كَلاَّ، هَذا لَيس في الديِّن ….
(الخميس 9 آذار 1961 ـ “الحياة” ـ العدد 4569)
كذب الذين يتذرعون بالعاطفة الدينية لتبرير شططهم.
كذبوا والله، فالدين الذين يدعون، براء من هذا كله. بل هو الآخر ضحية من ضحايا فجورهم.
نحن نعيش في بلد تقوم أديانه باختلاف مذاهبها، على مثل عليا واحدة في الخلق والتطبيع. وما يصح في أحدها يصح في الآخر، والعكس بالعكس.
دلونا إذن، على دين منها يقول: ضعوا أصابع الديناميت بين مساكن الأبرياء، وانسفوها (*)
دلونا على دين يقول: اكذبوا تجنوا! زوروا! اعتدوا! اطغوا!
دلونا على دين يقول: كابروا وتكبروا وتجبروا!
دلونا على دين يقول: ضروا! نفروا! اهدموا! اخربوا!
اللهم، إن أدياننا كلها قامت على السماحة والصفح والصدق والخير والنفع. وكل خروج عن هذه الفضائل هو وثنية كافرة، ولو دهنوها بالإسلام تارة وبالمسيحية طوراً.
لقد استطاع المسيحي والمسلم أن يعيشا معاً في هذا البلد أكثر من ألف سنة. وما دامت المبادئ الخلقية والاجتماعية في الدينين العظيمين، واحدة، فإن مجتمعها يظل في أصله وفصله مشتركاً.
من أجل ذلك يعيش الجانبان بسلام وانتظام في مجتمع واحد. إنهما يعيشان معاً، ولا يتعايشان. وهذه شوارعنا وأحياؤنا وقرانا ومدننا خير شاهد على ذلك. ولا شذوذ عن القاعدة إلاّ حيث يطغى هوى أو جهل أو مصلحة أو نشوز.
أم يحن الوقت إذن، لكي نجلّ الدين عما يلصقون به، فنسمي إساءة المسيء باسمه لا باسم الدين الذي يدّعيه؟
فكروا أيها المواطنون بما يقال ويجري. فكروا قبل أن تصدروا أحكامكم المبرمة، عودوا إلى ضمائركم، وأديانكم ـ إن كنتم تعرفونها ـ وقابلوا بينها وبين ما يرتكبه البعض باسمها. وعندئذٍ يتضح لكم صدق ما نقول، وتدركون أن أديانكم هي أسمى من أن تصبح ذرائع للشر، فالشرّ في نفوس الذين يتجرون بها، لا فيها.
ومتى استقرت هذه القناعة عندنا، عصمنا الأخوة الوطنية من عبث العابثين، وارتدت مآثم كل جان إلى صدره، وحصرنا الشرّ في نطاقه: تطاق الشهوة والغاية وهان الحساب!
(*) يشير إلى اكتشاف رزمة كبيرة من الديناميت قبل لحظات من انفجارها قرب منزل رئيس الحكومة اللبنانية السيد صائب سلام في منطقة المصيطبة من بيروت، وكانت هذه الرزمة أن تؤدي ـ بحال انفجارها ـ إلى وقوع عشرات الضحايا. فأشيع بأن حزب الكتائب وأنصاره، كانوا وراء الحادثة، وتأزم الوضع السياسي والأمني في البلاد، وكادت أن تشتعل الفتنة الطائفية. ولكنه تبين في نهاية الأمر أن واضع المتفجرة كان جندياً مسرّحاً يدعى محمود عياش، نقم على الدولة اللبنانية لرفضها إعادته إلى الجندية، فقرر الانتقام بمحاولة اغتيال رئيس الحكومة. (ويذكر أن عياش ورفاقه بُرِّؤوا وأطلق سراحهم لاحقاً).