نضال صحافي قال كلمته ومشى
كلود أبو شقرا
في 16 مايو 1966، حين كان الصحافي اللبناني كامل مروة قابعاً وراء مكتبه في مبنى «الحياة» يحضر عدداً جديداً من الجريدة، دخل أحد المسلحين عليه وأطلق رصاصاً اخترق قلبه فتوفي على الفور. في الذكرى الخمسين لاغتياله، تنظم مؤسسة كامل مروة بالتعاون مع «سوليدير» معرضاً في أسواق بيروت بعنوان «كامل مروة الذكرى الخمسون: حياته في صور»، (6 مايو- 4 يونيو) يلقي الأضواء على مراحل من حياته، بما فيها نضاله في سبيل استقلال الوطن، وتأسيس جريدة الحياة، فضلاً عن الصفحات الأولى للصحف الصادرة يوم اغتياله…
لا توثّق الصور المعروضة في معرض «كامل مروة الذكرى الخمسون: حياته في صور» مراحل من حياة مروة فحسب، بل تشمل الأوضاع في لبنان والعالم العربي بين 1946، السنة التي أسس فيها جريدة الحياة، و1966 السنة التي اغتيل فيها. وتعتبر هذه المرحلة دقيقة وانتقالية في تاريخ المنطقة العربية، إذ شهدت تعزيز الكيان المستقل بعد نهاية الاستعمار، وتخللتها صراعات كبرى وهزائم، وشعور قوي بالقومية، وتنامي الأيديولوجية والالتزام السياسي.
هذه الأحداث، سواء سياسية أو اجتماعية، ارتسمت عناوين بارزة في الصفحات الأولى لجريدة «الحياة»، ومعروض نحو 80 منها بحجمه الكبير، فضلاً عن سرد التاريخ من وجهات نظر مختلفة، وإبراز المزاج الاقتصادي والاجتماعي والثقافي في تلك الحقبة.
كذلك يضيء المعرض على حياة كامل مروة ونظرته إلى الأمور من حوله، تطوّره، مساهمته في جعل بيروت مركز الثقل في المنطقة العربية على الصعيد الصحافي، فيستنتج المتفرّج أن قصة مروة تتشابك مع تاريخ المنطقة، كما لو كانت حياته سلسلة من الأحداث الشخصية التي تعكس وقائع ضمن الذاكرة الجماعية.
ينقسم المعرض إلى قسمين: يتضمن الأول صوراً فوتوغرافية عن حياته، والثاني صفحات من الحياة في بيروت إبان عصرها الذهبي.
شهيد الصحافة
أرادت مؤسسة كامل مروة المعرض بمثابة تحية وفاء إلى أحد أكبر الصحافيين في لبنان والعالم العربي. قد يتساءل البعض، لماذا انتظر التكريم كل هذه السنوات؟ الإجابة لدى مؤسسة كامل مروة التي اعتبرت أن الحرب التي عصفت بلبنان والظروف التي تلتها حالتا دون هذا التكريم. اليوم، اعتبرت أن الفرصة ملائمة في الذكرى الخمسين لاغتياله، وارتأت أن يكون المعرض في قلب بيروت حيث عاش كامل مروة واغتيل.
تزامن افتتاح المعرض في 6 مايو، مع ذكرى شهداء الصحافة، الذين حملوا لواء تحرير البلاد من أربعة قرون من الحكم العثماني، وتوجهوا بإباء إلى أعواد المشانق التي نصبت في ساحة الشهداء ببيروت في 1915 و1916، رافعين الصوت في وجه المحتلّ، ومضحين بحياتهم في سبيل الاستقلال.
اللافت في المعرض أنه يحتفل بحياة كامل مروة، ويتتبع خطاه حتى أصبح إحدى الشخصيات البارزة في العالم العربي في مجال الصحافة، فهو بحق «أبو الصحافة العربية الحديثة». تبدأ الرحلة مع عناصر من طفولة مروة، تضم صوراً لوالدته وأفراد الأسرة ووثائق عن هويته، ثم مقاله الأول الذي نشره في الصحافة، وصورة له في مكتب جريدة «النهار» وأخرى خلال سفره إلى الخارج.
يولي المعرض اهتماماً خاصاً بحدث كبير في حياة مروة: تأسيس «الحياة» عام 1946، ويضم ملصقاً يصور المعنى الحرفي للصحيفة، وصوراً لمروة وزملائه العاملين في مكاتب الجريدة، بدايات الأخيرة وتطوّرها السريع حتى بلوغها الصدارة… فضلا عن صور حول تأسيس مروة صحيفة «الديلي ستار» عام 1952، ويظهر العدد الأول منها على شاشة ضخمة.
يضمّ المعرض أيضاً صوراً لكامل مروة مع مسؤولين بارزين من بينهم رئيسا الجمهورية في لبنان في عهد الاستقلال بشارة الخوري وكميل شمعون ورئيس الوزراء رياض الصلح.
قصة فريدة
المعرض بمثابة احتفال بلبنان وبكامل مروة، حسب مؤسسة كامل مروة، ويعيد رسم مساره الشخصي والمهني ونجاحاته وصداقاته وصولاً إلى نهاية حياته سنة 1966، في المقابل يعكس أهمية الفترة التي عاش فيها كامل مروة وشهدت أحداثاً وتحولات على صعيد المنطقة العربية بما فيها ثورة يوليو في مصر والحرب الباردة والشؤون السورية المختلفة.
يروي المعرض قصة كامل مروة مع جريدة «الحياة»، إذ كان مغامراً على صفحاتها إلى درجة أنه أدهش الناس والمحيطين به، ففي 18 أغسطس 1964 تحدى التوقعات عندما كتب في صدر الصفحة الأولى «شارل حلو مرشح تسوية»، مشيراً إلى أن حلو سينتخب رئيساً للجمهورية في لبنان، فيما كانت المؤشرات تدل على انتخاب عبد العزيز شهاب. وفي يوم الانتخاب صح توقع «الحياة».
إلى جانب حسه الصحافي وإتقانه قراءة الأحداث من حوله، تكمن أهمية كامل مروة في أنه أدخل الحداثة إلى الصحافة في لبنان، وأول من كتب المقال الافتتاحي القصير في بيروت، وعنون مقالاته «قل كلمتك وامشِ».
محطات من سيرة
ولد كامل مروة عام 1915 في بلدة الزرارية في جنوب لبنان، والده جميل مروة أحد أوائل المغتربين اللبنانيين إلى المكسيك. رغم اندلاع الحرب العالمية الأولى سنة 1914، والأحداث المأساوية التي رافقتها، أصرّ جميل مروة على العودة إلى هذه الأرض التي رافقت خطواته الأولى في الحياة، فاستقر في بلدة الزرارية حيث ولد كامل، ثم انتقلت العائلة إلى صيدا وكان الطفل لم يتجاوز الثمانية أشهر من عمره.
شهد 1925 تحولا في حياة كامل مروة إذ توفي والده، وكان في العاشرة من عمره، مع ذلك تابع دراسته في مدارس صيدا جنوب لبنان، وبعد الانتهاء من المرحلة الثانوية قصد بيروت سنة 1932 ونال منحة دراسية خولته متابعة دراسته العالية في الجامعة الأميركية. بعد تخرجه درّس التاريخ والجغرافيا في المدرسة العاملية التابعة للجمعية العاملية برئاسة رشيد بيضون، فارتبط به بصداقة وسافرا معاً إلى أفريقيا سنة 1937 لجمع التبرعات بهدف توسيع المدرسة العاملية، وسجل انطباعاته عن رحلته هذه في «نحن في أفريقيا».
حارب كامل مروة الانتداب الفرنسي، فطاردته السلطات الفرنسية واضطر إلى الهرب إلى اسطنبول (1941) ومنها إلى بلغاريا ورومانيا وألمانيا، والتحق بالمجاهدين العرب، في أواخر 1944 عاد إلى بيروت فاعتقلته سلطات الانتداب أربعة أشهر ثم أطلقت سراحه.
تعود علاقة كامل مروة بالصحافة إلى مرحلة دراسته الثانوية عندما أصدر مع زملائه من بينهم رشدي المعلوف مجلة «ثمرة الفنون». أما انطلاقته الفعلية مع مهنة المتاعب فكانت سنة 1933 في جريدة «النداء» لصاحبها كاظم الصلح، وعمل مراسلاً لصحف عالمية، ثم التحق بجريدة «النهار» (1935).
في مطلع الحرب العالمية الثانية، أنشأ مع الشيخ فؤاد حبيش مجلة «الحرب الجديدة المصورة»، إلا أنها توقفت عندما اضطر إلى مغادرة البلاد. وبعد عودته أسس صحف: الحياة، دايلي ستار (باللغة الإنكليزية)، بيروت ماتان (بالفرنسية- 1959).
من أبرز مؤلفاته: «ستة في طيارة»، «قل كلمتك وامشِ»، «بيروت – برلين – بيروت: مشاهدات في أوروبا وألمانيا أثناء الحرب العالمية الثانية 1941-1942 «(دار رياض الريس للكتب والنشر 1991، والمؤسسة العربية للدراسات والنشر2005)، «مقالات ويوميات» وهي مذكرات أثناء عمله في جريدة «النهار» (-1937 1941)، أجرى خلالها جولة صحافية إلى تركيا وأوروبا دوَّن فيها مشاهداته.
****
(*) جريدة الجردية الكويتية