها التوأم إهدن لا تكتفي بزراعة القمح في الأراضي المحيطة بها، المعتمد عليها عادةً، إنما في جردها العالي، تأميناً لكفاية أهلها، وسداً لحاجات الآلاف من اللبنانيين المتضورين جوعاً، النازحين إليها.
وكان أن ساهمت زغرتا في إنقاذ كل الذين قصدوها من أنحاء البترون، وجبيل وكسروان، وهم في حال جسدية معقولة، وتعذر عليها المد بحياة طوابير الجائعين الذين بلغوها مشياً بعد فوات الأوان. فكان أن وافاهم الأجل وهم على طرقاتها، وبين منازلها، فدفنتهم في مكان خصصته بلديتها لهذا الغرض، في قطعة موقوفة للرعية، وصلى كهنتها على أرواحهم. وأنا هنا أتحدث عن أرواح ما يزيد على 3800 شخص، بحسب المؤرخ سمعان خازن، قضوا ضحية المجاعة، وضحية الأمراض المنقشية، وأخصها التيفوس، والكوليرا، وهو رقم يكاد أن يوازي ديموغرافياً عدد سكان زغرتا آنئذ، الذي لن يلبث أن يتناقض، ليس بفعل السارية وهزال إمكانياتها الطبية وإفتقارها الى الأدوية والعلاجات وإرتفاع نسبة الوفيات فيها الى معدلات غير مسبوقة، إلا حين نكبت إهدن والجبة بغزو المماليك عام 1283.
لذلك كله، تلقيت بالكثير من الإهتمام فكرة ضم جهدي المتواضع المبذول في سبيل إنارة ما عتم من تلك المرحلة المرعبة، الى جهود البحاثة المساهمين في تسطير صفحات مجموعة “الوادي المقدس والجوتر في الحرب العالمية الأولى”، لتطابق مرامينا وإلتقاء أغراضنا، آخذاً بعين الإعتبار بأن أي مسعى يبذل في هذا المضمار من شأنه توعية الأجيال الشابة الناشئة، ووضعها أمام الحقيقة العارية التالية أن كل تعاقب من فظائع على أرض لبنان، منذ 1975 حتى تاريخه، لا يبلغ عشر معشار ما نكب به جبل لبنان خلال الحرب العالمية الأولى من محن وأهوال، وإن كل الشدائد التي كنا شهوداً عليها وكل المشاهدات لا تقارن بما عصف بالجبل آنذاك.
الى ذلك يضاف شعوري المشابه لشعور كل مهتم بأن كل كتاب أو بحث أو فيلم وثائقي أو معرض فوتوغرافي، يتخذ من مئوية الحرب حافزاً للظهور، ورؤية النور يساهم في كسر الصمت الجائر وغير المبرر الذي غلف هذه الإرادة الجماعية، وأملى على الكتب التي نلنا منها العلم، مروراً خاطفاً على وقائعها لا يتعدى الصمت سوى باليسير اليسير غير المراعي لأوجاع تلك الحقبة المظلمة، ولحجم الكوارث النازلة بنا وغير المداري لمشاعر شعب هدرت دماء أبنائه، فأفنت الحرب 250 ألف شخص من أصل 400 ألف شخص كانوا يشكلون مجموع سكان جبل لبنان وفقاً لإحصاءات الصليب الأحمر الأميركي.
وختم: أختم كلمتي متمنياً لربان الديمان وبكركي الكاردينال الراعي الأمين على إرث أسلافه البطاركة، وفي طليعتهم البطريرك الحويك دوام القدرة والحنكة والحكمة وللإمساك بدفة المسؤولية وسط الأمواج العاتية للمرحلة المضطربة، شاكراً لرابطة قنوبين البطريركية للرسالة والتراث دوام النشاك والتجدد خاصاً بالذكر رئيسها نوفل الشدراوي والمدير التنفيذي لمشروع المسح الثقافي الشامل لتراث الوادي الزميل جورج عرب.
طانيوس نجيم
ثم كانت مداخلة د. طانيوس نجيم في رسائل الحويك خلال سنوات الحرب، وقال: للمجاعة التي فتكت بأهالي جبل لبنان، خلال الحرب العالمية الأولى، أسباب عديدة. أدركها السعيد الذكر البطريرك الياس الحويك لكنه قبل إتهام الآخرين، يعترف بالمسؤولية التي تقع على أبناء الطائفة أنفسهم. هدفه حماية الفقراء والمعوزين من الفاقة وردع الميسورين عن الجشع والإستغلال، وتنظيم المساعدات على صعيد الجماعة بكامل مؤسساتها.
وتابع: وجه سلسلة نداءات الى أبناء الطائفة المارونية، في إحداها يعبر عن عميق تأثره بما يعانونه من شدة وضيق وحاجة. ويذكر الجماعة بأن خطاياها وإبتعادها عن طرق الأجداد القويمة وسلوكها السبل الملتوية، قد أثارت غضب الله وسخطه، ما عرضها لويلات الحرب وأهوالها. يندد بأعمال الجشع التي يقوم بها بعض المستغلين. بل ينذر المرتكبين بأسوأ العواقب ليعلم هؤلاء الذين يعللون النفس بتشييد بيوت كبيرة على أنقاض بيوت الأيتام والأرامل أنهم يصنيعهم يجرون على نفوسهم الويل ويعملون على دك بيوتهم من أسسها. إلا أن سرعان ما ينتقل الى إسداء النصائح الأبوية الى ذوي اليسار من أبنائه ويناشدهم بأحشاء مراحم الرب يسوع أن لا تتصلب قلوبهم على البائسين بل فليكونوا رحماء كما أن أبانا السماوي هو رحيم ويؤثر الرحمة على الذبيحة. يدعوهمن كل وفق طاقته المادية أو الأدبية الى مساعدة المحتاجين ومؤاساة المتضايقين.
وأضاف: بعد ذوي اليسار، يتوجه الى رأس الكنيسة المارونية الى أبنائه الكهنة ونياشدهم بأن يوفوا خدمة المحبة والأبوة ويوصيهم بالتنافس في أعمال الغيرة الرسولية وبكل ما توجبه عليهم وظيفتهم والرسوم البيعية، من تحريض للمؤمنين على التسليم المطلق لمشيئة الله القدوسة من تسلية للمكروبين وتعزية للحزانى وإفتقاد للمرضى. ثم يتوجه البطريرك الى جميع أبنائه، كهنةً وعلمانيين وفقراء وموسرين مشدداً على الألم الخلاصي الذي ينقذ محتمليه إن واكبه الرجوع الحقيقي الى الله الذي لا بد من أن يستجيب إستغاثة محبيه. ويحبذ البطريرك أن يحقق أبناؤه معيشتهم ومعيشة عيالهم بالطرق المشروعة لكنه يدعوهم الى إسترضاء الله بأعمال التوبة والصلاة. بعد ذلك سرعان ما ينتقل من الإرشاد الى مايشبه المساءلة موجهاً نداءً الى الأساقفة ورؤساء الرهبانيات ورؤساء الأديار والمدارس، أن يوافوه بجردة حساب عما يقدمونه للفقراء والجياع. كتب رسالة بتاريخ 18 شباط 1916 الى مطران طرابلس أنطون عريضة (البطريرك لاحقاً) يقول فيها: “…رأينا لازماً أن نطلب من سيادة إخواننا المطارين ومن حضرة أولادنا رؤساء الرهبانيات والأديار والمدارس أن يبينوا لنا أعمال الرحمة التي أتموا ولا يزالون مهتمين بها. بناءً عليه، نرغب الى إخوتكم أن تقدموا لنا في أقرب وقت بياناً حاوياً بالتقريب عدد الفقراء الذين يترددون على كرسيكم وكيمة المال الذي أنفقتموه في مساعدتهم وما وزعتموه عليهم من أنواع المأكل وغيره منذ إبتداء الأزمة الى الآن، وهل بعتم أملاكاً أو إستدنتم أموالاً لهذه الغاية وبأية فائدة إستدنتموها وهل شغلتم البعض منهم وكم كلفكم هذا الشغل وماذا أجريتم من أنواع الإقتصاد في أدياركم توفيراً لإعانة المساكين وما رأيكم في الوسائل التي مكن إستخدامها للقيام بسماعدة المعوزين في هذه الأزمة التي لا تزال آخذة بالإشتداد الى أن يمن الله علينا بالفرج؟ هذا وفيما أننا ننتظر جوابكم عما تقدمن لا نزال نحرضكم ونتوسل إليكم بأحشاء ربنا يسوع المسيح بأن تابعوا عملكم المقدس بمساعدة المساكين الذين وصلوا في بعض الأماكن الى حالة تستدعي بذل النفس والنفيس في إغاثتهم قبل أن يدركهم الموت جوعاً…”
وتابع: لنسم هذا النداء بما شئنان مساءلة للإكليروس أو عرضاً لإنجازاته ومحاولة للدفاع عنه، المهم أنه عمل مشاركة أصيل يهدف الى إبراز الحقيقة كما هي والرد على المشككين بذكر الوقائع الدقيقة من مساعدات مختلفة وبيع أملاك وتوفير في إقتصاد الأديرة، وإستدانة أموال للقيام بأعمال خيرية فضلاً عن كشف النقاب عن أعداد الفقراء والمعوزين الذين تم إعالتهم. لم يتوان الأساقفة عن الإجابة على أسئلة البطريرك، ذاكرين ما تقوم به أبرشياتهم ومقدمين المقترحات الواقعية لمواجهة المستجدات. إطلعنا على معظم التقارير، وإستنتجنا أن التضامن أن التضامن شمل كل الأبرشيات على مساحة الوطن بكامله. فلئن نكبت منطقة أكثر من غيرها، واجب الجميع أن يتضامنوا معها. فالمحبة واجبة على الجميع ولا يستثنىة من أحكامها أحدن والرعاة هم أول المسؤولين عن أحوال رعاياهم والمفترض بالمؤسسة الكنسية أن تكون خير المؤسسات وأحرصها على صالح الجماعة، لأنها موكولة عليها من قبل الله. وأطلعنا على أجوبة رؤساء الرهبانيات تعرض الأجوبة إسهامات الرهبانيات، ديراً ديراً، 13 للرهبانية اللبنانية، 9 للرهبانية المريمية، 8 للرهبانية الأنطونية، 6 أديار منفردة، فضلاً عن أديار جمعية المرسلين اللبنانيين، وأديار راهبات وأديار منفردة وست مدارس مع أوقافها. بإختصارن بالإضافة الى إلتزام الراهبانيات أصلاً خدمة الشركاء والمؤمنين المتحلفين حولها والفقراء الغرباء الطارقين أبوابها منذ بداية الحربن أبدت الرهبانيات تجاوباً كلياً مع السيد البطريك، ما أدى ببعضها الى رهن كامل ممتلكاتها والأواني الكنسية وبالبعض الآخر الى عيش الزهد بحذافيره وبيع ممتلكات لصرفها وتوزيعها على الفقراء والمعوزين. من حسن طالع الجماعة أن تطلع الكنيسة بعامة والرهبانيات بخاصة بمهامها الروحية ومن ثم بواجباتها الإنقاذية. أما الأمر اللافت والبالغ الأهمية والغنى بالعبر، فتكليف البطريرك كاهنين بزيارة مقاطعة الشوف بإسمه لمؤاساة أهلها ومساعدة عائلاتها المحتاجة وتقديمهما في أوائل كانون الثاني 1918، تقريراً عن مهمتهما مقورناً بصورة عريضة عمومية مرفوعة لغبطة السيد البطريرم ممهورة بأختام عموم أهالي القرى الذين لا يحسنون إنشاء العراي الخصوصية. وعدد القرى التي شملتها جولة المرسلين 26 قرية، بالإضافة الى عائلات عديدة قدمت لها المساعدات. ومما جاء في هذه العريضى: “… ما أشد ما كان لخواطرنا من البهجة ولقلوبنا من المسرة ولرؤوسنا من الرفعة بين جيراننا وأصحابنا بهذا الإلتفات السامي الذي أحيا نفوسنا كما يبعث الميت الى الحياى. أما ما تكرمتم به من المساعدات المادية فإنها وإن كانت قد أنطقت ألسنتنا بأحر عواطف الشكر والإمتنان، غير أن شكرنا المتزايد إنما إستوجبته المساعدات الروحية التي أفضتموها بواسطة أبنائكم المرسلين على أنفسنا التي كانت بأقصى درجة من الحاجة الى إنعاشها بالأسرار الإلهية والإرشادات الخلاصية في هذه الآونة الصعبة التي هي من أكبر مساعدات الضعف البشري على اليأس والقنوط”.
وأردف: لعل ما أدلى به سكان هذه القرى، لسان حال الجماعة المارونية بأسرها. من نعم الله على الكنيسة وتدبير عنايته في تلك السنين الصعبة أن يوجد على رأسها بطريرك من طينة بطاركتنا العظام الذين لا يزالون حتى اليوم مع غبطة أبينا البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي يبذلون كل شيء لقيادة السفينة الى شاطئ الأمان في غمرى الصعوبات المصيرية التي تتهددها. لعل تكليف جميع اللبنانيين للبطريرك الحويك، بعد ذلك، حمل قضية الوطن الى مؤتمر السلام في باريس أبلغ إقرار بفضله وفضائله وخير تقدير له من قبل كل الطوائف على كل ما صنع. وليس إعتباطياً أن يلقب بالركن المؤسس لدولة لبنان الكبير وأب الإستقلال.
وختم: وأخيراً أسمح لنفس بالقول إن أفضل إعتراف بما أنجزه البطريرك الكبير تبني الكنيسة المارونية في هذه الآونة الأخيرة دعوى تطويبه ورفعها أمام مجلس القديسين في روما. عسى أن يتابع من أعالي السماء مع جميع قديسينان قضية لبنان الشهيد الحي المعذب حتى من أعز أبنائه. هذا نداؤه اليوم انقذوا لبنان يا جميع مسلميه ومسيحييه، فحبذا أن يلتقي الجميع على إنقاذ المقدسات.
ثم تحدث الاباتي انطوان ضو في الرحمة الالهية المتجلية بأوراق الحويك الواردة في الكتب الاربعة. وجاء فيها: اليوم في الديمان كتب عن توزيعات البطريرك الياس الحويك في قنوبين والوادي المقدس أثناء الحرب العالمية الأولى للأستاذ جورج عرب. وقريباً جداً في بكركي كتب عن توزيعات البطريرك الياس الحويك وكل الأبرشيات والرهبانيات والأديار في كل لبنان، الى موسوعة جديدة عنوانها أوقاف البطريركية المارونية منذ سنة 1300 الى سنة 1940. في القسم الثاني من هذه المجموعة التاريخية التي سنطلقها قريباً من بكركين إن شاء الله، وفيها لوائح بالتوزيعات التي تم توزيعها على جياع الحرب العالمية الأولى.
وأضاف: من خلال التقارير التي رفعها المطارنة والرؤساء العامون ورئيسات ورؤساء بعض الأديار الى البطريرك الحويك، ومن لوائح التوزيعات من قبل البطريرك، نمجد الله المعطي للكنيسة ونشكره على تلبية نداء الواجب والرحمة من الإكليروس تجاه إخوتهم الجياع، بحيث أنهم بدأوا بحرمان أنفسهم ليطعموا الفقراء والجياع، فصاموا وصلوا وتعذبوا وإهتموا بجميع الناس. نقرأ التقارير الأعمال البطولية في مجالات المحبة والرحمة، فنتأثر ونبكي على التضحيات الشريفة والعطاءات الخيرة ونذكر منها على سبيل المثال: سمحوا للناس أن يقطعوا الأشجار للتدفئة وبيع الفحم، أباحوا للجياع أن يأكلوا المواسم، رهبان لم يدخلوا السكر والبن الى أديارهم. راهبات جائعات بثياب ممزقة وبدون كلسات. كاهن يقول كل سنتين أشتري غمباز صلاة وصوم وعطاء ورحمة. شكوى واحدة من رئيس دير مار جرجس الجبل في يحشوش قائلاً إنهم سرقوا دابة الدير المريضة بغيابه وذبحوها وأكلوا لحمها. في طرابلس أكلوا لحوم البشرن وفي غير أمكنة أكلوا لحوم البسينات، الجراد حجب نور الشمس وأكل الأخضر واليابس. غلاء فاحش: رطل القمح ب 180 قرشاً في لبنان، وفي حلب ب80 قرشاً. يومياً دفن موتى ونبش قبور في الأرض. لماذا أطلقنا ونطلق هذه السلسلة التاريخية من الديمان وبكركي بإسم رابطة قنوبين البطريركية للرسالة والتراث؟ كل ذلك تحية للبطريركية المارونية وللبطريرك الحويك، باني لبنان الكبير وجامع المسلمين والمسيحيين في وطن واحد، يعيشون فيه معاً بحرية وكرامةن وإخوة ومواطنون متساوون في الحقوق والواجبات.
وختم: أيضاً وبخاصة تحية الى بطريرك الشركة والمحبة، والوحدة في التنوع، والرحمة والتراحم والمصالحة مار بشارة بطرس الراعي القنوبي الأصل والقلب والهوى والهوية والروحانية والثقافة والرسالة واللطف واللياقة والضيافة وحب الناس، وبطريرك النسك الناعم ولاهوت فقه اللحظة الذي لا ينعس ولا ينام أطال الله بعمركم.
المفتي الشعار
بعد ذلك كانت مداخلة المفتي الشعار في البعد الوطني لمضامين الكتب الاربعة. وقال: العطاء من الله عز وجل لأنه المنعم المتفضل والأقدار كلها خير وبركة حتى تلك التي نحمل بعض المصائب فهي عند المؤمنين بالله تعالى ورسله لهم وليست عليهم ولذلك قال الله تعالى في كتابه الكريم “قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا”. فالمصائب لنا وليس علينا لأننا شاكرون لله تعالى في السراء… وحامدون لله تعالى في الضراء وليس ذلك إلا للمؤمن. فالحمد لله تعالى على كل حال. ولعلي واحد من أهل الحظوة أو الحظوظ بمحبتكم وبإتاحة هذه الفرص التي أسعد بالتحدث إليكموبحضور صاحب النيافة والغبطة المحرك والمجدد والمفعل لقضايا الوطن والمواطنين هذه الفرص التي أخاطب بها عقولكم وضمائركم وتطلعاتكم الى الغد المرجو والمستقبل المشرق. فنحن أبناء وطن واحد بل عائلة واحدة ترتكز وتقوم على قيم ربينية، وإنسانية ووطنية. وهي قيم الحياة والعيش المشترك قيم المحبة والشراكة والتراحم التي تحتضن قيم الجوار والحوار بإنفتاح كلي بعيد عن المخاوف والحذر فضلاً عن الكيد والمكر. وفي إطار من العلاقات الودية التي تريح ولا تخيف وتبني ولا تهدم وتعمل ولا تعطل. ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون.
وتابع: إذا أردت أن أستطرد أكثر في بيان أسس العلاقة بين المسلمين والمسيحيين على وجه التحجيج فإني أعلن بالفم الملآن بأن الله تعالى قال لنا في القرآن الكريم: “لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين.. إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم”.. فأساس العلاقة بيننا تقوم على البر ومثلكم يدرك معنى البر مضمونه طالما أنه لم نقاتل في ديننا أو لم نخرج من ديارنا. والأمر بالقسط هو الأمر بالعدل وهو الحد الأدنى وهو حق لكم وليس منةً منا إليكم هكذا يقول القرآن الكريم وهكذا يعلمنا الله تعالى في تنزيله. إذن العلاقة بيننا قديمة جداً وتصور الى لحظات نزول القرآن الكريم على النبي وليست علاقة حديثة أو جديدة.
وأضاف: نحن اليوم لا نتحدث عن جمالية العلاقة بين المسلمين والمسيحيين لأننا نعيش في لبنان أو لأن الحياة مع بعضنا قدر لا مفر منهن وإنما نتحدث عنها لأننا مسلمون ومسيحيون وكل واحد منا مطالب أن يمارس دينهن وقيمه ويعبر عن تدينه وفهمه مضمون التدين، وصفاؤه ينجلي في المعاملة مع الآخرين مسيحيين كانوا أم مسلمين. نتحدث عن العلاقة وجمالياتها لأنها خيار ديني، وإنساني وحضاري، نحن أمة متحضرة لأننا أمة القيم والإنسان والحياة، لأننا أمة المحبة والشراكة والتراحم، لأننا مسلمون ومسيحيون ولأن الإنسان أخ الإنسان ولأنه خير الناس أنفعهم للناس ولأن الخلق كلهم عيال الله وأحبهم الى الله أنفعهم لعياله.
وتابع: العلاقة بين المسيحيين والمسلمين مرت بمحطات متباينة فتارةً طعنت السياسة والإستبداد والكراهية وغابت القيم والفضائل والدين فكانت محطات سوداء قاتمة وعند كل من الفريقين وتارةً غلبت القيم والدين فكانت محطات ذهبية مشرقة ساطعة. فنحن في قرآننا الكريم منحازون إليكم وليس أدل على ذلك من قول الله تعالى في سورة الروم “ألم غلبت الروم في أدنى الأرض، وهم من يعد غلبهم يومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله بنصر من يشاء وهو العزيز الرحيم”. وقي الحديث النبوي الشريف لا يرحم الله من لا يرحم الناس وكلمة الناس هنا عامة تفيد المسلم وغيره أياً كان.. ويوم فتح مكة عفا عن المخالفين وكانوا مشركين وهم الذين أخرجوه من مكة وتآمروا على قتله.. وعندما عاد إليهم فاتحاً مكة قال: إذهبوا فأنتم الطلقاء، إذهبوا لأفتريت عليكم اليوم. وورد أن وفداً من الأنصار جاء الى رسول الله فقالوا يا رسول الله أدع الله على تقيف فقال رسول الله “اللهم إهد تقيفاً” فقالوا يا رسول الله أدع عليهم فقال رسول الله “اللهم إهد تقيفاً” فعادوا فعاد ثم أسلموات فوجدوا من صالحي الناس إسلاماً ووجد منهم أئمةً وقادة. وكذلك عندما قدم الكفيل بن عمرو الدوسي وأصحابه فقالوا يا رسول الله إن دوساً قد كفرت وأبت فإدع الله عليها فقيل هلكت دوس فقال إهد دوساً وإئت بهم. وكان الرسول يقبل الهدية من المسلمين ومن غير المسلمين حتى ولو كانوا من أهل الحرب. قال من المغني لإبن قدامه المقدسي ويجوز قبول هدية الكفار من أهل الحرب لأن النبي قبل هدية المقوقس صاحب مصر. وكان يزور مخالفيه من أهل الكتاب ومن غيرهم وقال من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة. وكان الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه يوصي الجيوش الإسرمية بقوله “وستمرون على قوم في الصوامع رهباناً يزعمون أنهم ترهبوا في الله فدعوهم ولا تهدموا صوامعهم. ومر عمر رضي الله عنه بباب قوم وعليه سائل يسأل شيخ كبير ضرير البصر فأمسكه بيده من الخلق وقال له من أي أهل الكتاب أنت؟ قال يهودي فما ألجارة الى ما أرى؟ قال أسأل الجزمة والحاجة والسن. قال فأخذ عمر بيده وذهب به الى المنزل (أي الى منزله) فرضخ له بشيء من المنزل ثم أرسل الى خازن بيت المال فقال أنظر هذا وأمثاله فوالله ما أنصفناه إن أكلنا شبيبته ثم نخوله عند الهرم (إنما الصوفات للفقراء والمساكين) والفقراء هم المسلمون وهذا من المساكين من أهل الكتاب ووضع عن الجزية وعن أمثاله. ويوري عن عمر رضي الله عنه أنه إستعار ثوباً من نصراني (ميبحب) وأنه توضاً من جرة نصرانية وأنه قد صنع له أهل الكتاب طعاماً فدعوه فقال أين هو قالوا في الكنيسة فكره دخولها وقال لعلي رضي الله عنه إذهب بالناس فذهب علي بالمسلمين فدخلوا فأكلوا وجعل علي ينظر الى الصور وقال ما على أمير المؤمنين لو دخل فأكل. وروى أن سلمان وأبا الدرداء رضي الله عنهما صلبا في بيت نصرانية (مسيحية) فقال لها أبو الدرداء هل في بيتك مكان طاهر فنصلي منه فقالت طهرا قلوبكما ثم صليا أين أحببتما فقال سلمان خذها من غير فقيه.
وتابع: وسأضرب مثلاً آخر ليس متداولاً ولا مشهوراً على ألسنة الناس ةقج قرأته من كنوز أوراق بطاركة قنوبين الجزء الخامس (سرعل في الحرب العالمية الأولى) وفي الصفحات (369-374) ومفادها أن أبناء زغرتا كانوا يجابهون محنة لم يشهدوا لها مثيلاً وأن أي تقاعس عن تأمين مستلزمات العيش وأخصها القمح ستكون نتائجه مهلكة. وكانت الضرورة الماسى تقتضي بالتحرك في الساحل وتعبئة القوى وتجييش النفوس بموازاة الجهود الجماعية الجبارة المبذولة في الجرد. وكان هذا العمل ينتظر بطلاً إستثنائياً فوجده في المغترب العائد من الولايات المتحدة الأميركية وهو سركيس نعوم الجد الذي كانت تنتظره طبول الحرب التي رفعت سعر رطل القمح من الفرستين ونصف من طرابلس الى عشرة قروش ونصف في زغرتا وطال ليل المحنة يومها. وكانت زغرتا حزينة العينين يومها إلا أنها تجاوزت ليلها المظلم بواسطة رجالها ونسائها لولا وصول الجراد.
وأضاف: موقف الإمام الأوزاعي رحمه الله ورضي عنه عندما أراد والي الشام والخليفة العباسي أبو جعفر المنصور إجلاء وإخراج وطرد أهالي جبل لبنان من المسيحيين بعد أن ثارت جماعة منهم وتمردت على الوالي العباسي وشقوا عصا الطاعة. فرفض الإمام الأوزاعي إجلاء هؤلاء كلهم ووقف في وجه الخليفة العباسي بعناد مذكراً أهل السلطة بالعدل بين الناس وأن خطأ البعض لا يستوجب معاقبة الجماعة وكتب الى الوالي كتاباً فيه قول لله تعالى “ولا تزر وازرةُ وزر أخرى” وقوله تعالى ولا يحرمنكم شنان قوم على أن لا تعدلوا إعدلوا هو أقرب للتقوى. وسلم أهالي جبل لبنان من المسيحيين من تعسف السلطة والوالي وحفظوا للإمام الأوزاعي جميله وموقفه ولقب بشفيع النصارى.وتقاطر الجياع والمشردين بأعداد كانت تحتاج الى دول لإغاثتها والذي يظهر أن البطل سركيس نعوم كان على قدر المسؤولية حتى قال عنه الرئيس سليمان فرنجية بأنه رد المجاعة عن بلدته بكاملها وأن الواجب كان يقضي بأن توافيه بتمثال وذكرى رفاقه الأبطال. ثم يقول الرئيس فرنجية ستحتفظ زغرتا بشعور خاص بالإمتنان للزعيم عبد الحميد كرامي الذي كان يمتنع عن بيع القمح المزروع في أملاكه الواسعة في مرياطة للمطارنة الآتين من جبل لبنان وبيروت قبل تأمين كفاية الجيران جيرانه أهل زغرتا. كما ستحتفظ بمثل هذا الشعور لعارف علم الدين مبين رفاق نعوم لإلزامه نفسه بتأمين وصول القمح الذي كان يشترى منه ومن تجار آخرين في المنية الى زغرتا بأمان في وقت لم يكن هنالك ما يلزمه سوى شهامته ونخوته وسنتابع زغرتا بكثير من القلق خبر إعتقاله من قبل الجنود الأتراك بحجة سعيه لخرق الحصار الضروب، ومساعدته نعم وهربه من السجن في إسطنبول وعيشه في بادية الشام، وسنشارك أهل المنية فرحتهم بعودته سالماً أيام الإنتداب الفرنسي وآخر ما في حكاية البطل سركيس نعوم وهي حكاية أسطورية أنها وضعت الفروسية والمرحلة من خدمته الفقراء ونصرة الجياع، وحكاية نخوة إنطوت صفحتها، وأن بطلها لقي مصرعه بطلقة صديقة في الظهر وهو يدافع ذات ليلة في مجدليا عن شيخ من مشايخ الزاوية كان يتعرض للسلب وأنه لم يعش ليرى نهاية الحرب التي حارب مضاعفتها ومفاعلها وأنه مات حيث لم يتوقع لنفسه أو يتوقعه له أحد وهو في الثلاثين من عمره. أما ألمع ما فيها فهو أن قوافل القمح التي كانت في حمايتها بنادق الزغرتاويين والمسلمين رسمت بالدم والعرف وبوقع حوافر الخيل ودعسات السائرين من كل الأعمار والجهات في ركبها معالم طريق الوحدة التي لن يطول تأكدها بين اللبنانيين يوم إعلان لبنان الكبير. وأما رفقاء البطل سركيس نعوم الذين كانوا يؤمنون له وصول القمح الى زغرتا فهم مجموعة من القبضايات ومنهم عارف علم الدين، رفعت الوحش، كامل الخراط، رشيد العويك، محمد سعد الدين وحسين سعد، بالإضافة الى مجموعة من قبضايات زغرتا.
وهنا لا بد لي من وقفة تأمل وتدبر نعود فيها لضمائرنا الحية، لنستشرف مستقبلنا وغدنا نحن أبناء رسالات سماوية وقيم دينية ونحن أبناء نخوة وشهامة ورجولة. نحن نملك سلاحاً قوياً هو وحدتنا الطنيةن بتسامحنا الديني، محبتنا لبعضنا لا يجوز أن يكون إختلاف الدين سبباً للفرقة أو الخصومة أو التراشق والبغضاء والكراهية. الدين يلزمنا بالمحبة للآخر أياً كان مذهبه وأياً كان دينه وطائفته. الدين يلزمنا بأن نحب لبعضنا ما نحبه لأنفسنان الدين يكرم الإنسان أي إنسان أياً كان. الدين يكرم الإنسان حياً وميتاً، ويحرم إيذاءه وإضطهاده، ويحرم إزعاجه كما يحرم الغمز واللمز، الدين لا يعرف الكراهية حتى لمن آذانا. فكيف بقر الإضطهاد والأذى والقتل والسلب والدماء ، الإسلام بريء من القتل والإعتداء، الإسلام يعلن بأن من قتل نفساً بغير حق فكأنما قتل الناس جميعاً، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً. الإسلام بريء كل البراءة من أي عمل بربري فيه إكراه الآخرين على غير معتقداتهم ولو كانوا بوذيين أو صائبه. الدين عندما يلزمنا بحتمية الإلتزام بقانون البلد الذي ندخلهن أو نزوره أو نقيم فيه، وإن ما يحدث من تهجير وقتل وتدمير في العراق وسوريا وفلسطين وفرنسا لا علاقة له لا بديننا ولا بقيمنا. هذه مجموعات مقبركة ومصطنعة صنعتها أياد غريبة صهيونية تعادي الإنسان والأديان وتعمل لمشروع يصب في مصلحة إستقرار إسرائيل وحمايتها من أجل إقامة دولة يهودية دينية، ومن أجل تقسيم عالمنا العربي والإسلامي بمشروع شرق أوسطي جديد.
وختم: الوحدة الوطنية بين المسلمين والمسيحيين والوحدة بين المذاهب الدينية هي سلاح اللبنانيين الذي نقاوم به أي فتنة أهله أو داخلية أو مذهبية هي التي تحفظ لبنان وأرضه وكيانه. وهذه الوحدة لا تتحقق إلا إذا إلتزمنا جميعاً بتعاليم ديننا وبقيم الرسالات السماوية بمقدار ما نعرف ونطبق ونلتزم بتعاليم الدين يكون الأمن والإستقرار وكلما هجر الناس تعاليم دينهم ساد الجهل والفوضى وعم البلاء والفساد وكثر الهرج والمرج وعاش الإرهاب وإستشرى الحل هو الصورة الى التعاليم الدينية والقيم الإنسانية.
البطريرك الراعي
وختاماً كلمة البطريرك الراعي وجاء فيها: : في ختام هذا اللقاء الجميل والمحب أود أن أقول أربع كلمات سريعة أولاً الترحيب ثم الشكر ثم التواصل ثم نداء. بإسم إخواني المطارنة وبإسم البطريرك الكبير الذي أحيينا ذكراه اليوم كأب الفقير والفقراء البطريرك مار الياس بطرس الحويك باني هذا الصرح. وبإسم معاونه مطران طرابلس آنذاك ومكمل هذا البناء البطريرك أنطون بطرس عريضة الذي باع صليبه لكي يطعم الفقراء بإسمهم أرحب بكم صاحب السماحة مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار. وترحيب شكر على الكلمة الرائعة الشاملة التي تفضلتم بها وكنا نود بالحقيقة أن تستمر لأن في قلبك الكثير الكثير الذي تود أن تقوله لنا وللبنانيين ولهذه المنطقة المشرقية التي تحتاج الى مثل هذا الكلام. وأرحب بأصحاب الفضيلة المشايخ الكرام الحاضرين معنا. أرحب بكل هذا الجمهور الكريم فرداً فرداً وهذا الترحيب أقوله وأسوقه أيضاً وخاصةً بإسم رابطة قنوبين البطريركية للرسالة والتراث التي أطلقت أوراق بطاركة قنوبين والتي جمعتنا هذه الليلة ونشكرها على كل ما تعطينا من تاريخنا لكي نحيا جمال هذا التاريخ. الشكر لكم لكل الذين تكلموا والذين أحيوا هذه الصفحة المجيدة في قلب صفحة مؤلمة المجاعة في لبنان أقول مجيدة لأنها أظهرت محبة صاحب القلب الكبير البطريرك الحويلك، أشكركم على كل هذه الكلمات وعلى كل ما أظهرتم فيها ومن خلالها شخصية وقلب هذا البطريرك الذي لا نختلف أن نسميه أب الفقير ونحن نامل ونصلي أن يظهر الله قداسته كما تعرفون وقيل أن دعوى تطويبه اليوم في الدوائر الفاتيكانية نرجو عندما تنتهي أن يحمل لقبين أب الفقير وأب لبنان الدولة الحرة السيدة المستقلة. لأن بهذين اللقبين للبطريرك الحويك يلقى كل لبناني هويته، لأن عديدين من اللبنانيين أشخاص مؤسسات تعمل من أجل الفقير لا تحصى ولا تعد، نحن نعرف عدداً قليلاً جداً من هؤلاء الذين يعطون من مالهم ويسخون في سبيل إخواننا اللبنانيين مسيحيين ومسلمين والذين من خلال المؤسسات الإجتماعية والخيرية هؤلاء يواجهون موجة فقر يعانيها اللبنانيون ومعروف من الإحصاءات الأمم المتحدة ويا للأسف ويا للخجل أن ثلث الشعب اللبناني أضحى تحت مستوى سقف الفقر فلولا هؤلاء الأشخصاص الأفراد ولولا المؤسسات في الدولة والمؤسسات في الكنيسة والمؤسسات في المجتمع لمات شعبنا من الفقر من جديد. لكن أود أن أحيي معكم وأشكر كل أبناء لبنان المنتشرين الذين غادروا لبنان وحققوا ذواتهم وقلبهم في لبنان يساعدون أهلهم ، يساعدون مؤسساتهم يأتون الى لبنان صيفاً ويأتون شتاءً هؤلاء معكم أحييهم وأشكرهم جميعاً.
وأضاف: أما التواصل فهو أن الفقير ويا للأسف لا يموت ولا ينتهي وقالها الرب يسوع يوماً عندما إعترض أحدهم وكان في بيت وكانت إمرأة خاطئة وحملت معها قارورة طيب غال الثمن وبروح التوبة كسرت هذه القارورة وسكبتها قدمي يسوع باكيةً على خطاياها فإعترض يهوذا الإسخريوطي الذي أسلمه وقال لوكان يباع هذا أليس أفضل ويطعم للفقراء، أعطى يسوع جوابين الجواب الأول قال “إنها إستبقت تكريم موتي والجواب الثاني الذي يعنينا الآن الفقراء معكم كل حين”. لأقول لا أحد منا ان يعتبر ما أنعم الله به عليه من خير من أي نوع كان ولو كان من إرث أو تعب لا يحق لأحد أن يعيش سعيداًلوحده. فخيرات الأرض كلها معدة من الله لجميع الناس وآباء الكنيسة القديسون كرروا أكثر من مرة عندما تعطي الفقير أنت لا تحسن عليه أن تعطيه حقه من العدالة أن تعطيه حقه. نحن علينا أن نعيش هذا التواصل . أرحب بل أشكر وأقدر معكم كل هؤلاء الذين يواصلون عمل الحويك في أي طريقة أو في أخرى أود أن أحيي الكنيسة كوننا نحن نحيي بطريركاً عظيماً. أحيي الرهبانيات الأبرشيات هؤلاء الذين اليوم يواجهون الفقر في مدارسهم وجامعاتهم ومستشفياتهم وفي مياتمهم وفي مؤسسات تعنى بإحتياجات الإنسان أكان صغيراً أم مسناً أو معوقاً أو من أي نوع كان هؤلاء يواصلون بروح الحويك هذه الرسالة في الكنيسة ألوف وألوف من الأشخاص لا أحد يدرك بهم هؤلاء يعيشون ويختبرون جمال المحبة.
وأضاف: عندما أسس القديس دي بول رهبنة تعرفونها كلكم راهبات المحبة قال لهن: عندما تمتن وتحضرن أمام الله سكون هناك جماهير من الناس يقولون يا رب هذه الراهبة عرفتنا عليك نحن عرفنا أنك أنت المحبة والرحمة هي عرفتنا عليك وعندما أبونا يعقوب الكبوشي أسس رهبنة الصليب التي تضم في دير الصليب ألف مريض عصبي ونفساني يعيشون هناك وكل واحد لديه علاج خاص وتتشاطر الدولة أن لا تدفع لها مستحقاتها يقول لهم الينبوع لا يسأل العطشان ما دينك ما مذهبك أو ما هو لونك يعطيه ليشرب .هذا الشيء تذكرناه الليلة. عندما سماحتك تحدثت عن المسلمين وعندما تحدثوا عن البطريرك الذي فتح قلبه لكل الناس وقرأنا بهذه المجموعة لم يكونوا يفرقون أبداً لأن الجوع والعطش والحاجة ليس لهم دين ولا لون ولا مذهب. هذه رسالتنا في لبنان التي تفضلت سماحتك وتحدثت عنها هذا العيش المشترك في لبنان هذه حضارتنا اللبنانية وثقافتنا اللبنانية التي نريد الحفاظ عليها . عندما اللبناني أو أياً يكن يدخل بيت مسلم أو بيت مسيحي يجد الضيافة، يجد الحب، يجد الإخلاص، هذا نحن حريصون لأن يبقى. هذا هو التواصل الذي نحن علينا أن نحافظ عليه في لبنان أما النداء فللسياسيين في لبنان الذين يتعاطون الشأن السياسي في لبنان كلنا يعرف أن العمل السياسي هو فن شريف لخدمة الخير العام الذي منه خير كل إنسان والخير العام يعني إحتياجات الأفراد والجماعات كل أنواع الإحتياجات ليعيشوا بكرامة ويحققوا ذواتهم.
نداؤنا من هنا معكم من هذا اللقاء وبصوت الحويك وبصوت عريضة كفوا أيها السياسيون عن تجويع اللبنانيين، كفوا عن تهجير اللبنانيين، كفوا عن إذلال اللبنانيين، كل مرة إذا اليوم في القرن الواحد والعشرون نجد عائلات لبنانية محرومة من الخبز مع كل محافظتها على كرامتها لم تزل تطرق بابك وتطلب حسنة هذا عار في هذا الجيل ولذلك لا يحق للذين يتعاطون الشأن السياسي أن يتعاطوا كما هم اليوم يعطلون مؤسسات الدولة ويعطلون إنتخاب رئيس ويعطلون العمل في كل مؤسساتنا العامة هذا شيء مرفوض لا نستطيع قبوله على الإطلاق، معكم هذه صرخة الحويك أب الفقير وأب لبنان الكرامة ولبنان السيادة ولبنان الحرية ولبنان العزة ولبنان الذي كانوا يقولون عنه نيال الذي لديه مرقد عنزة في لبنان، هذا النداء نطلقه معكم من قلب الحويك ونحن نتخضر بعد أربع سنوات وقد مر منها سنتين وثلاثة أشهر دون رئيس مروا بلمحة وفي هذه اللمحة في خراب للبنان، خراب لشعب لبنان، دمار للبنان أربع سنوات تمر بسرعة ليس هكذا نستعد لنحتفل بالمئوية الأولى بإعلان لبنان الكبير الذي إسمه مزدوج مع البطريرك الكبير الياس الحويك.
وختم: أريد أن أنهي بنقطة رجاء نحن جماعة الرجاء الذي تفضلت سماحتك وقلتها طبعاً المجاعة التي ضربت لبنان والحصار الذي ضرب على لبنان وثلث الجبل الذي مات من الجوع وإندثرت بيوت وبلدات ذهبت الى المهاجر ورمت بنفسها على شطئان العالم لبنان عاد وقام من الركام وإنطلق ونقول بالرغم من كل شيء بسبب إرادة اللبنانيين الصامدين على أرض لبنان والصامدون في عالم الإنتشار هذا كفيل بقيامة لبنان لأن إيماننا بالله وإيماننا بلبنان أكبر من أي إعتبار . نحن صلاتنا أن الرب يقصر أيام الإنتظار لننعم سوياُ بلبنان الجديد الذي نريد أن نعيشه كل الذين ماتوا من الجوع وأتيتم على ذكرهم وكل الذين نجوا من الجوع وأتيتم على ذكرهم ولكن الذين ماتوا من الجوع هم ماتوا ونحن حيينا.
بعد ذلك قدّم الشدراوي المجموعة الاولى من الكتب الى البطريرك الراعي، فالى المفتي الشعار فالى سائر رؤساء بلديات ومخاتير قرى منطقة الوادي المقدس والجوار.