بقلم: كلود أبو شقرا
لأن الربيع العربي نسي القضية الفلسطينية ولم يعد العالم، سواء في الغرب أو في الشرق، يذكرها ولو من بعيد، كان فيلم “مملكة النمل” للمخرج التونسي شوقي الماجري (في تجربته السينمائية الأولى) الذي ينطلق من فكرة التراب والدفن لأن الاسرائيليين يخفون جثث الموتى إيماناً منهم بأن المكان الذي يدفن فيه شخص سيعود إليه أهله واقاربه.
تناول الفيلم النضال المستمرّ عبر الأجيال ضد الاحتلال الإسرائيلي ولا يتطرق إلى أحداث معينة أو مواقف سياسية، بل يركز على الشعب الفلسطيني الذي يتعرض يومياً لأن تدوسه الدبابات، مع ذلك يصر على أن يفرح ويعيش قدر الإمكان حياة طبيعية…
بأسلوب شاعري جمالي يصوّر شوقي الماجري حياة الفلسطينيين اليومية بكل معاناتها وآلامها وأيضاً بكل الأمل الذي يملأ قلوبهم بانتصار قضيتهم ولو بعد مدة طويلة، لذا يبدأ فيلمه بمشهد خروج طفل من قلب شجرة الزيتون، كرمز للتجذّر بهذه الأرض والمستقبل والحياة التي لا تقوى عليها الآلة العسكرية الإسرائيلية، وينهيه بمشهد يرمز إلى أن هذا الشعب ما زال قادراً على الاستمرار وما زالت القضية الفلسطينية خضراء أي حية ولم تمت.
لم يخف الماجري صعوبة إنجاز هذا المشروع الذي ظل يبحث عن منتج لسنوات سبع، وأبى أن يتخلى عن قضية شعب ينوء منذ عقود تحت نير الإحتلال من دون ان يستسلم، ورأى النور أخيراً لمواجهة محاولات تهميش القضية الفلسطينية والتخلي عنها، في ظل الانقسامات بين الفلسطينيين أنفسهم.
“مملكة النمل” عالم جميل ساحر يحرسه أبو النمل، تظلله السكينة والهدوء وتجري بين حناياه المياه العذبة، تحت أرض تشهد كل أنواع البشاعات. في هذه المملكة التي تعكس قلب فلسطين المليئ بالشرايين، يعيش الفلسطينيون أفراحهم التي حرمها منهم المحتلّ الإسرائيلي، وتحتضن قصة حب تتكلل بالزواج بين طارق مناضل ضد الاحتلال الصهيوني وجليلة التي لا يكتب لها أن تهنأ بزوجها إذ سرعان ما يلقى القبض عليه ويزجّ في معتقلات التعذيب 12 سنة.
جليلة أم فلسطينية تنبض بالعاطفة لوطنها ولعائلتها وينبض قلبها بالكره للمحتل الصهيوني، فتدفع ثمن هذا الكره البقاء في غياهب السجن سنوات طويلة، الألم جزء من حياتها وتدرك أنه في يوم من الأيام قد يخرج ابنها سالم الذي ولدته في السجن ولا يعود، وهذا ما حصل في إحدى الانتفاضات ضد الآلة العسكرية الإسرائيلية، وكان بعمر الـ 12 سنة، فتتفجع وتنوء تحت ثقل المصيبة التي ألمّت بها وتبحث عبثاً عن إبنها بين الجرحى في المستشفى، إلا أنها لا تعثر عليه فهو أضحى روحاً ترفرف كحمامة فوق تراب بلدها، مع ذلك لا تستسلم وتبدأ مع زوجها بداية جديدة.
طارق مثال لشاب مناضل لا يخشى الموت أمام الآلة العسكرية الإسرائيلية، يكرس عمره وشبابه لخدمة قضيته، يلتقي زوجته في مملكة النمل حيث يعيش الحب والسلام والمشاعر الصادقة. فعلى نقيض الحياة في البلدات الفلسطينية، تشكل مملكة النمل مساحة لقاء مع الحب مع الشهداء مع السلام الغائب عن أرض لا ترتوي من الدماء.
كتب شوقي الماجري قصة “مملكة النمل” مع الفلسطيني خالد الطريفي، يشارك في البطولة: صبا مبارك وعابد فهد ومنذر رياحنة وجولييت عواد وجميل عواد.
الفيلم مجموعة من المشاهد بعضها مستوحى من الواقع العنيف وبعضها الآخرنابع من عمق مشاعر شوقي الماجري تجاه القضية الفلسطينية، تتخللها مجموعة من الرموز من بينها ولادة سالم في السجن للدلالة على أن الفلسطيني يولد سجيناً في أرضه ويقوده قدره إلى درب المقاومة والاستشهاد في سبيل الدفاع المستميت عن أرضه. مواجهة الخراب في الأحياء والهجمات الجوية اليومية على المدارس وقصف الأبرياء والمدنيين العزّل بالزغاريد كإشارة للتشبث بالحياة، العرس الذي يقصف جوّا فينبطح الجميع لينهضوا بعد لحظات غير مبالين ويتابعون الاحتفال كدليل على أنّ الفلسطيني يرفض الاستلام، بالإضافة إلى صور من الحياة اليومية الفلسطينية التي تبرز الصراع والدفاع المستميت عن الأرض، الاستشهاد والموت هو بمثابة يوم عيد فتعلو زغاريد الأمهات وتسقي الدموع الإرادة المقدّسة بالحفاظ على الأرض.
كلام الصور
1- ملصق الفيلم
2- المخرج شوقي الماجري
3- صبا مبارك في مشهد من الفيلم