ثلاثون روائياً عربياً يناقشون ازدهار الرواية على وقع الثورات
رغم أن الرواية أصعب أنواع الفنون إلا انها تشهد ازدهارا في السنوات الأخيرة وباتت محور ملتقيات في أنحاء العالم العربي من بينها ملتقى الرواية العربية في دمشق، وملتقى الرواية العربية في مصر، وملتقى القاهرة الدولي السادس للرواية العربية الذي عقد في مارس الماضي، وأخيراً “الملتقى الأول للرواية العربية” (29 أبريل و2 مايو 2016) في بيروت الذي تنظمه “الجمعية اللبنانية للفنون التشكيلية” (أشكال ألوان).
يهدف “الملتقى الأول للرواية العربية” في بيروت إلى مقاربة التحوّلات المعاصرة في اللغة العربية وآدابها وفنونها السردية ووظائفها التعبيرية والتواصلية، في ظل انتشار مواقع التواصل الاجتماعي وما يسمى بـ “تلاقح الحضارات”…
يشارك في الملتقى أكثر من ثلاثين روائياً لبنانياً وعربياً ومترجماً أجنبياً من بينهم: إلياس فركوح، علي بدر، محمد الشحات، إلياس خوري، أحمد محسن، إنعام كجه جي، أحمد السعداوي، محمود الورداني، حسن داود، أحمد ناجي، شكري المبخوت، مها حسن، محمد أبي سمرا، وضاح شرارة، إليزابيتا بِرتولّي، صموئيل شمعون، منى برنس، جبّور الدويهي، جمال جبران، خالد المعالي، فاطمة البودي، طالب الرفاعي، مايا أبو الحيّات، هلال شومان، وجدي الأهدل، سحر مندور، ليانة بدر، ميرال الطحاوي، رشيد الضعيف، بشير مفتي، كمال الرياحي، نجوى بركات، إيمان حميدان.
للرواية تأثير كبير في المجتمع كونها تتمحور حول مواقف وتجارب البشرية في زمان ومكان معينين، وتعطي عبرة ونصيحة أو قصة ودرس في القضايا المختلة سواء عاطفية أو تاريخية أو سياسية أو اجتماعية أو نفسية… إنطلاقا من هذا المفهوم يعالج الملتقى شؤون الرواية العربية وشجونها، لا سيما أسباب ازدهارها كمّاً ونوعاً ومقروئية، وقدرتها على أن تكون التعبير الثقافي الأول عن التحوّلات الاجتماعية والسياسية والثقافية، وقاطرة تطوّر اللغة المكتوبة (غلبة النثر على الشعر).
من اهم محاور البحث في الملتقى إمكانية تعيين سمات خاصة للرواية العربية أم أن لكل إقليم أو بلد لغته وسماته و”خطّه” الروائي، ومدى التطوّر الذي يمكن ملاحظته في تقنيات السرد في الرواية العربية.
اللافت أن الروائيين العرب ازداد عددهم بشكل كبير، ولا يتوقف إنتاج الروايات على مدار السنة، في البلدان العربية من دون استثناء، وهي اليوم واجهة الثقافة العربية، وكتّابها هم الأبرز مكانة وحضوراً. وباتت طباعة الروايات ونشرها وتوزيعها العمل الأول لدور النشر، التي تتنافس على جذب الروائيين واكتشاف الجدد منهم. وقد رافق ازدهار فن الرواية توسع ملحوظ في سوق الكتاب العربي، وازدياد عدد الطبعات، وتطور تقنيات الطباعة، والعناية الفنية بالأغلفة والورق.
ربما تشكل الأوضاع التي تمر بها المنطقة العربية مادة دسمة ينهل منها الروائيون أفكارهم، في وقت قلت فيه نسبة الإقبال على الأنواع الكتابية الأخرى على غرار الشعر وغيره… هنا يبرز محور جديد للبحث في الملتقى هو دور الثورات والحروب والاضطرابات السياسية في إعادة الاعتبار إلى الرواية الواقعية والطابع التسجيلي للسرد، وإعادة الاعتبار إلى الخطاب السياسي في الرواية، فضلا عن خصوصية أدب البوح والسيرة والشهادة الشخصية والتوثيق التاريخي في الرواية السورية والعراقية، وهل صحيح أن الرواية العربية هي أولاً سيرة ذاتية ومذكرات واعترافات شخصية، وهل تجاوزت السجال القديم حول الثالوث المحرم (جنس، دين، سياسة)؟
في السنوات الأخيرة، برز دور الجوائز المخصصة للرواية العربية، في صنع “نجومية” كتّابها، وفي التأثير على إنتاجها، تسويقها وانتشارها، كما على ذائقة القراء وميولهم. ومع هيمنة فن الرواية الواضح، جنح كتاب القصة والشعراء نحو تأليف الروايات، بوصفها النوع الأدبي المرغوب والمقروء، بما يعاكس تاريخ الأدب العربي الذي كانت الصدارة فيه للشعر.
يترافق مع هذا الازدهار حركة ترجمة واسعة وحثيثة للروايات العربية إلى اللغات الأجنبية الحية. في هذا السياق يعالج الملتقى ازدهار الترجمة، من العربية وإليها، وتأثيرها على الإنتاج الروائي، وإلى من يتوجّه الروائي ومن هو قارئه الافتراضي، فضلا عن نظرة القارئ الأجنبي للرواية العربية ودوافع قراءتها، وإقبال الدور الأجنبية على إصدار الروايات العربية المترجمة.
كذلك يناقش الملتقى في أحد محاوره اعتبار الرواية العربية أساس الصناعة الثقافية (مؤسسات وسوق ووظائف)، ودورها في اتساع النشر والطباعة والتوزيع، ومدى فاعلية الجوائز، سلباً وإيجاباً، على الإنتاج الروائي (تجارب وشهادات)، وتقييم تجربة “محترفات” الرواية وورشها، في تطوير الكتّاب الجدد.
أما المحور الأخير من الملتقى فيناقش فكرة ان الرواية العربية قائمة أساساً على نقد المجتمع، التمرّد على الأهل وعلى التقليد وعلى السلطة، ويطرح الأسئلة التالية: هل الرواية هي تحديداً خطاب أخلاقي مضاد؟ هل هي انتصار لخيار الفرد وحريته؟ هل هي حصراً بنت المدينة، ووعي الطبقة الوسطى وأحوالها؟ ما الذي تغيّر هنا ما بعد مثال نجيب محفوظ؟
نبذة
الجمعية اللبنانية للفنون التشكيلية “أشكال ألوان” جمعيّة غير ربحيّة مقرّها في بيروت. منذ تأسيسها في العام 1994، تعنى بشؤون البحث والإنتاج والترويج في الممارسات الفنية والفكرية المعاصرة. تشمل برامج الجمعية “أشغالا داخلية” (منتدى عن الممارسات الثقافية)، مشروعات قيّمية تقام في لبنان وخارجه، منشورات أدبية وفنّية وبرامج لإقامة الفنانين، إلى جانب برنامج «أشغال ڤيديو» لإنتاج عروض الڤيديو. نجحت الجمعية، عبر هذه المبادرات الفنية وغيرها، في ترسيخ دور فاعل ومرجعي في سياق المشهد الثقافي في المنطقة وخارجها. في 2011، أطلقت المؤسسة فضاءً جديداً متعدد الوسائط ومساحته ألفي م٢، هدفه تأمين مركز للتعليم والإنتاج الفنّي في المنطقة العربية.
******
(*) جريدة الجريدة