بدت خطوة إفتتاح مكتبة جديدة في بيروت نوعا من المغامرة في الاستثمار المادي في ظل هذا الجمود الاقتصادي المحلي، والنزوع الى إقفال وإغلاق وإنسداد أفق، كما بدت صنفا من التجرؤ على واقع عالم الكتاب الثقافي حيث الشكاوى من تدني مبيعات الكتب الصادرة في العالم العربي، وتدن أوسع في نسبة القراء، وتشظ جلي في دور أهل الثقافة والنخب ..
فمن أين لهذه الخطوة أن تطل برأسها بين فراغ وإفراغ، بين دهشة التساؤل والواقع المرير؟ ومن أين لهذه الخطوة أن تلقى كل هذا الترحيب والحضور خلال إفتتاح “المركز العربي للابحاث ودراسة السياسات” بالتعاون مع “الشبكة العربية للابحاث والنشر” مكتبة جديدة، في مبنى المركز في محلة الصيفي “فيلاج” مقابل تقاطع “الرينغ”.
في الطابقين الارضي وما دونه من مبنى المركز تتزين رفوف الجدران بخمسة آلاف كتاب في الفلسفة والأدب والفكر والسياسة، مما يضفي الطابع النخبوي على وظيفتها، والإنتقائي في تبادلاتها الثقافية مع القارىء رغم طابعها التجاري. لم لا؟ ففي القابل من الأيام، سيرتفع عدد الكتب الآوية الى رفوف مستزادة الى العشرة آلاف كتاب، كما ستستضيف قاعات المكتبة أنشطة متنوعة في حقول الثقافة الممتدة من حفلات لتوقيع كتاب صادر حديثا، بما فيها لتلك الصادرة عن غير المركز، الى أمسية شعرية، أو ندوة لنقاش كتاب أو فكرة ملحة الخ…
من السهولة بمكان إرتياد المكتبة سواء لجهة المكان الجغرافي عند تقاطع الرينغ مع نزلة الجميزة وعلى واجهة الصيفي “فيلاج” مقابل “الرينغ”، أو لجهة المتاح فيها. فالقارىء لكتاب يختاره، يمكنه الجلوس لإحتساء فنجان قهوة، وما بينهما من لقاءات لصداقات ذوي الابداع والكتابة والنشر وممن يجيدون الاستماع، والاستمتاع بلهو الكلام غثه والثمين.
القديمي
مدير “الشبكة العربية للابحاث والنشر”، أوضح أن ترخيص هذه الشبكة هو لبناني، ولكن يملكه سعوديون، ومن بينهم القديمي نفسه، وقد تأسست العام 2007 كشركة نشر، ثم اخذت بالاتساع في تأسيس فروع لها، فكان ذلك في القاهرة العام 2011، وفي تونس العام 2013، وحاليا في بيروت 2016، وقال: “نعمل على إفتتاح فرع جديد في تونس، وقبيل أواخر العام الحالي سيكون لنا فرع في اسطنبول”.
واشار الى ان “الشبكة العربية للابحاث والنشر” تنفرد عن غيرها في عالم النشر بلجوئها الى بيع الكتب الصادرة في غير مكانها الجغرافي، أي أنها لا تبيع الكتب الصادرة محليا في القاهرة، على سبيل المثال، بسبب توافر تلك الكتب في مكتبات البلد الأم، مع وجود إستثناء في هذا القرار ويتعلق بمكتبة بيروت، والسبب توافر العدد الأكبر من دور النشر فيها”.
واكد القديمي نجاح هذا النوع من المكتبات بالمعنى التجاري، وعلى صعيد دورها في تعزيز الانشطة الثقافية كما حصل في فرع المكتبة في المغرب العربي، والذي يتوقعه في بيروت. كما اكد عدم وجود دور نشر على اللائحة السوداء لدى الشبكة، وإنما سيقتصر الإختيار على نوعية الكتاب ومضمونه، والذي في حال إختياره سينضم الى عملية الأتمتة التي أدخلت الكتب المشار اليها الى عوالم التكنولوجيا تسهيلا وكسبا للوقت والتذكر.
مدير المركز العربي للابحاث ودراسة السياسات الدكتور خالد زيادة، اعتبر في كلمة له خلال افتتاح المركز انها “مكتبة للكتاب العربي، وهي حصيلة تعاون بين المركز والشبكة العربية للابحاث والنشر”.
وقال: “في زمن تغلق فيه المكتبات ويتراجع الإقبال على قراءة الكتب، فإن الإصرار على افتتاح هذه المكتبة هو جزء من الإصرار على إحياء الثقافة العربية، فمهما تنوعت الوسائل والوسائط والطرائف فإن الكتاب يبقى الحاضن للفكر والمعرفة وللرواية والدراسة والبحث، ومن دون كتاب لا نهضة ولا تقدم”.