خطوة أولى على طريق كمال يوسف الحاج في “إرساء فكر فلسفيّ لبنانيّ”
كلود أبو شقرا
استضاف معهد الرسل في جونيه في الثاني من إبريل الحالي مباراة “نحن والفلسفة” لنيل “جائزة كمال يوسف الحاج في الإبداع الفكري” في دورتها الأولى. شارك فيها طلاب من مدارس لبنان في المحافظات الخمس، وتضمنت وضع دراسة إنشائية تنجز خلال أربع ساعات. أيضاً انطلقت المباراة المفتوحة “فلسفة اللغة عند كمال يوسف الحاج”، تتمحور حول دراسة بحثية تعدّ خلال ثلاثة اشهر مخصصة لطلاب الجامعات والباحثين، ما دون الثلاثين عاماً.
تكافأ المباراتان بجوائز مالية قيمة، مع ميدالية تقديرية، فضلا عن تقديم نسخة من مجموعة مؤلفات كمال يوسف الحاج الكاملة لكل من المكافأين.
تهدف الجائزة إلى تحفيز الإبداع الفكري في أوساط الشبيبة المثقفة إسهاما في تنشئة فلاسفة لبنان الغد وإغزار مفكريه، وتنطلق من مقولة للفيلسوف كمال يوسف الحاج (1917- 1976) مفادها “أن الشعب المتفلسف له وحده حق الصدارة في مجالس الأمم الراقية. وحده تُسمع كلمته عبر التاريخ، وحده يقيم رتبة في مساحب الزمان، فيقود ولا يقاد”. ربطت الجائزة باسمه لما كان له من إسهام حاسم في الدفع بمسار الإبداع الفكري قدما، إن عبر كتاباته او عبر مسيرته الأكاديمية.
يؤمن المنظمون بأن الفكر الفلسفي هو من يصنع حضارة الشعوب وأن المقاومة الفكرية هي الأصل، وأن الخلاص بالثقافة وصنع السلام المؤسس على الحقيقة والعدالة والمحبة والحرية لا يستقيمان إلا بإكبار الكلمة المبدعة، وأن الشعوب تتألق بأقلام فلاسفتها ومفكريها.
حول الجائزة وأهدافها على المديين القريب والبعيد، والفيلسوف كمال يوسف الحاج ودوره في تنشئة أجيال تقدّر الفلسفة، وبيت الفكر- أسسية كمال يوسف الحاج… كان الحوار التالي مع مع أنطوان فرحات مكرزل (ماجستير في الفلسفة)، مقرر مجلس أمناء “بيت الفكر- أَسَسيّة كمال يوسف الحاج”، وعضو هيئة التنظيم الإداري لـ “جائزة كمال يوسف الحاج في الإبداع الفكري”.
لماذا اسم “بيت الفكر- أَسَسيّة كمال يوسف الحاج”؟
أُنشئ “بيت الفكر- أَسَسيّة كمال يوسف الحاج” في العام 2014 بموجب ميثاق خاصّ جمع عدّة أطراف مرموقة أبدت حرصًا على العناية بالثراث الفكريّ اللبنانيّ في مجمل تعبيراته، وحفظه للأجيال الآتية، وتعزيز الإبداع الفلسفيّ في لبنان الغد. تنصبّ اهتمامات بيت الفكر، إذًا، على شؤون فكريّة بحتة. والعمل الأوّل الذي أنجزه، على هذا الصعيد، هو إصدار المجموعة الكاملة لمؤلّفات الفيلسوف اللبنانيّ كمال يوسف الحاج في أربعة عشر مجلّدًا، مع مجلّد تقديميّ تناول سيرة الحاج، ومقدّمات، والمنهجيّة التي اعتُمدت في الإصدار(صدرت المجموعة في آذار 2014). وسيعنى بيت الفكر، في مراحل لاحقة، بإصدار الأعمال الكاملة لعدد من كبار المفكّرين اللبنانيّين. وثمّة أهداف أخرى نصّ عليها ميثاقه، منها تخصيص منح جامعيّة سنويّة على اسم الحاج تُقدّم للطلّاب الواعدين، ورعاية “جائزة كمال يوسف الحاج في الإبداع الفكري”، وهي جائزة سنويّة ستنطلق دورتها الأولى في الثاني من نيسان 2016، فضلًا عن نشاطات أخرى منصوص عليها بالتفصيل في طيّات الميثاق. وتسمية”بيت الفكر”مستوحاة جزئيًّا من سابقة “بيت الحكمة”،المؤسّسة الّتي أطلقها الخليفة العبّاسي عبدالله المأمون وأرسى بها معالم أوسع نهضة ثقافيّة في التاريخ العربيّ القديم. وسيكون طموح بيت الفكر،على هذا الغرار،استنهاض حركة فكريّة وفلسفيّة رائدة في لبنان وديارالضاد إبرازًا للقيم الإنسانيّة الجوهريّة، وإفصاحًا عن رسالة لبنان الباقية في دنيا الكلمة، واسترجاعًا لتاريخه الفلسفيّ العريق قديمًا وحديثًا، وإغناءً للمكتبة الثقافيّة العالميّة بتراث رفيع من البيان الفلسفيّ الناطق بالعربيّة انطلاقًا من لبنان. أمّا لماذا “أَسَسيّة“وليس “مؤسّسة”، كما هي العادة، فمن أجل التمييز بين نوعين من الجمعيّات، تبعًا لاهتماماتها. فهناك، كما هو معروف، تلك المتّسمة بمعنى شكليّ عامّ، وهي تُميَّز في لغات أخرى بتسمية Institution، وتلك التي تحمل طابعًا معنويًّا هادفًا، ولها تُخصَّص كلمةFoundation . ولمّا كان بيت الفكر من نوع المؤسّسات الثانية، وحيث إنّ ثمّة عدم تمييز بين المعنيين في المتداوَل العربيّ المعهود، إذ يقال “مؤسّسة” في الحالتين، وضع نجل الفيلسوف الحاج، الدكتور يوسف كمال الحاج، هذاالمصطلح الجديد، “الأسَسيّة”، انطلاقًا من لفظة “الأَسَسْ”، وهي لفظة فصيحة واردة في “لسان العرب” وتعني الأساس والقاعدة.
الناشئة والفلسفة
تتوجّه “جائزة كمال يوسف الحاج في الإبداع الفكريّ”حصرًا إلى جيل الناشئة، أتلامذة كانوا في المدارس أم طلّابًا في الجامعات. ما الهدف من هذا التوجّه، وإلى أيّ مدى نجد لدى ناشئة اليوم استعدادًا للاقتراب من عالَم الفيلسوف الصعب والشائك؟
الجائزة تتوجّه إلى الناشئة بالفعل، وليس إلى الباحثين المتمرّسين. والمُراد من هذا التوجّه المخصوص هو تحفيز الأدمغة الفتيّة، المتوثّبة، على بلورة خياراتها حول الفكر والوجود منذ بدايات العمر الخلّاق، وتظهيرها، وتوضيحها، وتعميرها بصورة إيجابيّة. بذلك نربح للمستقبل نواة نشطة من المبدعين، الناشئين، من أصحاب القدرات البحثيّة والعقليّة الفذّة التي يؤمل، مستقبلًا، وضعها في خدمة مقاربة شموليّة فلسفيّة واعية لكلّ المعضلات الوجوديّة والكيانيّة على المستويين الشخصيّ والمجتمعيّ. ولا بأس إن أشرت هنا إلى أنّ الفيلسوف الحاج كان يعوّل كثيرًا على الشبيبة المثقّفة، ويرى فيهم خميرة المستقبل، والرهان الناجح الذي تُعقد عليه أكبر الآمال.
أمّا بالنسبة إلى الشقّ الثاني من السؤال، فلا ريب لديّ إطلاقًا في الاستعدادات الطيّبة المتوافرة لدى جيل الناشئة، إن في إمكانيّة اقترابهم من عالم الفيلسوف، أو حتّى في تمكّنهم من ولوج عالم الفلسفة بشكل عامّ. ولست أوافقكِ الرأي بأنّ عالم الفيلسوف، أو عالم الفلسفة، صعب وشائك. إنّه، على العكس تمامًا، شائق ومغرٍ، والدروب المؤدّية إليه مفروشة بالرياحين والورود، شرط أن يصحّ العزم وتصفو النوايا. النيّة الطيّبة متوافرة لدى شبيبتنا، ولديهم أيضًا قدرات وافية تستطيع أن تذلّل جميع الصعاب في سبيل الوصول إلى غاياتهم النبيلة. وهم يجهدون في تلمّس السبُل الصحيحة التي تُخرِجهم ممّا هم عليه من ضياع وتلبّد في الرؤيا. كلّ ما يحتاجونه هو من يساعدهم في إزاحة بعض العقبات من أمامهم عبر تقديم نموذج يمكن أن يكون مرتكزًا ينطلقون منه لتحقيق مرتجياتهم. هذا ليس إفراطًا في التفاؤل من قِبَلي، بل يرتكز إلى معطيات موضوعيّة مستمدّة من واقعهم. فكثيرًا ما كنت، بحكم مساري المهنيّ الطويل، على تماسّ مباشر مع الشبيبة، إن في المدارس أو في الجامعات. وأرى شخصيًّا أنّ الأمل الوحيد لإيقاف التدهور والانحدار اللذين نعاني منهما اليوم هو عقول الشبّان المتأجّجة عندما يسعون، جاهدين، لحسم خياراتهم المستقبليّة ويندفعون، على نحو فلسفيّ واعٍ، في سبيل تحقيقها بكلّ ما أوتوا من عزيمة.
هل يستطيع هذا التوجّه أن يضع الطلّاب على السكّة الصحيحة بحثًا عن أجوبة صحيحة حول أسئلتهم في الوجود والحياة، وحتّى السياسة، وسط هذه الفوضى المستشرية في القيم والمفاهيم؟
لقد أجبت، في ما سبق، عن جزء كبير من هذا السؤال. وإنّي لعلى يقين راسخ من أنّ تقديم تجربة فلسفيّة نموذجيّة رائدة، كالتجربة التي عايشها الفيلسوف الحاج ووثّقتها لنا، بأبهى حلّة، في مجموعة مؤلّفاته الفلسفيّة الكاملة، تعينهم كثيرًا على تجاوز الفوضى المحيقة بهم، وتكشح عن دروبهم زيف الخداع والتعمية والتضليل.المهمّة الأولى للفلسفة هي إجلاء المفاهيم وتحديدها تحديدًا عقلانيًّا دقيقًا وصارمًا، وترسيخ القيم السامية، والدفاع عنها دفاعًا لا هوادة فيه. هذا ما فعله سقراط، مثلًا، عندما تصدّى للسفسطائيّين في مجتمعه الإثينيّ، فأقام ذاك البناء الركين، الراسخ أبد الدهر، لأجل ثبات المفاهيم ودقّتها، وحرمة القيم ورسوخها.
تقولون إنّ “جائزة كمال يوسف الحاج في الإبداع الفكريّ” ذات محورين: مباراة تلامذة المدارس والمباراة المفتوحة. وموضوع مباراة تلامذة المدارس لهذه السنة هو “نحن والفلسفة”. ما دور الفلسفة، اليوم، في خضمّ عالم لاهث وراء تكنولوجيا توفّر له كلّ شيء، بل ربّما تفكّر عنه؟
للفلسفة دور محوريّ ورائد في مجابهة ما يعانيه الإنسان من أزمات تتناول كيانه ومصيره. ولطالما أدّت الفلسفة هذا الدور في جميع الحقب والعصور، ابتداءً من الإغريق ووصولًا إلى زماننا الراهن. نعم، لطالما وقف الفلاسفة في طليعة المتصدّين للمعضلات التي تعاني منها مجتمعاتهم. سقراط، مثلًا، تصدّى لما كان مجتمعه يعاني من أزمات على الصعيدين المعرفيّ والأخلاقيّ. وكذلك فعل أفلاطون، من بعده، حين أقام بناءه الفلسفيّ ترسيخًا للعدالة في المجتمع الأثينيّ. أضف إلى ذلك ما فعله فلاسفة عصر التنوير في فرنسا. وهذا ما فعله كمال يوسف الحاج أيضًا في فلسفته الالتزاميّة، مستخدمًا الطرائق الفلسفيّة بغية استجلاء الحلول الناجعة لمشاكل مجتمعه. ستبقى الفلسفة دومًا أمينة لهذا الدور، وخشبةَ خلاصٍ مرجوّة في خضمّ ما يحيق بالإنسان، وبالمجتمعات الإنسانيّة، من أزمات على مستويات مصيريّة عديدة. صحيح أنّ الفلسفة كانت تنكفئ عن هذا الدور في مراحل تاريخيّة معيّنة، لكنّها سرعان ما كانت تستعيده. فبعد أن نعى كارل ماركس الفلسفة في كتابه “بؤس الفلسفة”، عادت تستحرّ من جديد استحرارًا لا مثيل له. دليلنا على ذلك الفلسفات التي نشأت في القرن العشرين، من وجوديّة وشخصانيّة وبنيانيّة ومظهريّة، وغيرها الكثير من المذاهب الفلسفيّة.
صحيح أنّ التكنولوجيا سادت عصرنا الراهن، وأنّ عالمنا يسعى وراءها لاهثًا. لكنّ هذا الأمر بالذات سيزيد من الحاجة الملحّة إلى الفلسفة. لقد حقّق الإنسان، بالتكنولوجيا، إنجازات تكاد لا تُصدّق، لكنّ هذه الإنجازات لم تملأ الفراغ الذي يعانيه اليوم، على مستويات كثيرة، كما لم يعانه أبدًا من قبل. لقد وفّرت التكنولوجيا خيورًا كثيرة جدًّا، لكن على مستوى واحد هو المستوى المادّيّ القريب. أعطت الإنسان باليد الواحدة، ولو بسخاء، لتعود فتنتزع منه، باليد الأخرى وبقسوة مفرطة، ما يفوق ذلك بكثير. من هنا منشأ القلق الأنطولوجيّ الشامل الذي يسود أربعة أقطار الأرض. وعالمنا، اليوم، غارق في مشاكل مستعصية لا نجد مثيلًا لها في أيّ من مراحل التاريخ السابقة. أختتم بملاحظة اعتراضيّة صغيرة. لقد وفّرت التكنولوجيا أشياء هامّة، لكنّها لم تستطع، ولن تستطيع، أن تفكّر عن الإنسان. التكنولوجيا غير مفكّرة، ومن هنا منشأ المعضلة. الإنسان وحده هو المفكّر، ولن ينوب عنه أحد في هذا الميدان.هذا ما توخّت لجنة تحكيم “مباراة تلامذة المدارس” توجيه أنظار المتبارين إليه عندما اختارت “نحن والفلسفة” موضوعًا للدورة الأولى للجائزة.
فلسفة اللغة
موضوع “المباراة المفتوحة”، المتوجّهة إلى طلّاب الجامعات وكلّ راغب حرّ من عمر الثلاثين فما دون،هو “فلسفة اللغة عند كمال يوسف الحاج”. لماذا اختيار هذه القضيّة بالذات؟ ما أهمّيّة اللغة في فلسفة الحاج، هوالمعروف بدفاعه الفلسفيّ المتألّق عن اللغة العربيّة؟
في رأيي أنّ لجنة تحكيم المباراة المفتوحة، إذ تعمّدت اختيار “فلسفة اللغة عند كمال يوسف الحاج ” موضوعًا لدورتها الأولى (2016)، إنّما فعلت ذلك بالنظر إلى أهمّيّة الموضوع وركنيّته في صرح الحاج القلميّ. ففلسفة اللغة تشكّل الفكرة المحوريّة الأمّ في نظامه الفلسفيّ. اللغة، عنده، غاية لا واسطة. واستطرادًا، لا يمكن للإنسان أن يبدع إبداعًا عبقريًّا إلّا في لغة واحدة هي لغته الأم. لقد انطلق الحاج من اللغة وعاد إليها. هي ألف بداية مسيرته الفلسفيّة وياء نهايتها. قال بنفسه إنّه انطلق “من اللغة كناسوت” وانتهى إلى “اللغة كلاهوت”. من فلسفة اللغة انطلق، وإلى دين اللغة انتهى. لنعد إلى بدايات مساره الفلسفيّ. بعد أن صاغ نظريّته الفلسفيّة في اللغة الأمّ، وهي أولى نظريّاته الكبرى، اندفع يذود عن اللسان العربيّ. وذوده الفلسفيّ عن العربيّة هو من أقوى ما سيق في هذا الباب، ومن أكثره ابتكارًا وأصالة. لذا استحقّ، عن جدارة، لقب “فيلسوف اللغة العربيّة”. سبّاقًا كان الحاج في خوض معترك الدفاع الفلسفيّ عن اللسان العربيّ، تطبيقيًّا، بعد استكمال عمارته الفلسفيّة النظريّة حول اللغة- الأمّ (للتذكير: هذه اللفظة العربيّة الأخيرة هي من وضعه هو). كان ذلك في نهاية الأربعينيّات وبداية الخمسينيّات من القرن الماضي. ولقد أثارت نظريّاته، في البداية، استهجانًا ورفضًا غير مألوفَين، لكنّها لاقت الاستحسان والقبول في ما بعد. ولا بأس إن ذكرْتُ، ههنا، أنّ الأمم المتّحدة أعلنت، منذ العام 2012، تخصيص يوم عالميّ للغة-الأمّ، داعية الدول والهيئات الأكاديميّة والثقافيّة إلى الاحتفال به في شهر آذار. لقد جرى ذلك بعد مرور ستّين سنة، تقريبًا، على صدور كتاب الحاج الشهير، “في فلسفة اللغة”، عام 1956.
آمن كمال يوسف الحاج بأنّ الشعب المتفلسِف له وحده حقّ الصدارة في مجالس الأمم الراقية. هل تهدف الجائزة إلى إعادة بناء هذا الشعب انطلاقًا من شبيبته بالذات ؟
لقد آمن كمال يوسف الحاج، بالفعل، أنّ “الشعب المتفلسِف له وحده حقّ الصدارة في مجالس الأمم الراقية. وحده تُسمَع كلمته عبر التاريخ. وحده يقيم رجّة في مساحب الزمن. فيقود ولا يُقاد”. لذلك أنزل الفلسفة إلى الساح، وأوقف جهده الفلسفيّ، بأكمله، من أجل أن يتاح لشعبه تصدُّرَ “مجالس الأمم الراقية”، وإسماع “كلمته عبر التاريخ”، واستعادة حقّ الريادة والقيادة. وما تهدف إليه الجائزة، في ضوء هذا الهدف السامي، هو تحفيز الشبّان والشابّات على اللجوء إلى الفلسفة، واستخدام الطرائق الفلسفيّة المعهودة في مجابهة ما يعترضهم من معضلات، فتتكوّن بين ظهرانَيْهم نواة صلبة من الباحثين، متمرّسة في أصول العمل الفلسفيّ وفق متطلّباته الدقيقة والصارمة. وهكذا يتبوّأون المركز الحضاريّ الرفيع الذي يطمحون إليه. ومتّى تمّ بناء الشبيبة على مثل هذه المرتكزات الصلبة، يزدهر بناء الشعب انطلاقّا منها.
ترمي الجائزة إلى تحفيز الإبداع الفكريّ بما يسهم في تعزيز الإنتاج الفلسفيّ في لبنان ومحيطه. هل يمكن أن تكون للفلسفة لغة مشتركة مع المحيط بعد عجز السياسة في هذا المجال؟
سبق التأكيد على أنّ غرض الجائزة الأوّل هو تحفيز الإبداع الفكريّ تعزيزًا للإنتاج الفلسفيّ في لبنان ومحيطه. لا ريب في أنّ جوامع مشتركة تربط لبنان بمحيطه، كما تربط كلّ وطن عربيّ آخر بمحيطه. كذلك، لا ريب في أنّ ثمّة ما يميّز لبنان، كما يميّز كلّ بلد عربيّ آخر، عن محيطه. هنا فشلت السياسة، بالتأكيد، في تبيّن المشتركات أو التمييزات على نحو عقلانيّ واضح. الدليل هو ما انتاب المنطقة في الماضي، وما ينتابها راهنًا. والسبب هو غياب الرؤيا الفلسفيّة، وترك الأمور تخبط خبطًا عشوائيًّا، على غير هدى. لكنّ ما عجزت عنه السياسة– السياسة بالمعنى الممسوخ المعتمَد– لا تعجز عنه الفلسفة، لأنّها وحدها القادرة على رسم المعادلات الإيجابيّة، فتقيم التوازن المطلوب، وتضع الحدود الواجبة. لذا نجح كمال يوسف الحاج في إيجاد حلّ فلسفيّ عقلانيّ للتداخلات الدقيقة التي سبق ذكرها، بعد أن أرهقتنا وأعجزتنا. مثالنا على ذلك نظريّته في القوميّة والأمّة. وليرجع إليها من أراد تبيّن مضامينها وتفصيلاتها، فهي معروضة، بكلّ مندرجاتها، في المجلّد السابع من مجموعة مؤلّفاته الكاملة، تحت عنوان: في القوميّة اللبنانيّة الإنسانيّة.
دور طليعي
ما الدور الطليعيّ الذي يؤدّيه كمال يوسف الحاج في تحديد هوّيّة واضحة للفلسفة تغوص في مرافق الحياة كافّة؟
يمكن اعتبار الحاج مفترقًا مفصليًّا في تاريخنا الفلسفيّ اللبنانيّ، ولاسيّما الحديث منه والمعاصر. وليس من المبالغة في شيء القول بأنّ هذا التاريخ بات ينقسم إلى ماقبل كمال يوسف الحاج وما بعده. فالحاج هو من أقام الفكر اللبنانيّ على أسس فلسفيّة واجبة، موفّرًا للمعالجة الفلسفيّة ما تحتاجه من منهجيّة واضحة. وفضلًا عن ذلك جعل الفلسفة “انضوائيّة”، أي ملتزِمة. ومجال التزام الفلسفة يتمثّل في مجتمع الفيلسوف. لذا التزم الحاج قضايا مجتمعه، فانصرف إلى معالجتها بما تقتضيه الطرائق الفلسفيّة المعهودة، المكتسبة لديه من التتلمذ على أئمّة فلاسفة الغرب، كديكارت، وكنط، وبرغسون. مع الحاج التزم الفكر اللبنانيّ، وبات “التعمير الفلسفيّ” واجبًا بمقتضى منهجيّة متينة. وكانت درّة التاج، في هذا المسار، إطلاق الحاج مشروعه الفلسفيّ “الأجياليّ” حول الفلسفة اللبنانيّة، والاجتهاد في تبيّن معالمها الواضحة عبر جميع المراحل التاريخيّة، القديمة منها والحديثة، ودعوة الشعب اللبنانيّ إلى الانخراط في هذا المشروع، ومن ثَمّ تلمّس ذاته الفلسفيّة المتماسكة على مرّ الأحقاب التاريخيّة.
كيف يتمّ التنسيق مع مدراء المدارس والجامعات في لبنان لنشر فكر كمال يوسف الحاج ومؤلّفاته، ولتوطيد الفلسفة اللبنانيّة وإدخالها في المناهج التعليميّة؟
لقد شكّل مجلس أمناء بيت الفكر- أَسسيّة كمال يوسف الحاج، بصفته الهيئة الراعية العليا للجائزة، وعملًا بالأنظمة التأسيسيّة لهذه الجائزة،”هيئة تنظيم إداريّ” قوامها، للدورة الأولى، ثمانية تربويّين مرموقين ومهمّتها اتّخاذ جميع الترتيبات التنظيميّة اللازمة لإجراء هذه الدورة في محورَيها: مباراة تلامذة المدارس، والمباراة المفتوحة. وقد بذلت هيئة التنظيم الإداريّ جهودًا حثيثة في كلّ من هذين المحورين.
على صعيد المحور الأوّل وجدت الهيئة نفسها أمام قطاعين، قطاع التعليم الثانويّ الرسميّ وقطاع التعليم الثانويّ الخاصّ، فارتأت اعتماد آليّتين مختلفتين تتناسب وكلّ منهما. بالنسبة إلى القطاع الأوّل ارتأت الهيئة الاتّصال مباشرة بحضرة مدير عامّ وزارة التربية والتعليم العالي، فكان تجاوبه مثاليًّا، وأصدر تعميمًا تحفيزيًّا تشجيعيًّا أبلِغ إلى جميع الثانويّات الرسميّة في لبنان، فكان أن أسرع بعضها إلى الاتصال بهيئة التنظيم الإداريّ، وانبثق من جرّاء ذلك تنسيق مثمر بين الفريقين. أمّا بالنسبة إلى القطاع الثاني، فقد استهدفت هيئة التنظيم الإداريّ التجمّعات المدرسيّة الكبرى في الدرجة الأولى، كما تطوّع أعضاء الهيئة للاتّصال شخصيًّا بأكبر عدد ممكن من مسؤولي المدارس الخاصّة، وجلّهم من معارفهم، والتنسيق معهم لهذا الغرض. وقد بوشرت هذه الاتصالات منذ وقت باكر، أي منذ شهر نيسان 2015، تاريخ انعقاد المؤتمر الصحافيّ الذي أعلن عن ولادة الجائزة رسميًّا. وفي الرابع من شباط 2016 أسهمت هيئة التنظيم الإداريّ في عقد مؤتمر صحافيّ آخر أعلنت فيه انطلاق أعمال الدورة الأولى، والموعد الفعليّ لإجراء مباراة تلامذة المدارس، وسلّة من الإجراءات التنظيميّة التي تقرّر اعتمادها بغية إنجاح هذه المباراة وتوفير الأجواء الفضلى للمشاركة الكثيفة فيها. وقد دُعيت إلى المؤتمر الصحافيّ الأخير وسائل الإعلام، وجميع الهيئات التربويّة المعنيّة، من مدرسيّة وجامعيّة، وجميع المؤسّسات التربويّة التي كانت سبّاقة في التعبير عن رغبتها في المشاركة. وعن وقائع المؤتمر الصحافيّ نشرت وسائل الإعلام اللبنانيّة أنباء وافية. وبعد المؤتمر استمرّت الهيئة في اتّصالاتها تأمينًا لمشاركة أكبر عدد ممكن من التلامذة، وستستمرّ في هذه الجهود حتّى موعد إجراء مباراة تلامذة المدارس.
أمّا على صعيد المحور الثاني، محور المباراة المفتوحة، وبغضّ النظر عمّا أُذيع في المؤتمر الصحافيّ وفي وسائل الإعلام، فقد جرى إبلاغ الجامعات اللبنانيّة، مباشرة، بكلّ التفاصيل المتعلّقة بشروط المشاركة، والآليّات التي ينبغي اعتمادها في هذا السبيل. ولا ريب في أنّ عمل الهيئة، على هذا المحور، أيسر من عملها على المحور الأوّل نظرًاإلى قلّة عدد الجامعات المعنيّة مقارنة بعدد المدارس.
فكر فلسفي لبناني
ما أهمّيّة فلسفة كمال يوسف الحاج في إرساء فكر فلسفيّ لبنانيّ يبرز القيم الإنسانيّة الجوهريّة ويوضح الرؤيا الصحيحة لكيان لبنان؟
منذ بدايات الحاج الفلسفيّة في أربعينيّات القرن الماضي،عمل هذا الفيلسوف الكبير على إرساء فكر فلسفيّ لبنانيّ محوره المسألتان المُشار إليهما في هذا السؤال. لقد أوقف جهده القلميّ، طوال مسيرته الفلسفيّة، لتعزيز توجّهه هذا. وعى لبنان وعيًا عقلانيًّا واضحًا ومميّزًا، وتبيّنَ معالم الذات اللبنانيّة عبر التاريخ، فانكشف له ما تمتلكه من قيم إنسانيّة رفيعة، وكيف تسنّى للبنانيّين أن يعبّروا عنها تعبيرًا فريدًا، جامعين بأمانة بين المثاليّة والواقعيّة، وبين الروحانيّة والمادّيّة، وبين الجوهر العامّ والوجود الخاصّ. لقد كان لبنان ، في جميع مراحل تاريخه، أمينًا لتراثه المجسِّد لتلك القيم الروحيّة والفلسفيّة، ولا بدّ له من أن يظلّ على أمانته هذه كي يبقى له مبناه ومعناه. مبناه أنّه وطن مستقلّ، وقوامه قوميّة لبنانيّة قائمة بقوّة الفعل والقانون في دولة مكتملة السيادة في شؤونها الداخليّة، وتامّة الاستقلال في سياستها الخارجيّة. أمّا معناه فكامن في لقائه الحضاريّ بالأمّة العربيّة، وحَمْلِ رسالته إليها وإلى العالم أجمع. معناه هو، بكلام أوضح، أن يبقى ملتقى للحضارات، ووطنًا للحوار والانفتاح، ومنشأً للفكر والإبداع. هذه هي الرؤيا الصحيحة للبنان، ولجوهره، ولكيانه، ولقيمه الحضاريّة، ولرسالته الإنسانيّة. وإنّها لمتجلّية بأبهى صورها في تراث الحاج الفلسفيّ.
عاش كمال يوسف الحاج في حقبة ما قبل الحرب في لبنان، أي وسط فوران فكريّ كانت بيروت محوره ومحرّكه في العالم العربيّ. إلى أيّ مدى أسهمت هذه البيئة في بناء فلسفة كمال يوسف الحاج وتفاعلها مع محيطها؟
عديدة هي العوامل التي تسهم في تكوين شخصيّة الإنسان. فلكلّ منّا بيئته الخاصّة ومجتمعه اللصيق اللذان يؤثّران فيه تأثيرًا حاسمًا. ولا ننسينّ تأثيرات العائلة التي ننشأ في كنفها، فتكسبنا توجّهات معيّنة. أَضِفْ إلى ذلك ما لدى كلّ منّا من معطيات فطريّة خاصّة تجعله يتفاعل مع كلّ مصادر التأثير على طريقته الخاصّة، فيؤثّر فيها بدوره. والفلاسفة لا يشذّون عن هذه القاعدة. لذا تفاعلت جميع المعطيات العائليّة والبيئيّة والمجتمعيّة مع وجدان كمال يوسف الحاج، فأسهمت في بناء عمارته الفلسفيّة الّتي عبّرت عن نظرته إلى الوجود بفرادة وخصوصيّة. جميع هذه الأبعاد مستبانة بجلاء في فلسفته اللغويّة مثلًا. فلقد شهد لبنان، في فترة الانتداب، تنازعًا شرسًا بين اللغات، الأمر الذي عانى منه فيلسوفنا في مراحل حياته المدرسيّة، كما عانى منه كلّ جيله. وهذا ما دفعه، في ما بعد، إلى معالجة معضلة اللغة وعلاقتها بالوجدان على صعيد فلسفيّ موضوعيّ خالص، فأوجد لها حلًّا موفّقًا (يُراجَع، في هذا الصدد، المجلّد الخامس من مؤلّفاته الكاملة،وعنوانه:في اللغة). وما يصحّ على فلسفته اللغويّة يصحّ بالمقدار عينه على فلسفته القوميّة. لقد شهد لبنان صراعًا عقائديًّا قوميًّا حادًّا. والصراع القوميّ إيّاه هو ما شهدته الدول العربيّة أيضًا، فعانت منه الكثير. لذا سلّط الحاج مجهر تحليله الفلسفيّ نحو هذه المعضلة بالذات، فأوجد لها حلًّا عقلانيًّا جديرًا بإنهاء الصراع بين الدول العربيّة على أساس إيجابيّ بنّاء. فلقد حدّد القوميّة، والمعطيات المكوّنة لها، ثمّ حدّد الأمّة، والمعطى الكافي لتكوينها، مفرّقًا بين المفهومين وموجدًا، في الوقت عينه، عناصر التكامل بينهما. وهكذا شاد فلسفته في القوميّة والأمّة (يُراجَع، في هذا الشأن، المجلّد السابع من مؤلّفاته الكاملة، تحت عنوان في القوميّة اللبنانيّة الإنسانيّة).
مثال ثالث، وأخير، أودّ الإشارة إليه سريعًا: نظريّة الحاج الفلسفيّة في القضيّة الفلسطينيّة والعقيدة الصِهْيَونيّة. إنّ معالجاته الشائقة لهذه القضيّة الخطيرة متضمّنة في المجلّد التاسع من مؤلّفاته الكاملة، وعنوانه في النصلاميّة إزاء الصِهيَوْنيّة. فيه كشَفَ، بحدس رؤيويّ نادر، المرامي الحقيقيّة للصِهيَوْنيّة، بعد أن جهدت في إخفائها لئلّا تنكشف نواياها ويُحبَط مشروعها باكرًا. وقد بدت نظريّته تلك غريبة عندما أطلقها، وبقيت كذلك عند الكثيرين لفترة طويلة. أمّا ما يشهد على صوابيّتها، ورؤيويّتها، فهو ما بدأ يتكشّف من وقائع وأبعاد يعلنها الصهاينة جهارًا حول بنية دولتهم المزعومة، ثمّ عملهم الدؤوب– ولكن عبثًا في المدى الطويل–على إقامتها في الأراضي الفلسطينيّة المغتصبة.
نادى كمال يوسف الحاج بتعزيز الكيان اللبنانيّ السياسيّ وبقوميّة لبنانيّة راسخة ببعدَيها الإنسانيّ والحقوقيّ. أين هذا الطرح من لبنان اليوم؟
السبيل الوحيد إلى تعزيز الكيان السياسيّ اللبنانيّ هو في تعزيز القوميّة اللبنانيّة وترسيخها على جميع المستويات. والسبيل الأفضل لتعزيز القوميّة اللبانيّة هو البرهنة عليها برهنة فلسفيّة لا يخالطها أدنى ريب. هذا ما فعله الحاج تمامًا، بحيث أصبح يُعرَف بفيلسوف القوميّة اللبنانيّة. والفلسفة اللبنانيّة التي أعلنها هي لتمكين القوميّة اللبنانيّة على المستوى العقلانيّ الفلسفيّ أوّلًا وخصوصًا، ومن ثمّ الذود عنها على المستوى السياسيّ الكيانيّ. إنّ العلاقة بين القوميّة اللبنانيّة والفلسفة اللبنانيّة هي علاقةُ تَوَاجُب طردًا وعكسًا، بمعنى أنّ الواحدة منهما تستدعي الأخرى وتردّ عليها. وما كان معلنًا من أسباب لما عاناه اللبنانيّون طوال فترة الحرب السابقة لم يكن سوى مجرّد تغطية وتمويه لما هو مستهدَف في الحقيقة. نعم، واقع الحال هو أنّ القوميّة اللبنانيّة هي التي كانت مطمح الرماية، ومطمع العاملين على تقويضها. مع ذلك، وبالرغم من هذا الاستهداف الطويل والمضني، لم يتمكّن أحد من النيل منها، ولم تُصَبْ مقوّماتها الراسخة بأيّ وَهَن.
ميثاقيّة مسيحيّة-إسلاميةّ
من أسُس فلسفة كمال يوسف الحاج تثبيت الميثاقيّة المسيحيّة-الإسلاميّة، الأمر الّذي يبيّن رؤيويّته عند الغوص في عمق إشكاليّات المجتمع اللبنانيّ. هل يمكن تطبيق هذه الميثاقيّة في ظلّ الاصطفافات الحاصلة على الساحتين اللبنانيّة والعربيّة؟
البنية الحضاريّة اللبنانيّة، من سياسيّة وثقافيّة، هي بنية ميثاقيّة في الأساس. وللتعبير عن هذه الميثاقيّة نحت الحاج كلمته الشهيرة: النَصْلاميّة. الميثاقيّة، في رأيه، أو “الطائفيّة البنّاءة”، في مصطلحه، هي معادلة حضاريّة جامعة بين دينين كبيرين تحت سماء لبنان: المسيحيّة والإسلام. وما نشهده من اصطفافات حادّة، راهنًا، ليس سوى مرحلة عابرة. فعلى الرغم من هذه الاصطفافات لم ينهض فريق لبنانيّ واحد للمناداة بكسر هذه الميثاقيّة، أو للتنكرّ لها تنكّرًا لا رجعة عنه. هذا أمر جدير بالملاحظة. الميثاقيّة هي الثابتة الوحيدة الراسخة على المستوى العامّ، والمناداة بتثبيتها تثبيتًا نهائيًّا وقاطعًا بات، راهنًا، مطلبًا للجميع أكثر من أيّ وقت مضى. ينبغي ألّا نغترّ بما يطفو على السطح من ظاهر الأحداث، بل النظر بعين ثاقبة تستهدف بواطن الأمور. ولا بدّ من أن تتّضح لنا، بعد حين، المدلولات الحقيقيّة على هذا الصعيد.
جامعة سيّدة اللويزة وجمعيّة المرسلين اللبنانيّين الموارنة هما من مؤسّسي بيت الفكر، الهيئة الحاضنة للجائزة ومنشئتها. ما الأهميّة المعنويّة التي يضفيانها على الجائزة؟
إنّ المؤسّستين الطليعيّتَين المُشار إليهما هما من مؤسّسي بيت الفكر– أسَسيّة كمال يوسف الحاج، الجهة المنشئة للجائزة والساهرة على رعايتها. وللقرّاء أن يعرفوا أنّ جمعيّة المُرْسَلين اللبنانيّين الموارنة هي مؤسّسة رهبانيّة لبنانيّة عريقة جدًّا، ولديها– في الوطن والمهجر– مؤسّساتها التربويّة، والثقافيّة، والإعلاميّة، وغيرها، ولكلّ منها تاريخه الفريد في الأصالة والتميّز. والقول نفسه ينسحب على جامعة سيّدة اللويزة، المتألّقة في رسالتها الأكاديميّة والتابعة للرهبانيّة المارونيّة المريميّة، صاحبة المؤسّسات الرائدة والمتنوّعة في لبنان والعالم. الحقّ أنّه لم يكن من الممكن إصدار المجموعة الكاملة لمؤلّفات كمال يوسف الحاج لولا الرعاية السخيّة، مادّيًّا ومعنويًّا، من جانب هاتين المؤسّستين التاريخيّتين. كما لن يكون ممكنًا الاستمرار في إنجاز ما يبتغيه بيت الفكر في ميثاقه التأسيسيّ من دون دعم هاتين المؤسّستين. هنا ينبغي التأكيد على أنّ الأهميّة المعنويّة لهذه المعاضدة الفريدة تتجاوز، بما لا يُقاس، أهميّتها المادّيّة. وليس بالأمر العاديّ، على الإطلاق، أن يتهيّأ لـبيت الفكرما تهيّأ له على هذا الصعيد. إنّ المؤازرةالّتي توفّرها مؤسّسة أكاديميّة جامعيّة طليعيّة كجامعة سيّدة اللويزة، “المؤتمنة بامتياز على احتضان فكر كمال يوسف الحاج، وعلى تثبيته في المناهج التعليميّة المدرسيّة والجامعيّة”، كما ورد في الميثاق التأسيسيّ، وإنّ الدعم الذي تمحضه مؤسّسة رهبانيّة عريقة كجمعيّة المُرْسَلين اللبنانيّين الموارنة، “الحاضنة لكلّ نتاج فكريّ جامع بين الإيمان والعقل،ولاسيّما في اللغة العربيّة”، هما المظلّة المبارَكة من أجل تحقيق أهداف بيت الفكرالطموحة في المدى الطويل.
*****
(*) مجموعة المؤلّفات الكاملة في طبعة علميّة وأنيقة، تُطلَب من:
- منشورات جامعة سيّدة اللويزة–زوق مصبح
تلفون: 208994 – 9- 961 +؛ بريد إلكترونيّ: ndu_press@ndu.edu.lb
- مكتبة الكُرَيْم–جونيه (مكتبة جمعيّة المرسلين اللبنانيّين الموارنة)
تلفون: 934980 – 9- 961 +؛ بريد إلكترونيّ: sales@im-kreim.com
*****
(*) بعض الأسئلة في هذا الحوار مأخوذة من حوار أجرته جريدة الجريدة مع أنطوان مكرزل