حاورها من باريس ـــ حميد عقبي
نتوق دائما لاقتناص أي فرصة للتحليق في فضاء المشهد الأدبي الجزائري وكان لنا بعض الحوارات عبر هذه النافذة الإبداعية مع وجوه أدبية وفنية جزائرية لكن ضيفتنا اليوم من الشخصيات المهمة وستحكي لنا الكثير من المكاشفات المهمة جدا.
ضيفتنا الروائية الجزائرية عائشة بنّـور صاحبة ، رواية “اعترافات امرأة” وهي رواية حساسة جدا تحمل بين طيّاتها زخم من القيّم والجماليات والألم، تشرّح الذات الأنثوية عبر لغة حميمة دافئة وهادئة وبشاعرية طافحة.
وضيفتنا تكشف لنا أن المشهد الثقافي والأدبي الجزائري يتسم بغياب مشروع ثقافي واضح ووجود نوع الهيمنة والاحتكار يغلب على الواقع الثقافي الذي يصبح باهتا بسبب هذه العوامل التي يمكن تجاوزها لينطلق الإبداع نحو العالمية…هناك الكثير من القضايا الجادة والمقلقة ستتضح لنا من خلال هذا الحوار المهم والشيق.
كتب عبد القادر كعبان عن روايتك اعترافات امرأة أنها تتكون من مشاهد تتخفى في جلباب شعرية ذاتية..ألا ترين أن التوغل في الشعرية قد تحصرها في نفق ضيق؟
لا أرى ذلك …بل بالعكس، رواية اعترافات امرأة تميزت بالصدق العاطفي ومصارحة الذات ووقفت على عتبات العـادات والتقاليد والموروثات والجمال والقبح واللون والتوغل في نفسية الشخصيات من خلال التأثر والتأثير والبحث عن مواطن الجمال والقبح في قالب شعري يضفي على النص الصدق، وهذا ما أتوخاه في كل كتاباتي، صدق المشاعر وبشاعرية مبنية على أسس موضوعية وعلى حسب نفسية الشخوص، وهذه الدلالات حملتها رواية اعترافات امرأة، فهي رواية حساسة جدا تحمل بين طيّاتها زخم من القيّم والجماليات والألم، تشرّح الذات الأنثوية عبر لغة حميمة دافئة وهادئة وبشاعرية طافحة، والتي توشي بالكثير، توشي بمرارة الواقع والقمع الانساني الذي يمارس على الذات وجَلْدها بمفاهيم مختلفة…للإشارة أن رواية اعترافات امرأة حصلت على جائزة الاستحقاق الأدبي في مسابقة ناجي نعمان الأدبية لسنة 2007 م، وقد صدرت في طبعتين وترجمت إلى اللغة الفرنسية.
لديك رواية جديدة لم تنشر “نساء في الجحيم” العنوان يوحي بالكثير..هل ستكون مختلفة عن “اعترافات امرأة”؟ لو ممكن تعطينا ولو فكرة عن موضوعها؟ وكم استغرقتِ في كتابتها؟ ومتى ستصدر؟
بعد اصدار روايتي الأخيرة سقوط فارس الأحلام سنة 2009 لم أفكر في كتابة رواية أخرى، لأنني كنت مشغولة بهاجس الفكرة والموضوع الذي يمكنني الانطلاق منه وفترة أخرى للتفكير والتأمل، ومنذ ذلك الوقت باتت تراودني فكرة كتابة رواية مغايرة وقد زاد من إلحاح الفكرة أكثر اشتغالي على عمل آخر أو بالأحرى دراسة وضع المرأة أثناء الثورة التحريرية المجيدة وما عانته من تعذيب على يد المستعمر الفرنسي، هذا الموضوع أسقطته على ما يحدث في العالم العربي ومنه كمحور أساسي القضية الفلسطينية وما تعانيه المرأة الفلسطينية، وبالتالي انبثقت فكرة كتابة روايتي الجديدة “نساء في الجحيم”، التي ستصدر قريبا، وهي تختلف عن رواية اعترافات امرأة أو بالأحرى عن كل كتاباتي السابقة، هي رواية عن فلسطين، عن الوطن المغتال، وهي بلا شك شلاّل متدفق من شجون الذكريات على الوجع العربي، تخاطب العقل والوجدان الانساني، حكاية الحب والنضال للمرأة والقضية الفلسطينية، رسم صورة الشخصية الفدائية، المناضلة، المقاومة للاضطهاد بكل أنواعه من خلال الشخصية المحورية في النص (غسان كنفاني) والذي تحاكي من خلاله العاشقة غادة الحب والنضال والتهجير والموت عبر مدن الترحال.
الرواية تنسج من أحداث التاريخ مشاهد درامية لفصول أدبية جميلة ومؤلمة، كطفلة صغيرة تصنع من العجينة أشكالا مختلفة، وهذه الذكريات هي عبارة عن أحـداث مروية على لسان أصحابها (غسان كنفاني، لوركا، محمود درويش، دلال المغربي ،غادة، أيلول، يافا(….
الرواية تختزل نضال ومسيرة المرأة الفلسطينية عبر التاريخ، وتنتقل بالقارئ بين الخيال والواقع عبر الأمكنة للمدن الفلسطينية من عكّا إلى بيروت إلى الشام إلى الأندلس إلى الجزائر، وتوظيف التراث الفلسطيني والشعر بقوة من خلال الأحداث المتشابهة في التاريخ العربي لتشكل منها معلما قويا في السرد.
الرواية تفيض بزخم من المشاعر والحنين الفياض الذي تتجلى فيه رهافة الاحساس تجاه القضية الفلسطينية ووضع النساء الأسيرات في المعتقلات، وقد اتخذت من الرموز النضالية المذكورة في الرواية لغة تحاكي بها واقعها.
رواية نساء في الجحيم حكاية العشق والنضال للوطن وعمق الوعى النضالي، و دور المرأة المحوري في أي عمل تحرري.
و لا شك أن هذه الرواية تنتقل من فضاء إلى آخر على ألسنة نساء تعتصرهن فواجـع الواقع المزري والمجازر الرهيبة التي يتكبدها الشعب الفلسطيني، والتي ستصبح يوما وثيقة تاريخية و شهادة حيّة على مرحلة هامة في تاريخ المرأة الفلسطينية والمدن الفلسطينية التي أزيحت أو غيرت ملامحها ومعالمها الأثرية، كذلك الرواية تزاوج بين نضال المرأة الفلسطينية وبين نضال المرأة الجزائرية أثناء كفاحها ضد الاستعمار الفرنسي على لسان البطلات جميلة بوحيرد، مريم بوعتورة، فضيلة سعدان…الخ. من خلال واقع معاش وخيال مجنح في الحقائق التي وردت على ألسنة أبطال هذا العمل الروائي المتميز الطافح بلغة شاعرية مرهفة في تصوير المشاعر العاطفية للشخوص وأبطال العمل وباغتيال غسان كنفاني كصفحات للرثاء.
كيف يمكن وصف المشهد الروائي الجزائري اليوم؟
المشهد الروائي الجزائري يشهد التنوع والثراء، إذ أصبحت الرواية تراهن أو تلامس القضايا الانسانية، مرتكزة على الذات المنشغلة والخصوصية لترميم الذاكرة الجمعية المتصدعة من خلال مــادة روائية تخيلية مهمة، تتلازم فيها التجـربة والآفاق، ومحاولة التفريغ والتفكيك لإحداث آفاق جديدة ورؤى تقاربيــة مع كل التداخلات النفسية والأحداث والوقائع التي تخص المجتمع، والرواية تعيش هذه التحولات الكبرى سواء على مستوى الطرح أو الجانب الفني، وبظهور جيل جديد تجاوز النموذج القديم، له رؤية جمالية جديدة للارتقاء بالنص الروائي وبأساليب مختلفة نظرا لمتغيرات الواقع السيسيولوجية.
الرواية الجزائرية لم تعد منغلقة على نفسها بل أصبحت تصبّ في روافد الحضارة الإنسانية، وتمد جسر التواصل بين الثقافات المختلفة، وترسم معالم وقيّم اجتماعية وإنسانية من منطلق الخصوصية للمجتمع.
هل من صراعات واتجاهات في المشهد الأدبي الجزائري؟
في الآونة الأخيرة المشهد الأدبي الجزائري يشهد صراع المجايلة والاتجاهات الفكرية غير المتباينة أحيانا أخرى، وكل منها يحاول أن يفرض نفسه على المشهد الأدبي ويتزعم المكانة في ظل غياب مشروع ثقافي واضح، الهيمنة والاحتكار يغلب على الواقع الثقافي الباهت، وما أريد قوله بخصوص هذا الموضوع هو أن نحطم صنم التقديس ونفتح عوالم الابداع في كل المجالات أمام المبدعين ونشد على أيديهم بعيدا عن الانتهازية والمحابات، أن نمد جسور التواصل والمحبة والآراء البناءة بين الكتاب للنهوض بالقطاع الثقافي، وأن نعيد فتح أبواب المكتبات والمؤسسات الثقافية، واصدار المجلات الأدبية وإعادة الاعتبار للناقد والعملية النقدية على الابداعات الجديدة لتنشيط الحراك الثقافي الجاد بعيدا عن التهريج، وعلى وسائل الاعلام بمختلف القطاعات أن تؤدي دورها و تواكب آليات النشر والتعريف بالكتاب والترويج للأعمال الأدبية حتى يتسنى للقارئ العربي التعرف أكثر على مبدعي هذه الأمة.
ما موقفكم أنتم كشباب من القديم؟
وكأنني أمام رواية ديستوفسكي وجريمة قتل الأب، أو مرض الجنون، قتل الأب يعني حالتين إما الاعجاب أوالتمثــل به وهذا نوع من المودة ليحل محله، أو إزالته كمنافس له وهذا يعني الكراهية ليستحوذ على ما سلب منه، وهذه علاقة متناقضة كامنة في اللاشعــور.
وبالتالي يمكنني القول في النهاية أن التجارب القديمة هي اضافات لحياة جديدة، وعليه لا يمكننا الالغاء أو تجاوز التجارب القديمة لما تحويه من رؤى فكرية حول المراحل السابقة، وأحيانا قد تكون أسقطت فيها أو تعدتها إلى يومنا هذا بأفكار وأطروحات جديدة وتجارب صقلتها المراحل والخبرة، وهي اتهامات جوفاء، والاعلام كان السبب المباشر في تقديس هؤلاء وتكريسهم في صناعة المشهد الثقافي في فترة معينة على حساب آخرين لهم من المكانة الأدبية ما يستحق التنويه به.
والانضواء تحت هذا المفهوم لا يخدم الإبداع بأي شكل من الأشكال، هو صراع وهمي، ذاتي، اعلامي، ولا أعتبرها حالة صحية بقدر ما هي تقـــديس لذات المبدع عن الآخر، وهي تدخل في إطار المهاترات التي تصنع المخالفة لأجل المخالفة أو التطاول أو خالف لتعرف، لكن لا تكون على حساب القيمة الأدبية والمسار الابداعي، بل التعامل معها يكون في بناء التكامل الثقافي لخدمة الراهن والتعرف على الكتابات القديمة والجديدة في مسارها التاريخي كإضافة وقيمة فكرية أسست لمرحلة معينة.
تتسم الكتابات الجزائرية بقوة الانتماء لكل ما هو جزائري هل يعني هذا ضعف ونهاية التيار الفرنكفوني؟
في ظل المركزية المهيمنة على الثقافات الأخرى والذوبان فيما يسمى بالحداثة، فأنا مع الرأي الذي يبرز الخصوصية للمجتمعات ويراهن على القيم والمبادئ وعلى الموروث الثقافي والحضاري للأمة، وإلا انصهرت كل تلك القيم في بــؤرة الآخـر، والكتابة الإبداعية هي إعادة تكوين الهوية الذاتية للمجتمعات من خلال الفضاء المكاني واللعب على مخزوننا التراثي والفكري ضمن انتاج المتعة وانتاج المعرفة والحميمية التي تجذب القارئ، ومن أجل توصيل البعد الانساني والزخم التراثي والفكري إلى الضفة الأخرى.
النص الذي لا يتقاسم الرؤى ويلج دهاليز الردهات المظلمة ويستشعر الذات المبدعة ولا يلد من رحم المجتمع هو نص مبتور وبارد، يحاكي واقعا آخرا، الكاتب ابن مجتمعه، ولا يمكنه التنصل من واقعه، جميل أن تتسم الكتابات الجزائرية بذاتها وتنفتح على الآخر، والعودة للذات يضفي على النص الصدق ومحاكاة الواقع، لماذا نقول عنه ضعف؟ بل هو قوة ومصالحة مع الذات والاستيقاظ من الغيبوبة التي كانت تغشي البصيرة منذ زمن.
هل تنتمي عائشة إلى موجة شبابة أدبية جديدة؟ هل لهذه الموجة مسارات فكرية وجمالية واضحة؟
لا، لا أنتمي لأية موجة أو مسارات فكرية، أنتمي إلى النص الذي أكتبه باحساسي ولي طريقتي الخاصة في الكتابة، أنتمي لذاتي ولخصوصية مجتمعي بعين ترى في القبح جمالا، أستطيع من خلاله الغوص في واقعي وانفض عنه الغبار الذي يظلّل الرؤية، لم أعد أؤمن بالشعارات والمسارات التي تشربناها في فترة معينة، مؤمنة بقدسية الكلمة، وهناك أقلام واعدة ومميزة لها رؤية في تشكيل النص الأدبي وتكتب بشكل رائع ولافت وبقوة سواء في الشعر أو القصة أو الرواية وخاصة الأقلام النسائية وعلى سبيل الذكر ( نصيرة محمدي، حفيظة طعام، رقية هجريس، فاكية صباحي، نسيمة بن عبدالله، زكية علال، دليلة مكسيح، أمل بوشارب، جميلة طلباوي، زهرة مبارك، فتيحة سبع، خيرة بغاديد، آسيا علي موسى، أسماء دبلاجي، سليمة مليزي، منيرة سعدة خلخال،خيرة بلقصير، آسيا رحايلية، نسيمة بولوفة، نادية بوقرة، رزيقة بنت الهضاب، حسناء بن نويوة، صالحة لعراجي، ….الخ هذه الأسماء وأخرى لا يتسع المجال لذكرها جميعا شكلت من النص الأدبي الجزائري لغة أخرى، شكلت النص الذي يحاور الذاكرة والذات ويستنطق الراهن من خلال الواقع الاجتماعي والسياسي ويراهن على المستقبل…
لماذا ظلت السينما مبتعدة عن رواية الجزائرية ؟ أين يكمن الخلل؟
لا أحد ينكر على السينما الجزائرية أوجها ورقيها وتطرقها لواقع المجتمع في فترة معينة خاصة في الفيلم الثوري، إذ استطاعت أن تحظى بمكانة مهمة في المحافل السينمائية الدولية وذلك من خلال أفلام مستمدة من الرواية الجزائرية كثلاثية محمد ديب، والتي مازالت عالقة في الأذهان، ريح الجنوب لبن هدوقة، الأفيـــون والعصا لمولود معمري…الخ
هناك أعمال أدبية يمكن تحويلها إلى أفلام تنافس الأفلام العربية والمأخوذة هي الأخرى من الأعمال الروائية، أما الواقع الآن فيؤكد أن قطاع السينما يعاني من صعوبات كبيرة ( مادية ، ابداعية) لأننا لا نملك صناعة سينما.
وما ينقصنا هو كتاب السيناريو وهذا هو ما يضعف السينما. الضعف الأساسي للسينما الجزائرية هو كتابة السيناريو.
كيف كانت بداياتك وما الذي يغريك في الكتابة؟
بدأت رحلتي في عالم الكتابة منــذ نهاية الثمانينات من القرن الماضي بكتابة القصة القصيرة والرواية، مارست الكتابة في العديد من الجرائـد والمجلات الوطنية والعربية وأسهمت بمقالات ودراسات حول قضايا المرأة والطفل، نشرت العديد من قصصي عبر الصحف الوطنية والعربية والمواقع الالكترونية ونلت عدة جوائز وطنية وعربية ودولية ولي العديد من المؤلفات الأدبية تنوعت ما بين القصة والرواية والدراسة….الخ
أما ما يغريني في الكتابة هو ذلك الوهج الذي يسكنني، هي المتعة والجمال، ما يغري في الكتابة هو تحريك المياه الراكدة في الرغبات المقموعة، المقهورة لتتكلم بصوت مرتفع وتسمع أناها عند الأخـــر، وخلق منها مادة ابداعية مميزة لافتكاك شخصية سوية يمكن اللعب على حبل أفكارها وأبعادها النفسية وما يثيرها من جدل أو قلق كالشخصية الانطوائية أو الحسية المنهزمة…الخ.
تظهر حاليا اسهالات روائية كثيرة خصوصا مع سهولة النشر الإليكتروني..كيف تنظرين لهذه الحالة؟
لا أحد يشك في القيمة الاضافية التي أحدثتها التقنيات الحديثة على مستوى تطور الابداع أو التواصل الاجتماعي وما أحدثته خاصة على الجانب الاجتماعي الذي فرضته الظروف الراهنة والأوضاع السياسية العامة أو المحيطة، وإعادة النظر في مسار المجتمعات العربية والتغيير الجذري في أنظمتها السياسية نحو أفاق جديدة توافق تطلعات الشعوب رغم ما انجر عنها من مخلفات كبيرة، هذا من ناحية أما من الناحية الابداعية فقد ساهمت في التبادل والتقارب الفكري و التعرف على آليات جديدة سواء في عملية النشر أو على مستوى الكتابة الابداعية نفسها ومتابعة المشهد الثقافي عند الآخر، باختصار هي نقطة تقارب تشكل وعيا جديدا في تطور الابداع.
النشر الالكتروني عزز سهولة التواصل والنشر السريع وخلق فضاءات متنوعة بإمكانها أن تساهم في الحراك المعرفي والتبادل الثقافي، لكنها أفرزت تشكيلة من الكتابات الرديئة لا يمكن التعامل معها، وعلى القارئ أن ينتقي وسط هذا الكم الرهيب من الكتابات، وهنا تبقى مسؤولية القارئ، والقارئ مستويات، والاسهال الروائي لا يخدم الأدب كقيمة أدبية وفنية لأن النص يحتاج إلى فترة تخمر.
البعض يرى نهاية عصر الرواية والتوجه نحو الومضة والأشكال القصيرة جدا…ما تعليقك على هذا الطرح؟
وكأنك تذكرني بمقولة الدكتور جابر عصفور القائل أنه زمن الرواية ـ وبالفعل هي كذلك ـ ، لأنها أصبحت تطرح القلق الوجداني والبعد الإنساني الذي يلازم العلاقات الاجتماعية وتؤرخ لحياة المجتمعات حسب المتغيرات الجديدة في قالب سردي وفني جميل. والرواية تعيش هذه التحولات الكبرى سواء على مستوى الطرح أو الجانب الفني، وبظهور جيل جديد تجاوز النموذج القديم، له رؤية جديدة للارتقاء بالنص الروائي وبأساليب مختلفة نظرا لمتغيرات الواقع السيسيولوجية. إضافة إلى ذلك أنها لم تعد منغلقة على الذات بل أصبحت تصبّ في روافد الحضارة الإنسانية، وتمد جسر التواصل بين الثقافات المختلفة، وترسم معالم وقيّم اجتماعية وانسانية من منطلق الخصوصية للمجتمع.
ولا أرى أنه نهاية زمن الرواية بل هي مراحل متتالية وحالة من السكون فقط، وكل غرض من هذه الأغراض الأدبية يؤدي وظيفته كما ينبغي وإن كان هناك تفاوت من ناحية الدعاية والاشهار، وهاهو رأي آخر يقول أنه زمن القصة القصيرة والومضة.
هذه الأخيرة أو هذا النوع الأدبي القديم الجديد لقى رواجا عربيا لتميزه واختصاره للأحداث، نظرا للمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية ولضيق الوقت، فاستقطب العديد من الرواد والمهتمين بهذا الجنس الأدبي أمثال فاروق مواسي، زكريا تامر، إبراهيم درغوثي، فاطمة بوزيان، فريال أحمد،غريبي بوعلام، سعيد موفقي، …. الخ وبالرغم من تضارب الآراء واختلافها حول هذا الفن الأدبي الجديد إلا أنه فرض نفسه على الساحة الأدبية وقد تحدد بمواصفات خاصة يعتمد عليها كاتب هذا النوع الأدبي الجديد وهي الفكرة والأسلوب واللغة والتكثيف والرمز والايجاز والابهار وألا تتجاوز بضعة أسطر وأحياناً قد لا تكون أكثر من سطر واحد ونطلق الومضة على نص أدبي حينما تتجلى أركانها الأساسية خاصة الخاتمة الصادمة للفكرة.والقصة الومضة صعبة وتتطلب التكثيف والتركيز من كاتبها والايحاء الدال ثم المفارقة التي تفضي إلى الخاتمة أو النهاية المدهشة أو المفاجأة الصادمة و التي تحفز مخيلة القارئ تجاه ما يقرأ على التفاعل والانفعال حتى نقول عنها أنها القصة الومضة، وهي تحتاج إلى قارئ ذكي..
هل للرواية الجزائرية مميزات خاصة؟ وهل تصل إلى المشرق العربي؟
ما يميز الرواية الجزائرية حديثا أنها مغايرة لما كتبه جيل السبعينيات من ناحية الموضوع أو الشكل أو حتى على مستوى الرؤية الفنية، لتفتح بابا أرحبا على الانفتاح والتجريب والتجارب العربية المختلفة، لم تعد منغلقة على الذات أو منفصلة عن الواقع، الرواية الجزائرية لا تصل إلى المشرق العربي بشكل كبير بسبب مشكل التوزيع، ولا يوجد هناك تواصل معرفي في هذا المجال وبالتالي الفاعلين على الثقافة لا يحملون على عاتقهم هموم الكاتب ولا يروجون حتى للأعمال التي تنشر أو يؤسسون لدوريات تعمل في هذا المجال، وإن ظهرت لأفراد تقبـــر بعد شهور بفعل مشكل التوزيع أو الدعم المادي.
نحن للأسف لا نؤسس للعمل الابداعي الذي ينافس النص العربي وحتى العالمي، بل نغيب في ظل الشلالية أو المحاباة بعيدا عن ما ينهض بالثقافة عندنا ويواكب التطورات والتغيرات الراهنة.
******
(*) صحيفة رأي اليوم