جاري الصياد… والعصافير

houda eid

هدى عيد

(روائية وشاعرة- لبنان)

منذ مدة تقيمُ العصافير في حديقة منزلي …

تزرعُ هذه المخلوقات الناعمة فرحاً لذيذاً في قلبي، وأنا أرقبها تدرجُ على أغصان أشجار الصنوبر وسواها من الأشجار، وتتنقّل بحرية  بينها وبين شتلات الورد الجوري، فتتراقص أذنابها وهي تطلقُ زقزقاتٍ ناعمة خفيضة، وقد تتغازل فيما بينها وتلاعبُ بعضها بعضاً فتعلو إحداها لتلحق بها الأخرى، ويحدث أن يحطّ أحدها فجأةً على التراب ، فإذا بخدينه يسرع إلى الوقوف متباهياً إلى جواره، وأحياناً يعنّ على بالها أن تكوّن جوقةً متجانسةً، تروح تطلق أنغاماً متآلفة لا أروع ولا أحلى، يملأ الصفاء صدري حينها، وأشعر أنّ في الدنيا فسحةً من جمال، وأنّ الحياةَ لازالت في هذا المكان ممكنة.

لكنّ جاراً لنا ، جاراً بالجغرافيا لا بشيءٍ آخرَ،  يتخذ من آفة الصيد العشوائيّ هوايةً، تبنّه فجأةً إلى الضيوف العِذاب في حديقتي، فأزعجه أنّ بندقيته لا تستطيعُ نوالها، وبما أنه يقدّس الجيرة ويدعي احترامها ! فقد عنَّ على باله اجتذابها إلى حديقته هو، فوضع آلة تنبعث منها أضواء مشعّةٌ في الليل، وتصدر عنها أصوات عصافير متلاحقة.

houda eid 3

تمكنت أصواتُ الآلة ونورها من اجتذاب عصافيري الصغيرة ، ومن حملها على زيارة حديقته يوماً، فكان الموت نصيبَ بعضها، بينما أفلت بعضها الآخر من فخه، الأمر الذي أزعجه، وأفقده القليل من الثقة بذكائه، فإذا به لا يكتفي بإشعال آلته الشريرة صباحاً، بل صار يستمتع بتصدير إزعاجه منذ فترة العصر حتى منتصف الليل ، مفسداً هدوء الحيّ بأسره ، ومخالفاً كل قوانين الطبيعة: قديمها وحديثها.

ويبدو أن عصافير حديقتي قد تنبهت بغريزتها إلى مؤامرته وإلى سوء نيته حيالها ، فابتعدت عن سور حديقته ، وراحت تكتفي باللعب في أنحاء مكانها الأول، وعدت أستمتع بمرآها لكن الخوف ما عاد يفارقني حيال مصيرها .


houda eid 5
houda eid 4

ولم أفهم حتى الآن سرَّ هذه الهوايات البغيضة التي تستمتع بالقتل المجاني، وكيف يمكن لإنسان طويل عريض ، أن يحقق سعادته بقتل بعض هذه المخلوقات الجميلة البريئة دون أن يرتج بدنه من سوء ما فعلت يداه.

وبما أن الرجل قد نظر إليَّ ممتعضاً حين طلبت منه الكفّ عن استخدام آلته تلك على الأقل في منتصف الليل لأن في ذلك إقلاقاً للراحة العامة، لأني لم أجرؤ طبعاً أن أحدثه عن أهمية العصافير في حياة الطبيعة وفي حياتنا – فقد صرتُ أصلي كل يوم لعصافيري عسى أن يزداد ذكاؤها ، وتتضاعف حدّة ابصارها، فتكتفي بأغصان أشجاري وورودي وتبتعد عن حديقة ذاك الرجل الصياد، وعن مرمى خرطوش صيده فتنعم وننعم بتغريدها وبمرآها…

vector 5

اترك رد