قصة مدينة

mazen aboud

مازن ح. عبّود

(كاتب- لبنان)

قالت “ال هيئة Everybody does it my dear تضربي يا نونو شو متخلفة!” ثمّ سكتت. وتابعت: “لولا البطن والجيب ما كان في الدني عيب،

ولولا سحاب البنطلون ما كان سرح الجرذون،
كل شيء كبير فوق اساسه شيء صغير تحت،
الله يرحمك يا أبا “نونو” قديش كنت فهيم”.

وتابعت: “الناس كالتفاح تسقط ارضا بفعل الجاذبيةeverybody does It yes Coco, yes my dear “.

ما عاد عندي ثقة بالشاشات ولا حتى بـ”البربريوس” الا بالمسكين الخوري “حنّا” الذي يخرج من فمه لبن وعسل. وما هي الا لحظات حتى لمحت “كوكو” قادماً يتمايل مع النسمات، يعّرك في الهواء، كان يكلم “عنتر”.

وتابعت: “اعتقدنا انّ الشاشات غير شكل، وهي شاشات الناس وإذا بها تفضح بعضها البعض وتتظهر كأنها على الناس. اما الحيادية والموضوعية ففي خبر كان على ما يبدو. ما احلاك يا “مركوش” وما أحلي ضروبك وقصصك وافلامك”.

ونادته قائلة: “ما لك يا ولد طائرا، تعال غط ها هنا فهنا مربضك”. اجابها بلغة ممجوجة وممزوجة coming yalla Tante. وراح يتكلم معها بالطاقة المتجددة والاهداف والوعود الالفية. فما فهمت منه شيئا بل تظاهرت بانها على دراية واطلاع. فكان ان زودته بمشروب الطاقة كي تكسر عينه. اما بما يختص بالوعود الالفية، فراحت تتذكر مآثر والدها ونضالاته للتصدي ب”بيتي فور” الذي هو سبب خراب المشرق والعالم (أي “وعد بلفور”). وذرفت عيناها دمعتين عندما تذكرت كيف خسر المرحوم سرواله وقميصه في مظاهرة في المدينة، على أثر اشتباك مع القوى الأمنية، وذلك دفاعا عن قضايا العرب المحقة. وقد كانت المدينة في زمانه جميلة وعاصمة وجامعة ومتنوعة، نعم كانت المدينة مدينة عن حق.

ثمّ تذكرت كيف كان “منير” سائق المطران وصديق والدها لا يتكلم عن أهل المدينة الا بالفصحى ووقوفا. الا انها ما عادت ما كانت عليه، فالمدن تخسر مدنيتها إذا ما خسرت نسيجها وتنوعها، فيصير العدد الغائيا يلتهم المدينة والمدنية لحساب الجاهلية والتصحر. محزن مصير تلك المدائن.

وتابعت: “البارحة توجهت الى المدينة فوجدت مآذن المساجد واجراس الكنائس القديمة والمهجورة تختنق في حارات الفقر. كانت الناس قوافل من حفاة يسير غالبيتهم الى حيث لا يدرون. عاينت الفقر يصير فكرا، والجهل وحشا، والتطرف اسرا، والوهم مناخات الغائية. كدت اختنق. غصت الازقة الفقيرة بصور زعامات اخفقت في التصدي لمفاعيل العولمة التي جعلت من تلك المدينة الحرفية مساحات فقر، لا بل امتطى اهل الصور وهم الناس والتهموا احلامهم وآمالهم وتسلقوا عظامهم فجعلوا منها سلالم. حزنت اذ عاينت كيف سقط العز في فخاخ العوز، بكيت على مدينة تنكرت لمدنيتها وازمنتها الجميلة، فصارت اقصائية أكثر فأكثر، شعرت بالغربة واكتشفت بأني ما عدت اعرفها وما عادت المقصد والعيد في ازمنة الأعياد كما في أيام امي وابي. لقد هجرتها امي وكل الذكريات. اكلت فولا كثيرا في ذلك اليوم ولم أكن ارغب به، اذ انهال عليّ ركاب سيارة سبقتني ببقايا الفول الأخضر، فكان ان ابلغتهم بأنّ الفول لا يناسبني لان معي ضغط، فردوا عليّ باني لم اسأل رأيي. فشعرت بانّ المدينة ما عادت مدينة ولا مقصدا بل بقعة من مجاهل العصر.

نعم يا كوكو، اخافتني الصور التي غطت كل المباني المترهلة والازقة التي كان تفضي الى ساحات الخضار والأسواق الشعبية. وسمعت صوتا قال لي “الا فأمض لانّ المدينة ما عادت ها هنا قبل ان يلتهموك… فكان ان مضيت وقررت ان لا اعود ابدا”.

city 1

اترك رد