القصائد المغنّاة من شعر عبد العزيز محيي الدين خوجة

houria

د. حورية الخمليشي

(كاتبة وباحثة- المغرب) 

ارتبط الشعر العربي في مختلف عصوره بالغناء والموسيقى. وكانت الأغنية هي الأساس في الموسيقى العربية. وعُرف العرب بميلهم إلى الغناء أكثر من ميلهم إلى الموسيقى. والشعر العربي غنائي بطبعه لأن القصيدة العربية أصلاً تعتمد الوزن والموسيقى.

وقد اهتمّ التاريخ العربي بالشعر والموسيقى والغناء منذ العصر الجاهلي وبلغ ذروته في العصر العباسي بفعل الازدهار الحضاري وترجمة العديد من الكتب في الفن والموسيقى. وكان للتلاقح الحضاري والتواصل بين مشرق العالم الإسلامي ومغربه دوره الكبير في ظهور ألوان جديدة من الشعر والغناء، كالزجل والموشحات. وهكذا كان الغناء العربي رفيقاً للشعر. وظلّت معه القصيدة مصدر الإبداع للملحّن، يستمدّ منها أعذب الألحان. واحتلّت القصيدة الفصحى على الدوام مرتبة الرّيّادة في الغناء العربي.

وتمتاز القصائد المغناة بقيم جمالية وذوقية. لكن الإحساس بالجمال عند المتلقين يختلف بحسب الأذواق والثقافات المتعدّدة. وقد شكّلت القصائد المغناة وعياً جمالياً رفيعاً في المجتمع العربي. إذ كان محمد عبد الوهاب يقول “لا أحسّ بعظمة اللحن وشموخه إلا مع الفصحى، فهي أبقى وأخلد، وصورها أعمق وأشمل”. ولعلّ أجمل ما تتضمّنه القصائد العربية المغناة روح العروبة وروح الثقافة الشعرية العربية بصفة عامّة. وما يميّز هذه القصائد المكتوبة بلغة عربية فصيحة هي أنها قصائد مفهومة في كل الأقطار العربية.

وقد امتازت القصائد المغناة في زمننا بموسيقى حداثية ذات جذور عربية أصيلة مستقاة من الموروث الجمالي القديم. وتختلف أنواع الموسيقى باختلاف الآلات الموسيقية والإيقاعات سواء كانت معزوفات أو مرفقة بالغناء الجميل الذي تتألّق فيه الصورة الموسيقية. ويرى عز الدين إسماعيل “أن جزءً كبيراً من قيمة الشعر الجمالية يُعزى مرجعه إلى هذه الصورة الموسيقية.” (عز الدين إسماعيل، الشعر العربي المعاصر، ص. 124)  وقد ظل الشعر رفيق الإيقاع والنغم رغم اختلاف وتنوع طرق الأداء والوزن الشعري. وهي من جملة الخصائص التي تحدد شخصية الشاعر الفنية من خلال اختياره للقالب الموسيقي الذي ينعكس على جمالية القصيدة وعذوبتها وغنائيتها. “فالقصيدة الشعرية بمثابة الديوان الموسيقي تحتوي على جنس توافقي، وعلى جنس ملون.” (محمد مفتاح، الشعر وتناغم الكون، ص. 176) ويرى محمد مفتاح أن “أوجه التداخل بين الشعر والموسيقى والرقص والغناء عديدة من حيث إن كلاًّ منها يعبر عن بعض الأبعاد الإنسانية العميقة، وعن توافقات وتناغمات كونية.” (محمد مفتاح، الشعر وتناغم الكون، ص. 51) كما يرى إيليا فرنسيس أن في الشعر العربي المغنّى تبقى الكلمة هي الأساس أما اللحن فهو الذي يجسّد المعاني والصور، في حين يقوم المطرب بإبراز هذا التناغم الجميل بين النظم واللحن. كما يرى أن الشعر الفصيح أكثر عمقاً وتعبيراً من الشعر العامي.

وطبعاً لا تصلح كل القصائد للغناء. فللقصيدة المغنّاة شروط وخصائص فنّية تتعلّق بالإيقاع وجمالية اللغة واللحن وغيرها من المقوّمات الفنية. والقصيدة المغناة في الحقيقة لا تكتمل إلا باللحن الراقي والكلمة الموحية والصوت الجميل لتصنع شهرتها وانتشارها الواسع، ولو أن جمهور القصيدة يبقى نخبوياً مقارنة بجمهور الأغنية الشعبية بصفة عامّة. والشعر العاطفي أكثر الأشعار تداولا وشهرة.

khoga

عبد العزيز محيي الدين خوجة

والعديد من قصائد عبد العزيز محيي الدين خوجة تغنّى بها كبار المطربين في العالم العربي. فقد غنى للخوجة وديع الصافي وصباح فخري والشيخ نصر الدين طوبار ومحمد عبده ومحمد ثروت وعبادي الجوهر ومعين الشريف وعبد الوهاب الدكالي وعبد الهادي بلخياط وهبة القواس وعبدو الشريف وكريمة الصقلي ونعمان لحلو وفدوى المالكي ومريم روبين ونادية أيوب وغيرهم. وجاءت هذه الأغاني مختلفة الأنغام والألحان والإيقاعات الموسيقية. غنّى وديع الصافي قصيدة “فكّ الإسار” التي يقول فيها الشاعر:

تلك القيودُ بمعْصَمـــــــي حطَّمْتُهــــــــــــــــــا

يــــــــــــا فِتْنَةً بيَــــــــــــــدي أنــــــــــا أبدعْتُهـــــــــــا

إِن كنتَ في اللَّوَحاتِ، قَدْ أتلَفْتُهـــــــــــــا

أو كنتَ في الأشْعارِ، قــــــــــــد مزَّقْتُهــــا

إلى أن يقول:

وقَطعْتُ أوْرِدَتي وَريداً فــــــي وَريــــــــــــــدْ

ورميتُ في نَزَقِ الصّبا حُلْمَ الوعـــودْ

وصَرختُ في الآفاق: إِنِّي لـــن أعودْ

إِنّي كتَبتُ نهايةَ الحـــــبّ الوحيـــــــــــــدْ

فخرافةٌ: حبٌّ نما بين القيــــــــــــــــــــــودْ.

وغنى له المطرب صباح فخري قصيدة “انتهينا” كما غنّى له “إليك قيادي” والتي يقول في مطلعها:

أغمضتُ عيني كي يراكِ فؤادي    فسمـعـتُ أهـاتـي عليـكِ تـنـادي

أدركــتُ أنـّـي فــي هــواكِ مـتـيّـمٌ      وعرفـتُ أنـكِ غايـاتـي ومــرادي

وشعرتُ أنواراً تشعُّ بخاطري       ويداً تُربّتُ خافقي بــــــــــــــــــــــودادٍ

وتمتاز بعض أشعاره بالطابع الصوفي. فقد غنّت له فدوى المالكي ومعين الشريف قصيدة “لو أنهم جاؤوك”. ونجد كذلك قصيدة “أتيتــــــــك ربـــــي” وهي من إنشاد الشيخ نصر الدين طوبار وغناء محمد ثروت، وفدوى المالكي، ومعين الشريف والتي يقول فيها الشاعر:

أتَيتكَ رَبِّي بقلبٍ مُنيبِ            لأرجو بعفوِكَ مَحْوَ ذنُوبي

أجَرُّ ورائي جِبالَ شقائي          وأحملُ وزْري وكلَّ عُيوبي

أتَيتُكَ رَبِّي.. وَهل لي سوَاكَ       أُنيبُ إليه فأَنْسى خُطوبِي

إلى أن يقول:

أريدُ النجاة وَمنكَ النجاة         وأنتَ الملاَذ لِكل القلُوبِ.

وغنى له عبادي الجوهر إليك قيادي” التي يقول فيها:

أغمضتُ عيني كي يراكِ فؤادي      فسمـعـتُ أهـاتـي عليـكِ تـنـادي

أدركــتُ أنـّـي فــي هــواكِ مـتـيّـمٌ         وعرفـتُ أنـكِ غايـاتـي ومــرادي

وشعـرتُ أنـواراً تشـعُّ بخـاطـري         ويـــداً تُـَربّــتُ خـافـقـي بـــــــــــودادٍ

أفنيـتُ نفسـي فـي ضيائـكِ نشـوةً      وإلـيـكِ يــا أمـلـي تـركـتُ قـيـادي

أيقنتُ أن الأنـسَ فـي هـذا الهـوى     والحبَّ فـي عينيـكِ خيـرُ جهـادِ.

ومن أجمل ما غنى له الموسيقار عبد الوهاب الدكالي قصيدة “جبروت” التي يقول فيها الشاعر:

يا ربَّ المشْرقِ والمغْربْ

يَا ربَّ المَلَكُوتْ

جَبروتْ في عَينيها، يا ربِّي جبروتْ

أيْنَ المَنْجَى مِنها، أينَ المهربْ

مَن علَّمَها أسْرارَ الكَهَنوتْ

وتَمائمَ هاروتَ، ومَاروتْ

فَطربتُ ومَالي لا أَطربْ

وتَركتُ قِيَادي لِرُموشٍ لا تَتْعَبْ

إلى أن يقول:

وتسهّدَ فيها فَسَقَتْهُ الوجدَ وأسرارَ اللاهوتْ

ومَضَى في رِحْلةِ عمرٍ يَكتَشِف الملكوتْ

يَا ربَّ المشرقِ والمغربْ

يمَّمْتُ بأشرعتي شرقاً فأبتْ سُفُني إلا المغرب

إلاَّ المغربْ.

وغنى له عبد الهادي بلخياط قصيدة “سهد” والتي يقول في مطلعها:

هَلْ تُلاقين الذي يُشجـي ليالـيَّ ارْتِيابـا

وَاحْتراقاً مثلَ صَبْري ذابَ في السُّهْد عَذابا

كلَّما أمْعَنْتِ يا ليـــــلايَ صدّاً واحْتِجَابـا

حَثَّني قَلْبي، فَزِدتُ الخَطْـوَ شَوقـاً وَاقْتِرابا

وغنّت له المطربة والمؤلفة الموسيقية الكبيرة هبة القوّاس العديد من القصائد منها قصيدة “الغريب” وكذلك “سبحان من خلق…” والتي يقول فيها:

سبحانَ مَنْ خَلَقَ القُلوبَ لكي تُؤانِسَنا بـآه

وتذوبَ منْ وَجْدٍ

على ألِفٍ ولامٍ ثُمَّ لامٍ ثمَّ آهْ …

سبحانَ ربّي في عُلاهُ وفي سَناهْ

أسرى بِقَلبي…

وغنى له عبدو الشريف قصيدة “لست لـــــــــــك” ومن أبياتها:

لستَ لي. لستُ لكْ        أنت بدرُ الفلــــــــكْ

وأنـــــــــــــا مِــــــــــــن تــرابٍ         وأنــــــــــــــــت ملــــــــــكْ

وأنـــــــــــــــا لهـــــــــــــــــــــــــبٌ           ربّمــــــــــا أحرقــــــــــكْ

ليس لي في الهــوى         مثــــــل ما هو لـــكْ…

وغنى له نعمان لحلو العديد من الأغاني منها قصيدة “إقلب رمادك” والتي يقول فيها:

إقلبْ رَمادَكَ مرةً سافر على أملٍ شريدْ

لا بدَّ مِنْ جمرٍ يَشِعُّ من البَعيدْ

لابُدَّ من ذكرى تُضَمِّخُ خفقةَ القلبِ الوحيدْ

إقلبْ رمادكَ بينَ زَخَّات الدّموعْ

لابدَّ من آهٍ تُدَثِّرُها الضلوعْ

وغنّت له نادية أيوب “صبراً يا سيّدَ قلبي”. والتي يقول فيها الشاعر:

صبراً، يا سيّدَ قلبي، صَبْرا

قد أذهَلَني هذا الأمرُ، فعُذرا

إن كنتُ تلعثمتُ،

فَذنْبي أَنّي جاوزتُ بِحُبّيَ الستْرا

وبُهرْتُ بأنوارِكَ تَغْشَاني

لمْ تُبق شموساً أو بدرا

وغنّت له المطربة المغربية كريمة الصقلي قصيدة “أغار” وهي أغنية رائعة لحناً وتوزيعاً وصوتاً، والتي يقول فيها الشاعر:

أغارُ؟

نَعم إِنِّي أغارْ

أجل إِنِّي أغارْ

نَعم مِنِّي أغارْ

ونار أنا، حَتّى الدّمارْ

لكِ الكأسُ، ملأى بالهَوى

وَلي مِنْ لَيالِيه انتظارْ

وعَيناك، جَذْلى كالسَّنا

تُناغِيه، قُرباً وانبِهارْ

وتُسْبيه، طرْفاً من غوىً

وتَسْقيه، وعْداً وافتكارْ

وفي حيرةٍ، تسَّاءلينْ

لِماذا أنا، دَوماً أغارْ؟

أغار

أغار،

ولا أَرضى مَعي

شريكاً لحُبِّي في المدارْ

اترك رد