د. خالد صلاح حنفى محمود
(مدرس أصول التربية كلية التربية – جامعة الإسكندرية)
أشارت الكثير من الدراسات إلى أن البحث العلمى فى المنطقة العربية والمتمثل فى إنتاج أعضاء هيئة التدريس والباحثين من بحوث ودراسات علمية ليس له علاقة قوية ومباشرة بخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وأن هناك فجوة بين البحث العلمي وخطط التنمية ؛ لذا يحاول هذا المقال الإجابة على السؤالين التاليين: ما واقع الفجوة بين البحوث الأكاديمية ومجالات التنمية وحقوق الإنسان ؟ وما أهم مشكلات ومعوقات البحث العلمي التي تؤدى لفجوة بين البحوث الأكاديمية وقيامها بدورها في تنمية المجتمع المصرى ومعالجة أبرز قضاياه ؟
مقدمة :
إن البحث العلمي يعد أحد المكونات الأساسية للتنمية الشاملة؛ كما إن الجامعة لا يمكن أن تسهم في عملية التنمية إلا بتفعيل آليات عملها البحثي، والتركيز على قضايا التنمية، وحقوق الإنسان وغيرها، وإذا نظرنا إلى البحث العلمى فى الوطن العربى خلال السنوات العشر الماضية فإنه بالرغم من تطوره ظل يفتقر لوجود استراتيجية وخطط بحثية متكاملة لعلاقة علاقته بالتنمية، وتكاد تكون العلاقات البحثية بين الجامعة وخطط و مـؤسسات التنمية محدودة .
إن دور الجامعات العربية في مجال البحث العلمى يواجهه الكثير من المعوقات والمصاعب والتحديات، لأنها لم تتبوأ مكانتها الحقيقية، ولم تصل لأن تكون جزءً لا يتجزأ من العملية السياسية والتنموية، ولذلك أسباب تتصل بخصوصية البيئة التى تعمل فيها، وبالإشكاليات والتحديات التى تؤثر فى دورها وعملها وحراكها، وبدا دورمعظمها باهتاً وغير فاعل في عملية التنمية المجتمعية بكافة أبعادها.
فهناك تراجع فى مستوى البحث العلمى ككل فى المنطقة، وهذا ما رصده تقرير اليونسكو(2010) “حالة العلم على مستوى دول العالم” ، وأكد عليه تقرير المعرفة العربية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الانمائى (2011)، من ضعف الإنتاجية البحثية للعالم العربى، وضعف الدور الذى تمارسه الجامعات والمراكز البحثية العربية فى إنتاج المعرفة عالمياً، وابتعاد البحوث عن معالجة مشكلات الواقع والمجتمعات العربية، والاعتماد على الجهود الفردية كأساس للعمل البحثى والبعد عن العمل المؤسسي.
ويرى محمود (2014) أن البحث العلمى فى العالم العربى يعانى العديد من المشكلات والمعوقات، لعل أبرزها التمويل وهو أهم عائق يواجه المؤسسات البحثية العربية، والافتقار إلى الموضوعية والاستقلالية فى العمل، وانعدام العمل المؤسساتى المستقل والمناخ الديمقراطى، والعشوائية فى العمل، وضعف المعلومات وعدم توافر قواعدها وفق النظم المعلوماتية الحديثة، وغياب نظام جاذب للكفاءات، وقضية التسييس وافتقاد الموضوعية، وغياب مقاييس أو أدوات لتقييم المؤسسات البحثية العربية.
وترصد الدراسات مؤشرات عديدة لوجود فجوة بين البحث العلمى فى العالم العربى ومجالات التنمية وحقوق الإنسان تتمثل فى الجوانب الآتية: (الشخيبى، 2010) ، (سليمان، 2012)
- عدم وضوح الرؤية والفلسفة الشاملة للبحث العلمى.
- خلو السياسات البحثية لكثير من الجامعات العربية من تحديدٍ واضحٍ للأهداف للبحث العلمي.
3- فقدان الاستقلالية: فالجامعات تفتقد الاستقلال المالى، ومن ثم تكون خاضعة لعلاقات تبعية سياسية أو حزبية أو خاضعة لسياسات الدولة.
4- البعد عن الواقع: وهو ما يشكل الداء القاتل للمؤسسات البحثية, لأنها لا تستطيع أن تقنع المجتمع بدراساتها، ولا صانع القرار بتوصياتها، ولا تجذب رجل الأعمال فيساهم فى تمويلها.
5 – غياب الخطط أوالتخطيط المنظم، وغياب التنسيق الكافي بين المشروعات البحثية للجامعات واحتياجات قطاعات الإنتاج ومؤسسات الأعمال.
6- وجود النظم والقوانين الروتينية التى تمثل عائقاً أمام تأدية هذه المراكز لوظائفها.
7- افتقار الأبحاث التي يتقدم الباحثون الى الجودة التنافسية .
8 -نقص الاعتمادات المالية، وعدم وجود حوافز مجزية للباحثين تشجع على البحث والابتكار.
9 – اعتماد البرامج والأنشطة البحثية على الجهود الفردية لأعضاء هيئة التدريس.
ويوضح الشخيبى (2010) أن أحد أبرز عوامل الفجوة بين البحوث الأكاديمية ومجالات التنمية المختلفة وقضايا حقوق الإنسان تتمثل فى “تواضع البحث العلمى، وقلة الإنفاق عليه، وتدنى كفاءة الجهاز الإداري، وسيادة النظم الروتينية للإدارة الجامعية، ناهيك عن طبيعة البنية العقلية السائدة فى المجتمع والتى أدت لغياب ثقافة الإبداع”. كما يرصد سليمان (2012) “تركيز مؤسسات التعليمية والجامعية على نقل المعرفة نقلاً مجرداً، والاهتمام بالبحوث والدراسات النظرية، دون إجراء البحوث التطبيقية إلا فى حدود ضيقة”.
ويمكن القول أن العوامل التى تحول دون الإفادة من البحوث العلمية فى تنمية المجتمع، وتكوين الفجوات بين البحوث الأكاديمية ومجالات التنمية وحقوق الإنسان تتمثل فى:
[1] عدم وجود رؤية أو فلسفة واضحة للبحث العلمي العربى:
وذلك جعل الباحثين يشتقون مشكلاتهم وبحوثهم من النظريات، والمناهج والأدوات السائدة في الغرب، ويستعين الباحث بالنظريات الغربية لمعالجة مشكلات محلية فيصطدم بالواقع الرافض لهذه النظريات لأنها تفتقر إلى الأصالة، وهذه الطريقة لا تؤدي إلى إسهام حقيقي في حل المشكلات المجتمعية أو زيادة الوعي المجتمعى. ويشير نجيب (2010) إلى أن التركيز على مناهج وأساليب البحث دون الاختيار الأصيل والجيد للموضوعات يحول دون فهمها بشكل عميق وشامل.
[2] ضعف وعدم كفاية الإعداد والتدريب والتأهيل العلمي للباحثين: فسوء برامج إعدادهم أحد عوامل سوء البحث العلمى العربى وضعف نتائجه.
[3] تدني ميزانيات البحث: وقلة الأموال المخصصة للإنفاق على البحث العلمي وعدم مشاركة المؤسسات الكبرى والأفراد الأثرياء في نفقات البحث يمثل إشكالية وقضية عالمية حقيقية.
[4] الفجوة بين الباحثين وصناع القرار: لا تصل نتائج البحوث إلى صنّاع القرّار في كثير من الأحيان ممّا يجعل الاستفادة منها في مجال التطبيق ضعيفة، ويرجع ذلك إلى:عدم إيمان صنّاع القرار بالأبحاث ونتائجها، وكتابة الأبحاث بلغة علمية يصعب على صناع القرار التربويين فهمها، وعدم الميل لدى صناع القرار للقراءة.
[5] التوجه المسبق لدى الباحث لتبني نتائج معينة: فإيمان الباحث بفكرة ما أو أسلوب ما أو تطبيق ما قد يؤثر على الأساليب المستخدمة، والعِّينات والأدوات والنتائج دون قصد، وربما عن قصد.
[6] التطفل الأكاديمي: يقصد به أولئك الأفراد الذين لا يتطلعون إلا إلى الشهرة وحسب، وفي حقيقة الأمر لا علاقة لهم بالبحث العلمي من قريب ولا من بعيد، ويندرج تحت التطفل الأكاديمي الاستغلال الأكاديمي ويقصد به استغلال الباحثين لطلابهم حيث يكلفون طلابهم بإعداد البحوث ثم ينسبونها إليهم، إضافة لمشكلة السرقات الأكاديمية.
[7] ضعف التخطيط للبحث العلمي: يغلب على كثير من الأبحاث الأكاديمية العشوائية والفردية أو الدافع الشخصي، وبالتالي فإن البحث يأتي دون المستوى المطلوب، إذ أنّ البحوث التي تهدف إلى وضع حلول لمشاكل اجتماعية معينة تحتاج إلى جهود تفوق قدرات الباحث الواحد، وقلة الإمكانات المادية ومحدودية القدرة تدفع الباحث لاختيار مواضيع يسهل بحثها ولا تهدف إلى حل مشاكل قائمة.
[8] كثرة الإجراءات الإدارية: فقد يحتاج الباحث تصريحاً لإجراء البحث في مؤسسات حكومية، ولكن هذا التصريح صعب مما يدفعه لإنجاز بحثه سراً إن تمكن من ذلك.
[9] كثرة المشاغل والمشكلات: إن كثرة الشواغل والالتزامات المهنية والاجتماعية والإدارية تمنع كثيراً من الباحثين من التفرغ لأبحاثهم، وتقلل الطاقات الموجهة للعمل البحثي.
[10] ضعف بنية الهيكل الأكاديمي: فالعاملون في المجال الأكاديمي لا يشكلون قوة توازي أهميتهم في المجتمع وذلك لقوة انتمائهم إلى المؤسسات التي يعملون فيها على حساب انتمائهم لبعضهم البعض كجسم أكاديمي واحد.
[11] قلّة عدد الباحثين: وقد يرجع هذا إلى قلّة عدد القراء مما يؤدي إلى قلّة عدد الباحثين ولعلّ السبب الرئيس في ذلك هو عدم وجود مراكز أبحاث علمية ذات جدوى.
[12] النشر العلمي: فارتفاع تكلفة النشر أو لعدم تيسير وسيلة النشر أي عدم وجود مجلات علمية متخصصة تشكل عائقاً أمام أغلب الباحثين العرب.
[13] عدم وجود هيئة مسئولة عن إجراء البحوث والتنسيق بينها على مستوى الجامعات وعلى المستوى القومى ككل، وتحديد أولويات البحث ومجالاته، وتوفير التمويل و الإنفاق.
الخاتمة:
نحن في حاجة ماسة لمراجعة أساليب وأنماط البحث العلمي فلا بد من أن تقوم الجامعات بدورها في إطار منسق مع متطلبات وقضايا التنمية وحقوق الإنسان فى مجتمعاتنا؛ فإذا كان جادين فى إصلاح الجامعات العربية، فلا بد من إعادة النظر فى دور البحث العلمى، ومعالجة الفجوة الراهنة بين البحث العلمى وقضايا المجتمعات العربية، وزيادة ميزانياته، وإعداد الخطط بالأولويات البحثية، والتنسيق بين الجامعات ومراكز البحوث للتصدى لتلك القضايا، ورفع مهارات وكفايات الباحثين، وزيادة فرص احتكاكهم من خلال البعثات ودعم مشاركتهم فى المؤتمرات والندوات، وزيادة حوافز النشر فى الدوريات، والمؤتمرات العالمية، والتوجه نحو إنشاء الجامعات البحثية، وتطبيق معايير الجودة فى مجالات التعليم الجامعى، والتنسيق بين الجامعات لتبادل البحوث ونشر نتائجها … فلا بد أن تتغير نظرتنا للبحث العلمى، فهو لم يعد رفاهية بل ضرورة فرضتها متغيرات العصر وطبيعة الحياة فلا سبيل للنهوض بالعالم العربى إلا من خلاله.
المراجع
المراجع العربية:
- سليمان، سعيد أحمد (2012)، “رؤية جامعة الإسكندرية حول إمكانية الإفادة من صيغة التعليم المفتوح فى تحقيق مبدأ حق التعليم الجامعى المتميز للجميع” ، (بحث مقدم إلى مؤتمر جامعة بنها “التعليم المفتوح : الواقع والمأمول ، مركز المؤتمرات بجامعة بنها ، 2-3 يوليو 2012) ، ص 101.
- على السيد الشخيبى(2010)، “الوضع الحالى للجامعات المصرية ، وإمكانية تطويرها “، (الندوة العلمية السابعة لقسم أصول التربية : التخطيط الاستراتيجى فى التعليم العالى، 11 مايو 2010، كلية التربية ، جامعة طنطا ، مايو 2010) ، ص ص 325 – 348.
- محمود، خالد وليد (2013). دور مراكز الأبحاث فى الوطن العربى : الواقع الراهن وشروط الانتقال إلى فاعلية أكبر، قطر: المركز العربى للأبحاث ودراسة السياسات.
- محمود، خالد وليد (2014). سبل النهوض بالموسسات البحثية العربية، الرأي،12فى 9/4/2014.
المراجع الأجنبية:
-
World Bank (2012), “Knowledge for Development (K4D)”, http://info.worldbank.org/etools/kam2/KAM_page5.asp#c107
,accessed,2/7/2014.
- UNESCO, (2010), UNESCO SCIENCE REPORT 2010: The Current Status of Science around the World, Poland, UNESCO.
- UNDP, (2011), Arab Knowledge Report 2011: Preparing Future Generations for the Knowledge Society, Dubai, U.A.E.
هذا المقال محاولة لتشخيص الفجوة الراهنة والقائمة بين البحث العلمى فى بلادنا ومشكلات وقضايا المجتمعات العربية الراهنة فى مجالات التنمية المختلفة وحقوق الإنسان