مازن ح. عبّود
كانت تتلطى خلف الملفوفة في كل مرة تشعر انّ “كوكي” الذي يدرس في الجامعة الامريكية يطاردها كي يلتقط لها صورة، وسرعان ما كانت تنتهي بوضع رأسها برمته في شتلة الملفوف نفسها هربا من العدسة، وتروح تدور بجسدها من حول الشتلة، وتلعن وتتكلم بسرعة “العصفوري” باللكنة المحلية ان اقترب منها أكثر.
“عصفوري” “روزة” كان يشغل ايضا بال “جوجو” امرأة “زوزو” جارتها، والتي ضبطت “روزة” تناقش وبنوها بهذه اللغة أمورا سرية. فأبدت “جوجو” خشتيها من طبخة دسمة بدايتها الضيعة ونهايتها تأثيرات على النظام النقدي والسلم والسلام العالميين. والا، فلماذا تتكتم “روزة” وتحاول التفلت من الرقابة وتغيب الاسرار عن الجيران في ضيعة سرها معلوم؟؟.
وكان ان اقلع “كوكي” الشاب ذو الاحلام الغريبة، مع عدسته على دراجته النارية بعيدا عن حقل الملفوف. لمحه الوجيه يقود دراجته، فلوّح له بمقص الحلاقة، ودعاه الى التفضل لمشاطرته مائدة اخباره، واخباره كانت مكثفة وغنية ومتشعبة في زمن الانتخابات، وقد كان عنده الكثير من الوصايا التي رغب ان يسلمها الى “كوكي”.
نزل “كوكي” وبعد الترحيب، قال له الوجيه: “اراك تحوم من حول “روزة” وحقل ملفوفها هذه الأيام، فلماذا؟؟ اتركها وما أدراك بالناس. فقد تكون “روزة” متحالفة مع أنظمة مارقة ومنظمات سرية. الا فابتعد عن الشر يا “كوكي، فهذه امرأة ورقتها مستترة. وفي عصر الاقتصادات المعرفية المرتكزة على المعلومة هذه ممنوع، ويدعو الى الشك والريبة، فحجب المعلومة عن النظام العالمي جريمة ويحرك الأنظمة. ثمة حاجة الى التبليغ عن اي شيء مستتر عند العوام مخافة ان يؤذي الخواص، وتصير المادة المحجوبة مصدر خطر على الاقتصاد او السلم او السلام العالميين، مما يؤثر على نظام النقد العالمي وأسعار صرف العملات. فالموضوع بعد إقرار معاهدة “بيروتي ودود” أي معاهدة “بريتون وود” في سنة 1945 اضحى دقيقا، وصار أكثر دقة على أثر تفلت الدولار من التغطية الذهبية ما بعد حرب فيتنام، فالعملة مغطاة بالأخبار هذه الايام.
وما يدور في الملفوفة وسهلة الملفوف مصيري لحسم معركة الإرهاب والضيعة التي اعتبرها البوابة التي يمر بها التغيير وصولا الى واشنطن وموسكو ونيو يورك”.
كان الحلاق الوجيه مقتنعا، وكان يتكلم بكل هذا الحكم وعصافير “الشويكي” من حوله تغرد، والفتى “كوكي” يستمع، والمقص يرقص في الهواء ويتكتك راسما الاخبار صورا هوائية، ومن ثمّ يغط مقص “الوجيه” على شعر “اوزي”-الزبون الرضي، فيحصد من شعره الشيء الكثير، والأخير يستمع ويصهل ويؤيد الحلاق الفهيم قائلا: “عفاك، عفاك”، و”كوكي” يتأمل.
تابع الحلاق كلامه، فقال: “اسمع يا كوكي، في الجامعة تتعلم “أ ب ج د ه و ز…” وهذا لا ينفعك. انصحك بان لا تبتعد كثيرا عن عشيرتك لانّ من خلع رداءه تعرى من محبة الآخر وسقط في اناه، وانحدر الى أسفل دركات الموت، لكن لا تنغمس في رمال العشيرة لأنها تغرقك. امكث ما بين هذين الحدين. وإذا ما اردت ان تعيش ابتعد عن الملفوف فهو يتسبب بالغازات وعسر الهضم ويؤثر على السلم والسلام والنقد الدولي المغطى بالوهم والغازات”.