د. حورية الخمليشي
(باحثة وأديبة – المغرب)
في أجواء احتفاء المرأة بعيدها أودّ أن أوجّه تحية لأقلام نسائية ولجت عالم الكتابة لم يمر عامٌ على رحيلهن تقديراً لذاكرة نساء كان لكتاباتهنّ كبير الأثر في المشهد الثقافي العربي وغير العربي. فنحن نحتفظ بذكرى طيبة لأشخاص قد نلتقي بهم أو قد لا نلتقي بهم أبداً، لكنهم دائموا الحضور في مخيلتنا.
هكذا هي صداقة المعرفة والتعلم والكتابة. فوداعاً لنساء ساهمن في صنع النّهضة العلمية والأدبية. فأثبتن أن الكتابة والإبداع لا فرق فيه بين الذكورة والأنوثة. ومهما حاولنا النسيان فإن ذكراهن تبقى محفورة في ذاكرتنا، وإنتاجاتهنّ تثير رونقاً وإعجاباً في قولبنا. إنهن أديبات عاصرن أجيالاً مختلفة. قد نختلف حول أدبهنّ في العديد من المقاربات والرّؤى. لكن هذا لا يغيّر من كونهنّ كاتبات متميّزات تركن بصمتهنّ في الذاكرة الإبداعية العربية وغير العربية. نذكر الجزائرية آسيا جبار والمغربية فاطمة المرنيسي والأمريكية هاربر لي والبريطانية روث رندل.
الحقيقة أن المرأة العربية المثقفة لا زالت تعاني في مجتمعنا من هيمنة الفكر الذكوري في محاولة تغييب كبير لها ولإنتاجاتها. وآسيا جبار وفاطمة المرنيسي كانتا من الأسماء الاستثنائية في عالمنا العربي في الدفاع عن تحرير المرأة المغاربية والعربية والنضال ضد التهميش والحيف الذي تعاني منه المرأة العربية. وفي الضفّة الأخرى كانت الأمريكية هاربر لي والبريطانية روث راندل من أهم النساء في مناهضة العنصرية والجرائم التي ترتكب بسبب الظلم والفقر والاستبداد. بالإضافة إلى إنتاجاتهما الأدبية والإبداعية الزاخرة.
كانت الجزائرية آسيا جبار، واسمها الحقيقي “فاطمة الزهراء إملحاين” (1936-2015)، أديبة وروائية بالإضافة إلى تجاربها في الشعر والقصة القصيرة والمسرح والإخراج السينمائي، مما أهّلها لعضوية أكاديمية اللغة الفرنسية عام 2005، كأول امرأة عربية وإفريقية تنال هذه الرتبة لعمق كتاباتها وقوّة لغتها الفرنسية. واشتهرت كذلك بدفاعها عن حقوق المرأة وحريتها. وهي المعروفة بنضالها المستميت في الحركة النسوية الجزائرية ومناهضة العنف ضد النساء. وقد فازت بجائزة السلام بألمانيا عام 2002، وكان اسمها مدرجاً دائماً ضمن لائحة المرشحين لنيل جائزة نوبل للآداب التي هي من أكبر الجوائز الأدبية العالمية. وكتاباتها باللغة الفرنسية لا تنفي كونها كاتبة عربية من أصل جزائري عبّرت عن معاناة مجتمعها في ظروف تاريخية معينة. إن صوت آسيا جبار كان ثورة على الاستعمار وعلى تبعية المرأة وقمع حريتها. فواجهت الظلم والتطرف في كتاباتها. ويمثّل إنتاجها الأدبي نموذجاً للثقافة العربية التي انفتحت على ثقافات الغرب بفعل التّثاقف والتّلاقح الثقافي. أما أدبها المكتوب بالفرنسية فتشريف للأدب الجزائري والعربي بصفة عامّة. كتبت روايتها الأولى “العطش” عام 1953وهي دون العشرين من عمرها، وبعدها أصدرت العديد من الروايات من بينها “نافذو الصبر” و”القلقون” و”بعيداً عن المدينة المنورة” و”أطفال العالم الجديد” و”وقائع صيف جزائري” و”ليالي ستراسبورغ”و”امرأة بلا قبر” وغيرها. وقد جاءت هذه الروايات مشبعة بالمعرفة التاريخية والأدبية لكونها مؤرخة وأديبة متميّزة. وهي روايات أثارت في وقتها الكثير من الجدل، بعد أن نقلت بصدق معاناة المرأة المغاربية والعربية، فتُرجِمت إلى العديد من اللغات.
أما عالمة الاجتماع المغربية فاطمة المرنيسي(1940-2015) فهي كاتبة وأديبة وروائية وصاحبة مشروع فكري متميِّز. والكتابة عند المرنيسي حياة ووجود وثورة. وهي كآسيا جبار لم تكن ضد الرجل ولكن ضد الظلم الذي يلاحق المرأة من هيمنة الذكورية. أحتفظ في ذاكرتي لفاطمة المرنيسي بحبّها وعشقها الكبير لثقافتها المغربية والعربية، وكنتُ كلّما التقيت بها إلا وازددتُ تقديراً لمكانتها العلمية، وإعجاباً بحواراتها الهادئة المضيئة التي تنمّ عن شساعة ثقافتها وعمق إلمامها بالقضية النسوية.
إن كتابات فاطمة المرنيسي مستوحاة من معاناة المرأة وتهميشها، فدافعت عن تحريرها من الأعراف والتقاليد. كما دافعت عن المرأة ضدّ تأويلات الفقهاء، وولجت كنه التاريخ الإسلامي للبحث عن نساء رائدات. كانت المرنيسي من المناضلات الأكثر تأثيراً في العالم. دافعت عن حقوق المرأة الاجتماعية والسياسية، وواجهت الإيديولوجيات والطابوهات في المحتمع العربي الإسلامي. حصلت على جائزة أستورياس للأدب في إسبانيا مناصفة مع سوزان سونتاغ، وكانت عضواً في مجلس جامعة الأمم المتحدة. كانت المرنيسي تنتصر للحركة النسائية في المغرب وفي كل العالم العربي والإسلامي عندما أصبحت المرأة أسيرة التقاليد والتأويلات الخاطئة للنص القرآني، وهيمنة الفكر الفقهي على التفسيرات الدينية. وترى المرنيسي أن أوضاع المرأة ليست متردية في عالمنا العربي فحسب ولكن أيضاً في مختلف الدول والثقافات. من مؤلفاتها “الجنس والأيديولوجيا والإسلام” (1985) و”الحريم السياسي: النبي والنساء”، و”ما وراء الحجاب: الجنس كهندسة اجتماعية” و”سلطانات منسيات” و”الخوف من الحداثة: الإسلام والديموقراطية” و”هل أنتم محصنون ضد الحريم؟” و”شهرزاد ترحل إلى الغرب” و”أحلام النساء الحريم”.
أما الأمريكية هاربر لي (Harper Lee) 2016-1926) ) فأشهر الروائيات في أمريكا والعالم. فقد كتبت الرواية والقصة القصيرة. حصلت على جائزة بوليتزر للأدب عام 1961 عن روايتها “أن تقتل عصفوراً محاكياً”، التي عالجت فيها قضية التمييز العنصري الذي عانت منه في طفولتها فباعت منها ما يقرب من 30 مليون نسخة. وقد أنتجت هاربر لي مسرحية عن هذه الرواية الشهيرة. كما حصلت على الميدالية الرئاسية للحرية عام 2007 على مجمل أعمالها الأدبية. نوّه بأعمالها العديد من النقاد. وبعد أكثر من خمسين سنة من روايتها الأولى نشرت رواية “اذهب وعيّن حارساً” عام 2015 والتي باعت منها 1.599 مليون نسخة.
البريطانية روث ريندل (Ruth Rendell) (1930-2015) أشهر كاتبات روايات الجريمة. واسمها المستعار باربرا فاين. وهي من أشهر الكتّاب الروائيين في بريطانيا. عملت في قسم الصحافة حيث بدأت حياتها المهنية كمراسلة بجريدة “إيسكس” البريطانية. اشتهرت بكتابة الروايات البوليسية والروايات التي تحتوي على قصص الجريمة والإثارة النفسية. وعدّها النقاد وريثة الكاتبة البوليسية الشهيرة “أجاتا كريستي”. وقد نشرت روايتها الأولى “فروم دون ويذ ديث” عام 1964. فهي مبتكرة شخصية المفتش ويكسفورد. وتعدّ رواية “المفتش ويكسفورد” أشهر رواياتها، والتي تحوّلت إلى مسلسل تلفزيوني ناجح. ولريندل العديد من المؤلّفات ما يزيد عن سبعين كتاباً وعشرين رواية، كانت آخرها “هدية عيد الميلاد”. وقد تُرجمت أعمالها إلى العديد من لغات العالم. وحصلت روث على وسام الإمبراطورية البريطانية عام 1996. كما نالت رواياتها العديد من الجوائز الأدبية الكبيرة في العديد من الدول، إذ حقّقت مبيعات رواياتها نجاحاً منقطع النظير.