البروفسور الأب يوسف مونس

إشكالية الحرية والفن تطرح امامنا كل مرة يشعر المجتمع ان الفن تخطى الحدود والخطوط الحمر المتعلقة بقيم ورموز وطقوس واخلاق واعراف وتقاليد المجتمع ومعتقداته. هنا تطرح اشكالية حرية الابداع والريادة والتجدد والثورة والتغيير وتطور الشعوب التاريخي. فما هو اذاً مدى الحرية وما هو مداها عندما تصطدم بالعوائق والممنوعات والمحرمات السائدة والقائمة أكانت حقيقة أم خطأ ؟

حرية الابداع الفني والجمالي والفكري مرتبطة هي ذاتها بمنطق الحرية في جوهرها وبمنطق الفن ومعاييره ومقاييسه وبنظريات الجمال والفكر والابداع وخاصة ان اصطدمت او مست بقيم ورموز ومقدسات وشعائر ومعتقدات وتقاليد وآداب واخلاق الآخرين في المجتمعات ومع طقوسهم وعباداتهم وانماط حياتهم وسلوكياتهم وممناعاتهم ومحرماتهم وتبعاتهم وما يعتبرونه حراماً وممنوعاً ومقدساً لا يمس ولا يدنس وممنوع تجاوز خطوط المنع والتحريم والا وقع الفنان او المفكر اوالمبدع في دائرة الرفض والشجب والنقمة والغضب والمطالبة بتوقيفه او منع اعماله وابداعه.

لا سخرية ولا ازدراء

فلا يمكن ومن غير المسموح والمقبول السخرية او الاستهزاء اوا لاحتقار او الازدراء بأي انسان او جماعة في اللباس او اللغة او اللهجة اوالمأكل اوالمشرب او الفولكلور او العبادات او الطقوس او المعتقدات. اعتقد بأنه واحد متجرد او متجسد او احترم واقدس البقرة او الشجرة او الحية او الثور! ادهن بماء العماد والميرون والزيت المقدس ام توضى وتطهر بالماء المنعم عليه من عند الله. اشرب بول البعير دواء من نعم الله ام قم بالرقوة وقراءة الكف والفنجان والغيم والريح والهواء. البس العقال والجلابية ام الطربوش والشروال ام القبعة والبنطلون، الحجاب ام النقاب او المنديل ام الشعر المكشوف والوجه المكشوف امام الشمس واعين الناس.

الممنوعات والمحرمات

لا يمكن المس بالممنوعات والمحرمات والتابوهات الاساسية عند الشعوب ولا يمكن ان يمس: ايمانهم، اخلاقهم، شرفهم، وطنهم، عائلتهم، ارضهم، حريتهم، حياتهم، كرامتهم، عرضهم، ولا يحق لاحد الاستهزاء او الازدراء من علم بلاد الآخرين أكان عليه الارزة ام السيف ام ورقة شجر الدلب، أكان ازرق ام ابيض ام احمر ام اسود اللون.

قدسية الرموز

فالصليب رمز لا يمس عند الذين يؤمنون به. فالهلال رمز مقدس عند الذين يكرمونه ويجلونه. والبقرة رمز مقدس عند شعوب والحية حيوان مقدس عند غيرنا من الناس.

فما هي حدود حرية الخلق والابداع واحترام قيم ومعتقدات الجماعة وحريتها بسلوكياتها وانماط عيشها ولبسها ومأكلها ومشربها؟

المعايير والمقاييس

هذه هي بعض المعايير والمقاييس التي يمكننا ان نستند عليها للحكم على اي عمل ادبي او فكري او فني او مسرحي او غنائي، او احتفالي مشهدي يتعاطى مع الجماعة والرأي العام وكما قال اميل دوركيهام مؤسس العلم الاجتماعي: تعرض الشخص للبطش الاجتماعي La coereilion Sociale ولحق الدفاع عن قيمه وطالب بردع ومنع اي شيء يمس قيمه الاساسية وتاريخه وامجاد ايامه ورموزه وشعائره المقدسة.

الادوات والكلمات

وكذلك الادوات والاواني المستعملة في طقوس الناس لا يمكن ان تستعمل للهزء والسخرية المباخير، الخواتم، الاكاليل، شارات ولباس الحزن والفرح والاعراس والمآتم…

اما الكلمات فلها دور اساسي في هذا المجال. هل هي ضد الاخلاق ام ضد القيم والتقاليد والاعراف هل هي بذيئة جارحة ام هل تحرض على الكره والحقد والاحتقار والعنصرية والتطرف والتكفير ام هي تدعوللقتل او احتقار الطفولة والامومة والشرف وتدعو الى الخيانة؟

لنا حق الاختلاف

وبعيداً عن تهييج الرأي العام وتحريك الغرائز والعصبيات ونصب اقواس محاكم التفتيش والمحرقات ومطاردة السحرة والمشعوذين وعبدة الشياطين الراغبين بتهديم الدين وتدمير الاخلاق ولا اي اشتباه بالاخر والخوف من حق الاختلاف والغيرية ولا الوقوع في مناخ ووباء العقلية الداعشية الضاربة بطاعونها المجتمعات بل المحاور المقدسة هي رموز مقدسة عند الشعوب: الشهيد المذبح المبخرة الالحان الكلمات الحركات ولنبقى في خطنا النهضوي الريادي العقلاني التنويري المسيحي في هذا الشرق المضروب بطاعون الجهل والظلامية العقلية وضيق القلب والعين ونصغي لما قاله شارل مالك في شرعة حقوق الانسان.

نهضة دون تجرح

نحن كنا رواد نهضة الفكر والفن والطباعة والمسرح والابداع بتجربة منوعة مميزة جعلت من لبنان وطن الحرية والريادة والابداع علينا ان نبقى كذلك في اطر من الحب والاحترام والالهام دون كبت او عقد تنافي عمل الروح القدس فينا. نعم للابداع نعم للريادة ونعم لعدم مس حرية الآخر واحترامه وحسب في ما هو نشأ عليه واصبح من قيمه وشيمه.