صدر عن “دار نوفل – هاشيت أنطوان العربية للنشر” موسوعة من ثمانية مجلدات، للدكتور جبران مسعود، عنوانها “الأدب العربي فنونه وعصوره وأشهر أعلامه”.
تؤرخ الموسوعة لفنون الأدب العربي، وأشهر أعلامه في العصر الجاهلي وصدر الإسلام والعصر الأموي والعصر العباسي والعصر الأندلسي، وتدرس خواص الأدب في تلك العصور. تضم المجموعة نماذج أدبية لشعراء وأدباء مع شرح للنصوص وتحليلاتها. كذلك يحتوي أحد المجلدات ملحقاً يدرس حركة التصوف الإِسلامي وأَشهر الصوفية المسلمين، وثانياً عن الشعراء الصعاليك، وثالثاً عن شعراء المروءة والوفاء، وآخر عن طائفة من مؤرخي الأدب، وخامساً عن فريق من أصحاب اللغة. صُدّر الكتاب بمدخل يضمّ أبحاثا في الشعر والنثر والأدب وتاريخ الأدب والبيان والعروض.
«الأدب العربي فنونه وعصوره وأشهر أعلامه} موسوعة كرّس المؤلف جبران مسعود سبع سنوات لإنجازها، لتكون مرجعاً لطلاب الأدب ومدرّسيه ودليلاً للباحثين، وفيه لكل مثقّف تذكرة تراثية حين يضمّها إلى خزانة كتبه، لكل قارئ.
يصدّر جبران مسعود الكتاب بمدخل يدرس فيه خواص الأدب وتاريخه، والشعر والنثر، وجوانب من علم البيان مزيّنة بالأمثلة، مبيّناً عبقريّة اللغة العربية في الفصاحة والبلاغة وفي ضروب المحسّنات اللفظية والمعنويّة، ويضمنّ المدخل فصلا عن العروض بأبحره وجوازاتها.
كذلك يدرس بإسهاب فنون الأدب العربي منذ نشأته وعلى مدى تاريخه، ويتوقف عند كل فن من الفنون في كل عصر من العصور، ويذكر الشعراء والكتّاب الذين أبدعوا في هذا الفن أو ذاك.
من ثم ينتقل إلى دراسة الأعلام انطلاقاً من المخطط التالي:
– عرض كل أديب واحوال عصره وبيئته ومدى تأثيرهما في حياته وفي أدبه.
– درس بالتفصيل حياة الذين يترجم لهم، في اقامتهم وفي ترحالهم واصفاً أخلاقهم ومعدداً صفاتهم، ومثبتاً تفاعلهم مع أحداث عصرهم وأحوال بيئتهم وما نتج من هذا التفاعل من أثر أدبيّ جاءت به قرائحهم.
– لم يكتفِ بسرد الوقائع بل أمعن فيها تحقيقاً ونقداً وتوضيحاً؛ وحلل الشواهد من تراث الأعلام ورصد مواقع الفصاحة والبلاغة والجمال فيها. كذلك شرح مفرداتها في الحواشي شرحاً واسعاً فباتت الحواشي بما حمّلها من معانٍ لغوية، وإيضاحات صرفيّة ونحويّة، وإشارات بديعية بيانية توأماً للمتن في أداء المراد.
– كلل البحث بحيّز أدبي رحب حمّله مختارات من نتائج الأدب تمثّل الأبواب التي طرقها والموضوعات التي عالجها، شارحاً النص شرحاً مستفيضاً، ملحقاً النص المشروح بتحليل عميق يجعله لوحة أدبية فنيّة.
«بخلاء» الجاحظ
في ما يلي مقتطف من تحليل كتاب لـ «البخلاء» للجاحظ.
الجوّ العام
أنت هنا مع «الجاحظ» في طائفة من قصص البخل والبخلا، ومن أحابيل أهل الدراية والحُنكة في الادّخار والتوفير. ثم أنت في هذا المعرض الإنساني الدائم، بين هزل يشدّك إلى القصص الأدبي المسلّي، وجدّ يحملك إلى أغوار النفس البشريّة وما انطوت عليه من مشاعر وطبائع، حتى لكأن الكتاب يسعى بين يديك بعوالمه الثلاثة التي أرادها له «الجاحظ»: «تبيّن حجّة طريفة، أو تعرّف حيلة لطيفة، أو استفادة نادرة عجيبة».
البخل والبخلاء
أ- بين البخل والتوفير في كتاب {البخلاء} حدّ واهٍ يصعب معه أحياناً الفصل ما بين الحالتين، وتوضيح معالم كلّ منهما في أطر ثابتة يقينيّة. ومردّ هذه الصعوبة إلى أن {الجاحظ} يسكت أحياناً عن ذمّ البخل، فلا تلميح إليه ولا تصريح بل أحدوثة يسردها، أو حجّة يُبديها، تقف بإزائها عاجزَ الإدراك حائر الحكم، أهي عنده بخل أم هي توفير؟ أهي عنده محمودة، أم هي مذمومة؟ ولكنّه، مع تحفّظه، لا يتمالك أحياناً أن يقرّ بأن ما يدور عليه الكلام هو البخل عينه، كما في قوله: {يعني أن البخل طُبع فيهم وفي أعراقهم وطينتهم}.
ب- الطريف في أمر البخلاء أن لهم قصصاً تطول: ففي كل نادرة من نوادرهم قصّة وفي كل حيلة من حيلهم قصة، بل وفي كلّ لفتة من لفتات منطقهم قصّة.
. فهذه، مثلاً، ديكة مرو تسلب الدجاج ما في مناقيرها من الحَبِّ، على غير عادة الدِّيك في شهامة الرجولة وعنفوان العطاء المُدِلِّ! وهذا طفل من أطفال مرو يمنع سائله كلّ ما يسأل: فإذا سأله ماء قال هو مالح، ولا يُذكَر من الأصناف واحدٌ إلا أوجد له علّة ضنًا به أن يُبذل للضيف!
- وهذا بخيل غني يسأله أخوه الفقير بعض ما يكفيه مؤؤنة عائلته، فيبخل به عليه، ولا يمنحه إلا كرماً من اللسان قائلا: {والله لو ملكت ألف ألف درهم لوهبت لك منها خمسمائة ألف!}
ج- وليس البخل قصصاً تُروى فحسب بل هو، إلى ذلك، فلسفة قائمة بالبرهان والتجربة والحجّة.
. فلو عدتَ إلى القطعة {السراج والفتيلة والإبرة} لوجدتَ أن البخل واسع الفطنة، عميق الإكباب على ما من شأنه توفير قِرشه: فهو ينهج سياسة التجربة والخطإ التي تعتمد العلم والمنطق في الإفادة من التجارب والأخطاء لتحقيق الأفضل والأكمل.
- لو عدتَ إلى القطعة {فلسفة البخل} لوجدت جدلاً ومحاجّة منطقيين قلَّ أن تجد لهما نظيراً في الآداب التي لم تتلقّح بلقاح العلم والفلسفة.
وتجدر الإشارة إلى أن {الجاحظ} من المعتزلة، والمعتزلة طليعة من طلائع النظر العقلي في الفرق الإسلاميّة الكلاميّة، فحريّ بأدبه إذاً أن ينضح بأساليب الجدليين المناطيق. ولا مندوحة لك، حتى لو كنتَ شديد الإعراض عن البخل، عن أن تُقرّ بأن تفكيره منطقي، وأن المداورات التي يلجأ إليها في مناقشته قائمة بالعقل والرأي السّديد؛ حتى لتتساءل بشيء من التشكيك: أوليس {الجاحظ} هو الذي يسوّق هذه الفلسفة دفاعاً عن البخل، أو عما رُمي هو به من بخل، أو، على الأقلّ، عما يُدخله هو في باب التثمير والتوفير؟
د. جبران مسعود
من مواليد بيروت عام 1930. حائزٌ شهادة {بكالوريوس علوم» (B.A.) في الأدب العربيّ والتَّاريخ – 1950 (بتفوّق)، وشهادة {أستاذ في العلوم» (M.A.) في الأدب العربيّ – 1953، من الجامعة الأميركيّة في بيروت.
شغل عدّة مناصب خلال مسيرته المهنيَّة، أبرزها: أستاذ الأدب العربيّ والفلسفة الإسلاميّة والتاريخ والجغرافيا في {الإنترناشونال كولدج} ببيروت، ومدير الدروس العربيَّة في القسم الفرنسيّ فيها، وأستاذ الفلسفة الإسلاميّة في صفّ الفرشمن في الجامعة الأميركيّة ببيروت وقد حاضر فيها في الدورات التأهيليّة للأساتذة العرب.
تنوّعت نشاطاته بين أدبيَّة ومهنيَّة، فحاضر في الأندية الأدبيَّة، ومنها دورة تأهيل الأساتذة المغاربة في الرباط، المغرب، ودُعي إلى مقابلات ومناظرات في الإذاعات المحلّيَّة والعالميَّة.
نُشرت له مقالات وأبحاث في الصحف اللبنانية. أمّا مؤلَّفاته فتشمل عدداً من الكتب في القصّة والرواية، منها {الرَّماد الأحمر}، و}جدَّتي}، و}أنين الغضب}، وطائفةً من الدراسات الأدبيَّة والتَّاريخيَّة واللُّغويَّة في طليعتها {المحيط في أدب البكالوريا}، و}مناهج القراءة والأدب}، و}العربيَّة الفصحى شعلة لا تنطفئ}، و}لبنان والنَّهضة العربيَّة الحديثة}، ومعجمه {الرَّائد} وهو أوّل معجم أبجديّ عربيّ.
نال جوائز وأوسمة تقديراً لجهوده في مجال التعليم والأدب، منها جائزة {أصدقاء الكتاب} 1964-1965 عن أفضل كتاب لبنانيّ (معجمه الرّائد)، ووسام الأرز الوطنيّ.