حسيبة طاهرر جغيم
(أديبة وشاعرة – الجزائر)
انسلت من تحت اللحاف تسللت إلى الصالون حاملة جهاز اللابتوب بين يديها ، ارتمت على الأريكة الباهتة الباردة، قرأت رسالته للمرة العاشرة أو المئة و واحد فما عادت تدري،…..إحضري أو غيبي أبدا…ضلت ساهمة تفكر فهي لو حضرت ستغيب و لو غابت ستحضر ولو غابت ستغيب .فما العلم؟؟
ربطت جأشها ووضعت ماضيها في الجانب الأيسر للروح ارتدت الحب وانتعلت الحلم وضعت قليلا من أحمر على وجنتيها و شفتيها فلا وقت لديها لأكثر حملت حقيبة تحوي ثيابا قليلية وكتبا كثيرة وألبوم صور،استرقت النظر إلى ذلك الملقى على السرير الموثق (آسفة) قالت ، ألقت نظرة على طاولة الإفطار منسقة كالعادة ;إبريق حليب إبريق قهوة خبز محمص صحن حوى مربى و جبن وزبدة الفول السوداني و كعكه المفضل الذي أعدته له بنفسها، و في الركن أزهار جميلة المنظر عاقر لا تفوح بعطر كل شيء هاديء وعادي كل شيء هنا إلاهي فلن تكون …..أسرعت الخطى خارجا صفقت الباب فما يهم فهي الخطوة التي ليس منها رجوع .
نزلت الدرج مسرعة فالحب في السيارة ينتضر و الزوج على السرير يحتضر، إندست في المقعد صفقت الباب نظرت إليه لم يستقبلها كما توقعت كلامه خافت ولونه باهت سيجارة تحرق شفتيه كانت الساعة عنده الرابعة صباحا و مشروع ندم ، كانت عندهاالرابعة إلاعودة و الثالة وأمل قال الحب ; مرهق أنا فقودي أنت.
في صمت تبادلا الأماكن عيناه تفران منها كلما إليه نظرت قالت إلى أين قال إلى المصير ، داست البنزين وانطلقت إلى الا أين ، كان الحب كعادته جميلا مهندما عطرا لكن حركاته اليوم غير متزنة نظراته هاربة منكسرة شاردة كلامه ضئيل ميزاجه غريب.
كانت السيارة تجري هاربة نحو الماضي سالكة شارع اللوهم المجهول، قالت إلى أين المسير ؟
قال ; إنه الآن يبكي و يبحث عني مسكين ذلك الصغير لن يحاول عضي بعد اليوم لن يلامس خدي سيبكي كثيرا مسكين يستحق أبا أفضل مني بكثير….
قالت ; مسكين هو سيفطر وحيداً وينام فريداً ويعيش سقيماً لن يبكي لن يبحث عني عصي الدمع هو غزيز النفْس كاتم النَّفَسِ ، قهرته أنا ضمرته لأنه فقط أحبني ،أهنته قلصت هامته لأنه فقط أكرمنيي ما أغباني ما أجبنني…
قال; حزينتان هما ستمضيان عاريتان والبرد شديد ستهانان بذنبي وتشتمان وتنبذان بلا ذنب ستهجران وتعيران سأضلني في حياتهما وصمة عار و أب مستعار، عربيد شريد بلا قرار…
قالت; أمي سترثيني ستبكيني دهرا ستُلقى في مزبلة المجتمع ،أبي سيحزن سينزف دما ، أخي سيدفع عني الثمن سيتهامزالقوم و يتاغامزأخته التي تقاطرت عهرا و تهاطلت أخبارها ظهرا و عِشاء وعصرا..
قال ; مسكينة هي ستجرح كرمتها التي ضلت قلادة في عنقها دهرا وشطر دهر، سأحطم عنفوانها و كبرياءها و امرأة هي لاتقهر ستملأ الأخاديد وجهها الجميل و قلبها الضعيف و حسها الرهيف…علي اللعنة من نرجسي أناني متجبر ،ماجن أنا و سخيف لا أستحق حتى العيش…
قالت; في ذهول من استيقض لتوه من ذهول ; أهو الندم …أبعد عامين من الحب و قبله و ألاف القبل ،أبعد أن تمردت أنا على كل القيم و غدا إسمي كأس سم تدور على شفاه الذين لي و خنت المواثيق و العهود…أبعد أن ضحيت بكل ما سيكون و ما قد كان أ بعد…..وبعد…وبعد…تحددث عن الندم …
قال ; فل نشفى من هذا الجنون ول نرتقي عن هذا المجون ول نعد وما سيكون…
قالت أنت أعلم مني أن العودة لي محال فأنا البارحة عاهرة وحقيرة ودمي مهدور واليوم دفنت في مقبرة النسيان المحضور وروحي لاتجوز عليها رحمة ولاصلاة ، وإننا اليوم غدا… فهل الموتى يعودون ، و إن عادوا هل يقْبلون…؟….؟…..؟
وفي لحضة لم تُنتضر أدارت المقود بجنون فارتطمت السيارة بالحافة المعدنية للطريق وانحدرت متدحرجة عبرسفح الجبل واستقرت في جوف الهوة السحيقة للأبد …
*****
(*) واحدة من تسع عشر قصة رهن الطبع في مجموعة “بحيرة الرب”.
قصة رائعة ومعبرة يا حسيبة ، شاعرة واديبة الجزائر ..اتمنى لك التوفيق في حياتك الادبية والثقافية..