«بس أنا بحبك» للينا أبيض… صرخة مدوية ضد تعنيف المرأة

lina

منار علي حسن

في مسرحيتها الجديدة «بس أنا بحبّك” استندت المخرجة اللبنانية لينا أبيض على شهادات ضحايا العنف المنزلي، وجسدتها على المسرح من خلال أربع نساء يغصن في أعماق الذاكرة، لاستخراج الألم الذي لا يُمحى، من أجل كسر دوامة العنف التي سجنّ فيها، ليس لديهن سوى صوتهن، بعدما سكتن سنوات طويلة، فيروين قصصهن بشجاعة فائقة من دون رتوش.

في «بس أنا بحبك» يتحوّل مسرح مونو في بيروت إلى فضاء مظلم ليس من ناحية الإضاءة بل بسبب القضية التي تطرحها المسرحية وتصيب في الصميم كل من يحضرها، لأنه قد يكون تعرض للعنف أو يعرف أحداً واجه هذه المشكلة. وقد أجادت الممثلات الأربع، في نقل الجمهور الحاضر إلى اجواء كل واحدة منهن، وجاء أداؤهن صادقاً لدرجة ان الحضور تساءلوا خلال المناقشة بعد المسرحية هل هذه القصص هي للممثلات انفسهن؟ هنا تبدو براعة المخرجة لينا ابيض التي ألغت الفاصل بين الواقع والمسرح وجلعت كليهما يندمجان مع بعضهما البعض فأدخلا الجمهور في فلكهما، وتفاعل وتمنى لو كان ثمة مزيد من القصص ليروي غليله من هذه القضية التي تذهب ضحيتها النساء ولا من يحاسب…

بين جدران مكتوب عليها عبارات تسمعها عادة النساء من أزواجهن وهي في معظمها تندرج ضمن حالة العنف التي يمارسها الرجل على زوجته، وعلى وقع أغنية زكي ناصيف «يا حبيبي خدني بإيدك» بتوزيع جديد، ووسط دوائر من الصحون المكسرة التي ترمز إلى أن ما يكسر لا يمكن ترميه في إشارة غلى ألم النساء المعنفات، تدور أحداث المسرحية، فترسم الممثلات الأربع صورة متكاملة بتفاصيلها عن ممارسات الرجل تجاه زوجته متحججاً دائماً بعبارة «بس أنا بحبك» ليبرر فعلته المشينة، ويحاولن ترميم ذاتهن من خلال التكلم عن حكايتهن، ويخاطبن المتفرح مباشرة لتحذيره من مخاطر العنف المنزلي الذي تزداد ضحاياه من النساء.

lina 2

لينا أبيض

“أود أن تحمل مسرحياتي قضايا تهز الناس، وما أكثر القضايا الشائكة التي تواجهنا في يومياتنا”، هكذا تحدد لينا أبيض مسرحها، مشيرة إلى أنها ملّت المسارح الكبيرة، لذا اختارت مسرحاً جانبياً صغيراً لتقدم فيه مسرحيتها الجديدة التي مُدد عرضها بعد النجاح الذي حققته.

قبل أن تبدأ لينا ابيض كتابة المسرحية زارت جمعيات تعنى بالنساء المعنفات من قبل أزواجهن، واستمعت إلى قصصهن، فكتبت أربع قصص بكل واقعيتها وأوجاعها وحميميتها، وأصابت المتفرح في الصميم فتفاعل مع القصص بقوة، واعتقد في البداية أن القصص التي ترويها الممثلات الأربع هي قصصهن ليكتشف أن الممثلات جسدن شخصيات نساء معنفات ولسن هن المعنفات بالضرورة.

النساء اللواتي حضرن في قصص الممثلات تعرضن للعنف سنوات، وسكتن عن وضعهن طويلاً، لكن اتخاذ القضية ابعاداً جديدة بعدما بات الإعلام يسلط عليها الضوء وازدياد المطالبة بسن قوانين تحمي المرأة من العنف الأسري… كلها أمور ساهمت في إماطة اللثام عن قضية طالما كانت ضمن المحرمات في الماضي.

فضاءات شاملة

لا تنتهي المسرحية مع انتهاء سرد حكايات النساء المعنفات بل تكتمل بالنقاش الذي يدور بعدها وهو جزء من المسرحية، ويكشف قصصاً أخرى لنساء معنفات يرويها الحضور بدورهم، هكذا يتسع أفق المسرحية ليشمل فضاءات شاملة تغني التجربة المسرحية بقصص وتفاصيل أخرى…

مشروع مسرحية لينا أبيض لا يتوقف بين جدران مسرح مونو في الأشرفية بل هو مستمر سواء في طرح قضايا جديدة حول العنف الذي تتعرّض له المرأة أو في تنقله في المناطق اللبنانية، بهدف التوعية حول ضرورة احترام هذا الكائن، الذي يقضي حياته بالتضحية في سبيل استقرار العائلة وسلامها، والدليل أن حكايات النساء المعنفات التي تتضمنها المسرحية تبرز فيها تحمل المرأة أهانات من زوجها وتعرضها للضرب وسكوتها، كي لا يتشتت اولادها في حال تركت بيتها الزوجي ورحلت.

هذه القضية بالذات التي تطرحها لينا أبيض تخص المجتمعات العربية أيضاً، لأن ظاهرة تعنيف المرأة منتشرة في كل مكان، واللافت أنها ازدادت في السنوات الأخيرة نتيجة الضغوط التي تفرضها الحياة وانتشار العنف في كل مكان ما استتبع عنفاً في داخل المنزل… كل ذلك يدرجه الرجل ضمن عنوان «بس أنا بحبك»، وهو ليس سوى حجة واهية لا علاقة للحب بها، بل ستار يختبئ وراءه هذا الزوج الذي يبدو في القصص الأربع مستغلا لقدرات المرأة على الصعد كافة حتى المالية، وفي النهاية يمارس سلطته الذكورية التي يفهمها بأنها عنف وصراخ وضرب مبرح وخيانة، لدرجة ان النساء المعنفات دخلن المستشفى أكثر من مرة وحفرت الجراح عميقاً في نفوسهن وفي صحتهن وفي أجسادهن، ورغم انهن تركن أزواجهن منذ سنوات لكن الجراح لم تندمل ولن تندمل، طالما ان مسلسل العنف مستمر ضد النساء وعدم إقرار قانون يحميهن…

lina 1

في مسرحياتها تطرح المخرجة لينا أبيض قضايا تهم الناس وتضرب على وتر معاناتهم: من الظلم إلى الإرهاب إلى العنف وغيرها… لأن الفن بالنسبة إليها هو صوت المقهورين، وصرخة في وجه الإساءات، بحثاً عن سبل للتغيير، مع ان ذلك يبدو شبه مستحيل لأن الضحايا سواء النساء المعنفات من ازواجهن أو غيرهن، تبقى ذاكرة الألم محفورة في نفوسهن وأجسادهن، لكن يبقى البوح بصوت عالٍ جزءاً من العلاج الذي تتمناه لينا أبيض، ذلك ان المناقشات بعد المسرحية تسمح بدورها للحضور بأن يتجرأوا ويخبروا معاناتهم التي ربما سكتوا عنها سنوات وسنوات…

«بس أنا بحبك»، إعداد وإخراج لينا أبيض، مساعد مخرج أيا صالح، تمثيل: مي أوغدن سميث، دارين شمس الدين، ديمة ميخائيل متى، لينا أبيض.

اترك رد