مازن ح. عبّود
(كاتب- لبنان)
شكر “أبو لولو” مار شليطا وسدد كامل نذره له بعد ان حقق له مبتغاه، واضاء المقام بالشموع عرفانا، فقد أقرت الانتخابات البلدية. وسدد دينه السياسي ايضا فنظم اغنية لوزير الداخلية، وصار يغنيها امام “الكركون”، علّ الضابطة العدلية تعمل عملها:
“يا مشنوق جبت العيد وصار الفقر عنا بعيد فاض الخير بيتك دير…”.
وراحت ام “لولو” ترافقه رقصا وقد نحفت لكنتها كي تتناسب مع اللكنة البيروتية “الكلاس”. و”أبو لولو” هو أبو الوفاء كما كان يحب ان يسميه الناس، الا انّ ابنته الكبرى كان اسمها “لولو” وليس وفاء.
وقد كان هو وكل العائلة التي أعطاها إياها الرب عائلة كرست نفسها للاستحقاقات الكبرى والانتخابات، فلولو كانت موهوبة بالتقاط الاخبار وسحبها من فم السبع وطبخها.
والعائلة كانت برمتها تنتظر مثل هذه المواسم لتعتاش وتخدم بلدها. كان الجميع في تلك العائلة مغرم بطقوس ذلك الموسم من دهن وعجن وكلام عسل. كانوا يؤمنون بأنّ في مثل هذا الموسم تحصل العجائب فتفيض الفلوس انهارا من جيوب حتى البخلاء إذا ما اغرموا بالسلطة، وتجري انهار اطعمة من مآدب وبيوت لا تفتح أبوابها الا مثل هذه الفصول المباركة، فتشبع حتى الكلاب والهررة من خير ابن آدم، كما انّ في مثل هذا الموسم تختلط الحقيقة بالخيال، والكذبة بالواقع، ويصير هو انسانا لا بل لاعبا يلهو بالأخبار.
موسم يفتقد فيه المرشحون الفقير والمتروك والمعوز. فتخرج عواطف أولئك من جيب السروال باتجاه اللسان. نعم، فمفاعيل هذه المواسم تفوق مفاعيل الصيام الخيرية وسائر المناسبات المقدسة بكثير. ويقول “أبو لولو” انّ “الانتخابات صممت كي تحرك طنبر النمو والمياه الراكدة في الاقتصاد السفلي، فتحريك ما تحت من مياه مسألة وجودية تنعش جيوب من هم فوق، فتصير تطن، وتفيض النعمة على الالسنة، وتزيت العظام، وتتفتح آذان الزعماء، فيصير المقتدرون أكثر انصاتا وقلوبهم أكثر خفقانا وتزول المسافات من بين الايادي والجيوب”.
وفي موسم الانتخابات تزدهر اعمال وحرف، فتفتتح السيدة “كوكليكو” صاحبة ام “لولو” مثلا، اعمالها في الاستشارات والإبداع، وقد ابتكرت فحص بول خاص لتحديد المواهب كما فحص خروج لتحديد الحظوظ، وأصدرت دليلا حول ملبس المرشح او المرشحة، فتعج دارتها بالطامحات ممن تسألهنّ ان يعتلين المقاعد وان يحركن ايديهنّ وارجلهن وأفواههن، على ان لا يتعارض ما يخرج من فيهنّ مع اللبيط والخبيط والنظرات.
ويتحرك مطبخ “ام كوكو” مع الاطايب، فيرقص “الكفكير” مع مدقة الثوم، وتنطلق في طهي الكباب والغمة وكل ما يستدعي الدماء الى البطون، كي تتعطل العقول، فهذا ما هو مطلوب في الموسم كي يطيّر الفيل ويصير الحمار فطنا فصيحا والفصيح أبكما.
الا انه وتحسبا للمعركة واجواء الحماوة المحمودة وغير المحمودة، أصدر رئيس البلدية “نوّار” مذكرة تطبيقية مهرها المخاتير أيضا بختمهم، تدعو السلطات الطبية الى التنبه وشراء لقاحات “كلب”، خوفا من انتقال هذا المرض الى البشر بعضة، فيصير الناس يعضون بعضهم بعضا فيفنى الصالح بظهر الطالح. كما تنتشر حمى الوصول الى جنة الحكم المحلي، فيروح من اصابهم الفيروس يتحركون ويطلقون الوعود والنيران حتى الوهم والارهاق، ويتزايد القادمون من مجنسين ومنسيين فتزداد الكثافة السكانية وتتعزز الرطوبة مما يشكل بيئة مثالية لانتشار مثل هذه الأوبئة والامراض.
وحده “طنطونى المتفلسف” جلس وحيدا ينظر الى كل ذلك، كان مهتما برصد الامراض واستفاقة الغرائز القبلية والطائفية والمشاعر الذابلة، ومن ثمّ قياس معدلات الحقد والاشاعات والضغينة. جهز كاميرته لتصوير الشياطين. راح يتتبع حركة “أبي لولو” مثل ال”بابارادزي” فوجده يقيم في كل جيوب المرشحين الزبائن من غير ان يستقر الا في جيبه، نعم فقد ضاع في جيبه ما بين جوعه وفقره وعوزه الى كل شيء حتى الى الشيطان.
وعلى هامش الاستحقاق، سجل “طنطوني المتفلسف” ما يلي: “في موسم الانتخابات تستفيق الغرائز، يطير الفحل، ويحلب العجل، وتمسي الديمقراطية سلاحا في خدمة القبلية وعقول القرون الوسطى، ويتحكم باللعبة من وراء ابي “لولو”، ويلهو الاذكياء والمخضرمون بالقطعان، ويستشهد جراء ذلك كثيرون من الاوادم.
اما الابشع من الانتخابات، الزمن الذي يليها، والذي يستمر لسنين ثقيلا وباردا ومقززا فتجري الكهرباء في كل مكان الا في الشبكة، فيتكهرب الجيران والأحبة، وتصير المحلة جهنما، والترشيح انفلوانزا والانتخاب سوق والديمقراطية اكرامية.