هدى عيد: هدفي في رواياتي تكوين وعي جديد فاعل وإيجابي

houda eid

حوار: منار علي حسن

في روايتها الجديدة “سلطان وبغايا”، تغوص الروائية هدى عيد في عمق التحولات التي يواجهها الإنسان المعاصر، عموماً، وهي لا تحاكي مجتمعاً معيناً بل  تعالج، على غرار رواياتها الست،  قضايا تمس أي شخص  في أي مكان كان، فالفساد والوصولية وانتهاك حقوق الإنسان… كلها أمور ليست حكراً على مجتمع من دون غيره، بل تتعلق بالحالة العامة سواء في الشرق أو في الغرب.

حملت هدى عيد لواء التغيير واستلّت قلمها  باحثة في الآفات المجتمعية بعدما سلب التطوّر الكثير من إنسانية الإنسان، وتركه أسير واقع مأزوم لا يعرف سبيلا للخلاص منه…

بلغة أدبية جميلة وبأسلوب غني بالصور والأحداث المتلاحقة،  تضفي رواية “سلطان وبغايا” متعة في القراءة  لبعدها عن الوعظ والإرشاد، بل   ترسم شخصيات قد تشبهنا او نلتقي بها في حياتنا اليومية، خصوصاً أنها تفرد مساحة للظالم والمظلوم في آن.

تتميز الرواية بمشهدية تمزج بين المتخيّل والواقعي وبرؤية للمستقبل  تلمس من خلالها وعي القارئ وإرادة التغيير عنده… كل ذلك في ظل أدب وارف يصنع من الكلمة مدماكاً للتمرد في سبيل غد أفضل.

لهدى عيد روايات سبع من بينها: “في بلاد الدخان”(2001)، “الحياة في الزمن الضائع” (2006) “ركام” (2009)،  “نوّارة”…  وصدر لها حديثاً قصة “تانيا” هي الأولى لها في أدب الأطفال.

حول روايتها الجديدة ومسيرتها في مجال الرواية كان الحوار التالي مع هدى عيد 

عنوان الكتاب “سلطان وبغايا”، إلام يرمز السلطان وإلام ترمز البغايا؟

سلطان وبغايا هو عنوان روايتي السابعة والصادرة مؤخراً عن دار الفارابي، البطل  فيها حمل اسم سلطان لكنّه تضمن تورية كذلك، إذ تم الترميز من خلاله إلى واحد من الذين امتلكوا سلطاناً نافذاً ورأسمالاً مشبهواً، استحال بالتوظيف الفني نموذجاً لشريحة تتحكم بالمجتمع، أما مفردة البغايا، وهي جمع البغي، فقد تجاوزت مدلولها القاموسي المتعارف عليه: المرأة الفاجرة الزانية، إلى البغاء الخلقي القافز فوق جسد المرأة، والمطاول الفعل الإنساني المشين بغض النظر عن طبيعة مرتكبه.

الرواية تضع اليد على قضايا اجتماعية تشمل العلاقات بين الناس وبين السلطة والناس، كيف تعالجين هذا الواقع وأين  تكمن  عناصر الرواية فيها؟

يختلط في الرواية المرجعي والفني، والمرجعية تكمن في هذه الإحالة على جملة من القضايا المجتمعية والسياسية التي تهيمن على مجتمعنا، منذ ما يقرب الثلث قرن، والتي تمثلت في جملة من الأحداث  حاولت توظيفها بطريقة فنية، راعت عناصر السرد المتعارف عليها من وضعيات وشخصيات وحوارات تنوعت بين الداخلي والخارجي، إضافة الى العقدة الرئيسة التي تمثلت باختفاء الشخصية الرئيسة سلطان، وفي محاولة زهية ، ابنة أخيه، الحثيثة لإيجاده عبر استنطاق الأصوات المتحدثة في الرواية عساها تصل إلى طرف خيط يوصلها إليه.

houda eid 1

إلى أي مدى تؤدي الذاكرة الجماعية دوراً في تراكم القضايا والمشاكل الاجتماعية؟

هذه الذاكرة الجماعية التي تشيرين إليها برزت على شكل الضوء الكاشف، والضمير اليقظ الذي لا يريد أن ينسى كل الفساد الذي كان، إنها نوع من إعادة الاستقراء الواعي للتاريخ القريب، وبالتالي إعادة تقييمه من وجهة نظر من يملكها، لذلك كان أصحابها يبدأون حديثهم مع زهية بالحنين إلى سلطان، والخوف عليه من سوء المصير، لكنهم كانوا ينتهون بالرغبة الحقيقية بالخلاص من التاريخ الذي كان لهم معه.

كيف تعكس الشخصيات  في الرواية مسيرة  التطوّر الاجتماعي؟

شكراً لسؤالك هذا الذي يشير إلى متابعة دقيقة لحركية التوظيف الفني في الرواية، لقد حاولت خلال رحلة السرد توظيف عدد من الشخصيات المتفاوتة عمرياً، وكلما تقدم السياق السردي كلما أصبحت الشخصيات أصغر سناً، كحال الطالبة الجامعية مثلاً في الفصل ما قبل الأخير، لأني أردت استنطاق التاريخ القريب وصولاً إلى الحاضر بكل ما يضج به من بشاعات وتجاوزات… ربما لأني أردت أن أقول إن ما نحن عليه الآن ليس مُحدَثاً، إنه نتاجُ تراكمٍ غفلنا عن محاسبته فكانت النتيجة ما تبصره أعيننا في هذه الأيام.

هل تحاولين بقلمك الروائي محاكمة المجتمع؟

ربما، وهذا حق لي وحق كل مواطن شريف يريد أن يحيا حياة إنسانية عادلةً بما يتلاءم مع كرامته وهويته الإنسانية، وما دام الفنّ ولاسيما المكتوب منه، وأعني الرواية، قد تجاوز مجرد كونه وسيلة للإمتاع الفني إلى أن يصبح عملاً معرفياً وتنويرياً بامتياز، جاز لنا توظيفه في هذا السياق مع مراعاة شروطه الفنية بالطبع.

هل الهدف من الرواية  توعية القارئ وأليس القارئ واعياً؟

القارئ سيدتي واعٍ، فلقد بتنا في عالم مشرّع الأبواب، وكلنا نعرف.. وكلنا نسمع ونرى، لكن لسنا جميعاً قادرين على إطلاق الصوت، وعلى معالجة ما يجري على أرض الواقع من تجاوزات وانتهاكات، الصورة في هذه الأيام تفعل، لكن مفعولها آني، ينتهي بمجرد الابتعاد عنها وغيابها عن العينين، الكتابة فعل آخر، مذاق مختلف، إنها قادرة على الولوج إلى عمق الوجدان والاستقرار فيه، وبالتالي تأثيرها قادر على تكوين وعي جديد، وهذا الوعي الفاعل الإيجابي هو ما أسعى إليه، وما سعى إليه كثير من الروائيين المتميزين الذين تأثرنا بهم من مثل تولستوي، ماركيز، ميلان كونديرا، جبران خليل جبران، نجيب محفوظ، محمد الأشعري وسواهم من العرب ومن الغربيين على حدّ سواء .

بحثك الدائم عن الجديد  هو القاسم المشترك بين رواياتك، فهل هذا الجديد تترجمينه في عالم تخييلي  أم واقعي؟

سؤال جميل عن محاولة التغيير، والإنسان بطبعه مخلوق حيوي يبحث دائماً عن التجدد والتطور، لكننا في هذا المجتمع نسير عكس الزمن وبخلاف المعادلة الطبيعية السوية، لا نلتزم بناموس الحياة الحاثّ دائما على السير إلى الأمام، وقد قلت يوماً في إحدى رواياتي: ” أنّا جعلنا الزمن خلف ظهورنا”، ربما لذلك بحثت بالمقابل عن هذا التجديد الفني والتخييلي، عبر إيجاد تقنيات جديدة للقول، عساني أصل الى الاختلاف الذي عجزنا ونعجز حتى الآن عن تحقيقه على أرض الواقع.

houda 2

تنبض رواياتك بالقلق وبالتقلبات، فهل تحاولين من خلالها تلمس طريق إلى بدايات جديدة؟

طبعا في رواياتي قلق ذو بعدين، قلق إنساني يسببه كل الاضطراب الذي نحيا بأشكاله التي لا تخطر على بال أحياناً، وقلق وجودي حول النفس البشرية بكل تجلياتها وفرحها وكينونتها وقلقها وأسئلتها التي لا تنتهي، حول ما كان منها وما سيكون لها، وهو قلق أريده منتجاً، وجميل أن أستعير قول جبران عن القلق “القلق الذي جعلني لا أكون واحداً ممن يشوشون سكينة العالم بغطيطهم”، وإنما يحاولون الوصول إلى هذه السكينة عبر فعل الكتابة.

لماذا المرأة ضحية، في الرواية،  وتتعرض للتعنيف، وأين هي المرأة الثائرة؟

ظاهرياً قد تبدو المرأة ضحية في الرواية، كحال الزوجة الأولى وكحال حسيبة أو الزوجة العجوز أو … لكن يجب أن لا ننسى أن من اقتص من سلطان كانت الزوجة الأخيرة الشابة ألتي بدت أكثر شرّاً وأكثر شهوانية منه، لذلك لا تعود المسألة هنا مسألة رجل وامرأة إنها مسألة الإنسان الذي فسدت طينت ، وانحرف عن مشاعره الإنسانية السوية متجاوزا الأنثوية أو الذكورية.

هل بات مفهوم الرواية اليوم واقعياً وأين الرومانسية؟

الرواية تجاوزت طور الرومانسية من غير القطع معه، أعني أحياناً طبيعة الموقف قد تفرض شيئاً من الرومانسية، لكنّ تيار الكتابة الواقعية بات الأكثر طغيانا، الواقعي المقترن بالمعرفي، إذ لم يعد مقبولاً من الرواية الاكتفاء بمجرد التخييل والتهويم، وهي تمارس أحيانا اقتحام المعرفي توظفه ضمن السياق الفني، لاحظي كتابات أمين معلوف مثلا والتي وظفت التاريخ بحرفية عالية أو كتابات دان براون التي أفادت من التاريخ إضافة إلى كثير من العلوم الأخرى….

ما هو موقع “سلطان وبغايا” بين رواياتك؟

لكل رواية من رواياتي موقع وامتيازٌ، لكني أعتبر هذه الرواية الأكثر اكتمالاً والأكثر نضجاً بين أعمالي الروائية، وقد استغرقت مني وقتا  وجهداً فكرياً وعاطفياً، لكني لم أكن لأصل إليها لولا ما سبقها من أعمال ترافقت دائماً مع قراءات فنية ونقدية، مع التنويه إلى أن  ثمة رواية أخرى أحبها كثيراً وهي رواية “نوّارة” التي أعتبرها علامة فارقة بين أعمالي السابقة ، وهي قد وفرت لي متعة فنية وأنا أكتبها، وأنا أقرأها بين الحين والآخر، وهذا رأي كل من قرأها، وليس رأيي وحدي.

******

(*) جريدة الجريدة الكويتية 

اترك رد