العلاقة المتبادلة بين الإرهاب والعنصرية

khaled-ghazal

خالد غزال 

(كاتب وباحث)

خلال الأسبوعين الأخيرين ضرب الإرهاب في أكثر من مكان في العالم العربي. اذا كانت «داعش» تحظى بالسمعة الأسوأ في هذا المجال، إلا أن تنظيمات أخرى مما تدعي محاربة الإرهاب لا تقل وحشية في ممارساتها او ردود فعلها عن «داعش» وأخواتها. لم يحصد الإرهاب الأرواح فقط، لكنه فجر عنصرية عبرت عن نفسها «بجبال» من الأحقاد والكراهية تسببت بمزيد من زهق أرواح أبرياء من جميع الأطراف. تميزت ثلاثة بلدان في تلازم الإرهاب مع التصعيد العنصري، وهي العراق وسورية ولبنان. وكان لكل بلد طريقته في التعبير، وإن كان المشترك كبيراً في ما بينها.

لم تتوقف العمليات الإرهابية في العراق منذ عدة سنوات، بعد المعارك العنيفة التي دارت في الفلوجة والتي تكبدت فيها «داعش» خسائر فادحة، أتت ردود هذا التنظيم على شكل سيارات متفجرة حصدت أعداداً غير قليلة من السكان. لم تميز «داعش» في إرهابها بين شيعي او سني او كردي، لكن ردود الفعل من «الحشد الشعبي» الذي يشكل اليوم «الحرس الثوري العراقي»، مدعوماً من القوات الإيرانبة، أجاب عن العمليات الداعشية بتحميل المكونات السنية المسؤولية، واضعاً أبناء المذهب في سلة الانتماء الى «داعش» ومساعدته مادياً او معنوياً.

لا تبدو الحكومة العراقية المدعومة ايرانياً مستاءة جداً من إرهاب «داعش»، ولا يبدو أنها في وارد معالجة أسبابه والسعي الى معالجته، فالإرهاب وسيلة فضلى لمزيد من الهيمنة الإيرانية التي تتخذه حجة للدفاع عن مصالحها الطائفية والمذهبية، وحجة لدى النظام لمزيد من الاستقطاب الطائفي. لم تكن ردود «الحشد الشعبي» أقل وحشية من ردود «داعش» خلال كل الصراعات الدائرة منذ سنوات.

irhab

عمليات إرهابية في العراق

في سورية، لم تتوقف التنظيمات الإرهابية عن الهجوم على مناطق ذات بعد طائفي معين ينتمي اليه أركان النظام، في إطار حرب دائرة منذ خمس سنوات. في المقابل، يرد النظام عبر ميليشياته الطائفية بتسعير العنف في مناطق طائفية يعتبرها معادية. فهو على غرار العراق، ينظر الى المكونات السنية في وصفها بيئة حاضنة للتنظيمات الإرهابية، ولا يأخذ في الاعتبار أن هذه البيئة هي التي تتحمل تبعات العنف الداعشي أكثر من أي مكون آخر. لكن النظام يقيسها من جوانب أخرى، فهو يعتبر ان الشحن الطائفي والمذهبي طريق ناجح لتأمين الولاء المذهبي لسلطته، بعد أن بات مدركاً ان الغالبية من الشعب السوري تنتظر هزيمته وزواله.

في لبنان، هناك تاريخ من العنصرية اللبنانية تجاه الشعب السوري تعود لسنوات طويلة تمتد منذ دخول الجيش السوري الى لبنان في العام 1975. تصاعدت هذه العنصرية بعد اغتيال الرئيس الحريري، ووصلت ذروتها في السنوات الخمس الأخيرة بالنظر الى حجم النزوح السوري وتمركز أعداد كبيرة منه في لبنان. ليس اللبنانيون وحدهم متهمين بالعنصرية، فالسوريون ايضاً متهمون بعنصرية تجاه اللبنانيين تعود الى عقود مديدة. تسبب انخراط اللبنانيين في الحرب السورية، وعلى الأخص منهم «حزب الله»، في إثارة سخط سوري اولاً، وفي رفض لبناني واسع ايضاً. كما كان متوقعاً منذ اليوم الأول للحرب السورية، إن نيرانها ستمتد الى الداخل اللبناني، فقد شهدت الساحة اللبنانية عمليات إرهابية في مناطق تعتبر معقلاً لـ «حزب الله»، وفي غيرها. في كل عملية إرهابية، يجري تحميل النازحين السوريين المسؤولية بالجملة، مما يتسبب لهم بردود فعل انتقامية مادياً، مقرونة بعنصرية بشعة لا توفر الشعب السوري كله. ينسى العنصريون اللبنانيون أن هؤلاء النازحين هم ضحايا الحرب التي تسبب بها بشار الأسد وإطلاقه يد «داعش» في الأرض السورية. كما ينسى هؤلاء أن اللبنانيين يدفعون أثمان حرب «حزب الله» والراية المذهبية التي رفعها تبريراً لتدخله في سورية. لذا لم يكن مفاجئاً ان يضرب الإرهاب لبنان سابقاً وراهناً ومستقبلاً.

kaa 1

التفجيرات في بلدة القاع

اذا كان الإرهاب قد طاول مناطق معينة سابقاً، فإن عملياته الأخيرة في منطقة البقاع، والقاع تحديداً، أيقظت عنصرية طائفية ضد النازحين السوريين، بحيث ارتفعت صيحات الانتقام والتهجير، وكأنهم المسؤلون عما حصل. لا يزعج هذا الإرهاب المتدخلين في القتال السوري، فهو يقدم تبريراً إضافياً لمنطق الحرب الاستباقية المدعاة من جانبهم. لا تقع التوقعات بمسلسل الإرهاب وتصاعد العنصرية في المقابل في باب المبالغات والتهويل. فالإرهاب والعنصرية توأمان يتغذيان من بعضهما بعضاً، ولبنان الذي لم يخرج بعد من حربه الأهلية اشتهر سكانه وقواه السياسية بتبادل التحريض العنصري والمذهبي والطائفي ضمن بعضهم بعضاً، فهل غريب ان تستعيد بعض مجموعاته هذه العنصرية ضد «الغرباء» من سوريين وفلسطينيين وآخرين من أبناء البلدان العربية؟

تدفع المجتمعات العربية أثماناً باهظة اليوم لانهيار مشروعها لنهضوي ومنظومة الدولة فيها، لمصلحة العصبيات العشائرية والطائفية والإثنية. وهو انهيار يتمظهر بحروب أهلية سمتها الإرهاب وإثارة الأحقاد العنصرية الى أبعد مدى.

اترك رد