مُورِيس وَدِيع النَجَّار
(أديب وشاعر وناقد وروائي- لبنان)
دِيَارُ طُفُولَتِي، حُبِّي المُقِيمُ، بِكُلِّ تُرَابَةٍ، فِيهَا، أَهِيمُ
نَذَرتُ الآهَةَ الحَرَّى لِتَبقَى العُهُودُ، بِحِضنِهَا، ذِكرَى تَدُومُ
هِيَ الحُبُّ الأَثِيرُ، رَعَى صِبَانَا، وَمِن عُمرِ الهَوَى، وَصلٌ حَمِيمُ
مَدَارِجُ، كَم لَهَونَا فِي حِمَاهَا، وَمَهدٌ دَافِئُ المَلقَى، رَؤُومُ
نُصَلِّي كَي يَطُولَ لَنَا سَنَاهَا، وَكَي تَبقَى لَنَا، ذُخرًا، نَصُومُ!.
وَيَومًا سَوفَ يَدعُونَا إِلَيهَا نَذِيرٌ وَجهُهُ قَاسٍ، كَظِيمُ
فَنَأتِي، فِي حُشُودٍ دَامِعَاتِ القُلُوبِ، وَعَن ثَرَاهَا لا نَرِيمُ!.
وأذكر بِالتَّشَهِّي يَومَ كُنَّا فَرَاشًا لَيسَ يُتعِبُهَا الشَّمِيمُ
رِفَاقًا نَستَبِيحُ الأَرضَ، لَهوًا، فَكَم زَرعٌ، إِذَا جُزنَا رَمِيمُ
يُدَوِّمُنَا العَبِيرُ عَلَى الرَّوَابِي، فَوَشيٌ أَخضَرٌ، وَنَدًى عَمِيمُ
وَنَرقَى السَّفحَ، أَسرَابًا خِفَافًا، فَلا كَدَرٌ يَقُضُّ، وَلا هُمُومُ
نُجَوِّزُ كُلَّ مَا نَهوَى، وَحَتَّى المُحَلَّلُ، فِي ضَوَابِطِنَا، ذَمِيمُ
وأَذكُرُ نَهرَنَا كَم طَابَ فِيهِ المِرَاحُ، وَصَوتُهُ الشَّاجِي رَخِيمُ
كَثُعبَانٍ تَلَوَّى فِي مَحَانِي السُّفُوحِ، وَفِي مَهَابَتِهِ عَظِيمُ
وَحَولَ ضِفَافِهِ شَجَرَاتُ وَعرٍ كَأَشبَاحٍ يُكَنِّفُهَا السَّدِيمُ
وَيَأتِي الصَّيفُ، وَالجَنَّاتُ تَذوِي، هَدِيرٌ غَابَ، وَاندَاحَ الهَشِيمُ
هُوَ “العُصفُورُ”(1) تَخنُقُهُ الأَيَادِي، مَدَى الهَضَبَاتِ، كَي تُروَى كُرُومُ
فَيَنشُطُ فِي الشِّتَاءِ مَعَ الغَوَادِي، لِيُبعَثَ، عِندَ عَودَتِهِ، الرَّنِيمُ
فَفِي الوَادِي نَشِيدُ الطَّيرِ عَذبٌ، وَفِي العَالِي غِلالاتٌ غُيُومُ
وَفِي لُحُفِ الحَفَافِي مَا تَشَهَّى صَبَاحَتَهُ سُلَيمَانُ الحَكِيمُ
رُسُوْمٌ(2) خَطَّهَا عُمرٌ أَلِيفٌ، وَكَانَ عَلَى حَنَايَانَا الرَّقِيمُ
تَعُودُ إِلَى زَوَايَا البَالِ أُنسًا، وَكَالأَطيَارِ، فِي الذِّكرَى، تَحُومُ
ذَوَت خَطَوَاتُنَا، وَذَوَى صِبَانَا، حَنَانَ اللهِ(3) تَذوِي يَا رُسُومُ..
إِذَا شَابَ الوَسِيمُ، فَلَن تُعَابَ الوَسَامَةُ، وَالمَشِيبُ، بِهِ، وَسِيمُ
وَإِن أَفَلَ النَّهَارُ، فَجُلَّنَارٌ، وَأُفقٌ فِي غَشَاوَتِهِ نُجُومُ
وَيَحلُو العَودُ، حَتَّى فِي خَيَالٍ، وَتَبسِمُ فِي هَيَاكِلِهَا الرُّسُومُ(4)
هُوَ المَاضِي، عَلَى عَوَزٍ، جَمَالٌ دَفِيءٌ، لا يُمَاثِلُهُ نَعِيمُ!.
أَلا يَا مَربَعَ الصَّبَوَاتِ هَلَّا نَعُودُ، إِلَيكَ، يَحمِلُنَا النَّسِيمُ
تَدَاعَى كُلُّ مَا فِينَا وَلَكِن هَوَاكَ، بِكُلِّ جَارِحَةٍ، مُقِيمُ!.
________________
(1): هُوَ نَهْرُ العُصْفُوْرِ، في قَريَةِ الشَّاعِرِ دارشمزِّين الكُورَة، الَّذِي يَتَوَقَّفُ جَرَيَانُهُ فِي الصَّيْفِ، بَعْدَ تَحْوِيْلِهِ، عَبْرَ مَمَرِّهِ، لِرِيِّ المَزْرُوْعَات.
(2): رُسُوْمُ: صُوَر.
(3): حَنَانَ اللهِ: مَعَاذَ اللهِ.
(4): الرُّسُوْم: آثَارُ الدَّار.