البروفسور الأب يوسف مونس
النيل يجري هادئاً ويسيل بسكون وصفاء والتاريخ يسكن على ضفتيه مصر «انها عطية النيل» والاهرام تقوم في الصحراء والتاريخ يسجل عظمة البناء والمقابر والايمان بالعودة والعبور الى البعث والقيامة وابو الهول ينتصب في قلب الصحراء يخرق الى الخلود والاهرام والنيل «ابو الهول ماذا وراء البقاء اذا تطاول عبر الضجر؟»
كل شيء يناجي الخلود. الفراعنة لم يبنوا قصوراً بل بنوا المقابر لا قصر واحداً، لسكن الفراعنة بل مسكنهم الاهرام، او المقابر وانتظار ساعة الرحيل والعودة لتقوم الاجساد المحنطة وتفك الاكفان واللفائف وتشعب الاجساد امام الاله «رع» كمجد الحياة الجارية ابداً، النيل والناظرة الى الشمس والبقاء كوجه ابي الهول بجسد نصفه اسد كبير ونصفه الاخر وجه انسان كما حوريات البحر في بلاد الشمال نصف جسدها سمكة ونصفها الاخر وجه حورية بحر جميلة وساحرة تجذب اليها البحارة والراحلين. الحضارات تتلاقى وتتشابه وتتقارب فالانسان واحد اينما كان هو يحب ويبغض أكان في الصحراء ام في البحر ام في السهل او في الجبال ام في سهول الرمال والجليد واحد في حسده وغيرته وعشقه وجنونه وتعبده وايمانه وحبه لعائلته واولاده وفي الحفاظ على قيمه واخلاقه وتقاليده وطقوسه اكانت طقوس الموت ام طقوس الحياة يصل واحد هو كل الرجال وامرأة واحدة هي كل النساء…
الشمس والنور والظلام والسراديب والانفاق هنا والنيل والعبور من الموت الى الحياة في الاهرام هناك. ووجه ابو الهول ثابت لا يتحول ولا يتغير ولا يزول ولا يتبدل او يذبل…. هذا للثبات والسكون والعمق المليء بالكلام والتعابير لا يجاريه صمت الاهرام وسكونها وسكوتها واسرارها والغازها ومفاتيح الحياة والموت والرحيل والعودة والعبور فيها. ادونيس ايضاً يعود ويتجدد وينبعث ويقوم الى الحياة في مدار الفصول الاربعة في ارض فينيقيا.
الصخر يقول لك ان الفرعون يرقد في ظلالي ولا تقدر عليها التغييرات ولا تستطيع انت الوصول اليه عبر السراديب الكثيرة الا مُنحني الرأس وزحفاً على اليدين والرجلين. انه الاله. لا تقدر عليه في أكفانه وحنوطه تغيرات الزمان والمكان والتحولات البيئية الصحراوية الرملية الجافة والحارة ولا الهواء الناشف او الريح الحاملة غبار ورمال الصحراء. وتكثر الحكايات والأساطير والميثاق والقصص والخرافات. هذه ليست كلمات متجاورة، لكن لكل كلمة مدارها ومفهومها ومعناها الذي يميزها عن سواها في المفاهيم الانتربولوجية التي هي من اختصاصي.
النيل هنا يفيض خيراً وخصباً وبركة وحياة وسكينة وصمتاً وحكايات استمرار الوجود. الشمس هنا في مدارها تطل شعاعاً عند الظهيرة.
في دوران محدد الأوقات والازمنة لتضيء وجه «رع» الاله، اله الحياة والموت والعودة والانبعاث.
الاشعة تطل على كوة صغيرة ترسل نورها على وجه الاله «رع»: الثابت الساكن الشاخص الى البقاء والدوام والأزلية. دورة ثابتة بحسابات دقيقة لا تتغير ولا تتبدل أكان في خطوط العرض ام في خطوط الطول فكل شيء هنا مرتبط بالحب وفيضان النيل وبركته في مواعيد الخصوبة والحياة لأن مصر حقيقة هي «هدية النيل» ومباركة «ارض مصر».
رجعت من زيارتي للنيل والاهرام وأبا الهول والصحراء والرمال ووجه الله ينوّر دربي ويشعل قلبي وحبي له كيف ظهر برموز واشكال شتى للانسان وأتى بالأمان في محيطه وبيئته ويخصب عليه الخير والنعمة وفرح الوجود وما بعد الوجود.
شكري الخاص لسائقي بوب الذي رافقني وشكري «للعربجي» الذي اخذني «بحنطوره» الذي يجره حصان هادىء وقوي، شكري لايمن فايز الذي ساعدني ورافقني مع البنت لورا واخذ لي اجمل الصور لاجمل الذكر من اجمل اثار واجمل أرض.
تحيا مصر التي احبها.