أبو يونس معروفي عمر الطيب
(روائي- الجزائر)
حسب يومية الحوار فان الروائي الجزائري أمين الزاوي، خلال مشاركته في ندوة فكرية حول الأدب والفلسفة المنظم من قبل دار الثقافة الجديدة بغليزان، وبالتنسيق مع النادي الأدبي للدار، قال بأن مهمة الكاتب تكمن في صناعة قارئ شجاع، وهذا بعد أن أصبح القارئ -حسبه- قارئا بالصدفة وتقليديا، معتبرا سبب تراجع مقروئية الكتاب في الجزائر، هي العشرية السوداء التي عاشتها البلاد، حيث قال بأن هذه الفترة دمرت الكتاب في الجزائر، داعيا في نفس الوقت المثقفين والكتاب والشعراء إلى الدفاع عن الثراء اللغوي في الجزائر، الذي اختصره في ثلاث لغات: العربية و الأمازيغية والفرنسية.
كان يمكن للأديب الزاوي بعيدا عن الشجاعة التي لا محل لها من الإعراب هنا وبعيدا عن وهم الصراع الطبقي الواسع الذي يستحوذ على أفكاره كالدون كيخوت أن يتحدث عن رفع مستوى الوعي لدى القارئ العربي أي الاهتمام بوسائل التلقي الفردية وانتهاج أسلوب يحرك حواس القارئ لان التلقي كعملية لصيقة بالإبداع أحيطت منذ القدم بأهمية بالغة فكانت محل اهتمام علماء النفس والاجتماع والفلاسفة
إن تطوير عملية التلقي كتفاعل يصنع النصوص لا يأتي بالصدفة أو بجهد ذاتي للقارئ فقط وإنما هذا موقوف بوجود مبدع حقيقي يصنع بإبداعه الرغبة لدى القارئ فيساهم في ازدياد كتلة القراء التي ينعكس فعلها القراءاتي الواعي إيجابا على رفع مستوى المبدع وكتاباته فهي عملية تكامل فإذا أهمل احدهما الآخر و الأسباب كثيرة وقع الانفصام لان القارئ وان لم يكن هو العامل الأساس في ظهور المدارس الأدبية المتعددة بشكل مباشر فانه كان دائما حاضرا حضورا قويا في ظهور هذه المدارس الأدبية عبر العصور من خلال عملية استحضاره من قبل الكاتب زمن السرد
رغم ذلك استطيع القول أن القارئ الشجاع ليس ذلك الذي يرجوه أمين الزاوي , قارئ مفعول به وفيه ,تقتصر مهمته على التلقي ثم الإذعان والاقتناع بالإيديولوجية التي غلَبها الكاتب حتى وان كانت تدعو إلى المجون ثم يكون المدح والتصفيق هو ردة الفعل الأخيرة ,إنما القارئ الواعي هو ذلك الذي يشد بيد الكاتب ويضربها كلما شرد قلمه بعيدا عن مستوى التلقي لديه فيلقي بكل سخافة أو إرهاصات تدعو إلى الرذيلة في وجه صاحبها,
ما من شك في ان تجاوب الأديب مع النقد هي أولى الخطوات التي تقربه من القارئ باعتبار أن الناقد هو القارئ الأول الذي خولته الكتلة القارئة بتفحص النص وإذا ما تأثر سلبا أو ايجابيا انعكس هذا التأثير على غالبية الجمهور لان عملية الاتصال الفوقية التي ينتهجها غالبية كتابنا لا تعطي نتيجة أبدا فهي كذلك الأمر أو التعليمة التي يتلقاها العامل فلا يلقي لها بال إلا فيما يهمه منها . وهو الأمر ما حدث للكتابات ذات التوجه اليساري في الوطن العربي وإذا ما تفحصنا هذا الصنف من الكتابات منذ ميلاد الرواية في الجزائر لوجدنا ان الغالبية منها قتلها الانضباط الحديدي “اللينيني” الذي يرزحون تحته فصنع منهم مجرد قاطرات لا يمكن لها مغادرة السكة قيد أنملة وتحت أي ذريعة كانت فكان التوظيف الإيديولوجي الشيوعي هو المهيمن اذ أقصي الوظيفة التبليغية أو التواصلية العامة بالكلية وشكل من إبداعاتهم مجرد مقالات مطولة تنطوي كلها على قوانين المادة الجدلية ” الديالكتيك ” المناهضة لكل ثوابت الأمة
وبالفعل فان غالبية النصوص التي أبدعها اليساريون بمختف أجناسها كانت ” السلطة والايدولوجيا فيها توءمان لا ينفصلان على حد تعبير الدكتور منذر عياشي يحنو احدهما على الآخر فالسلطوي يتخذ من الايدولوجيا طريقا ويجعلها له وجاء فيمارس باسمها متعة لا تعد لها متعة انه يقصى ويخصي ,ويتهم وينفذ الأحكام ويجعل نفسه حارسا أمينا على رحم الكتابة فلا يلد نص إلا وللايدولوجيا فيه/ومنه نصيب” * وهكذا فأن هذه الكتابات بإيديولوجيتها المتسلطة وكأنها في عمومها شكلت معلبة للاستهلاكيات القراءاتية الشيوعية فقط دون غيرها والسبب هو ان كُتابها لم يقدروا على النفاذ خارج أطرها المحددة بدقة حتى وهم يبذلون الجهد في إبداع النص لأنهم لم يولوا الأهمية للقارئ الآخر “الغير يساري ” معتقدين من فوقيتهم أن القارئ العربي الآخر غير اليساري مجرد كائن سلبي تُلقى على ذهنه النصوص فيتقبلها ويستجيب لها دون إدراك واع لمقاصدها. لأنهم لا يؤمنون بان التلقي هو اجتهاد أيضا يوازي اجتهاد المبدع ويعني هذا أن لا قراءة واحدة للنص مادام هناك اجتهاد”*
والغريب حقا أن كتاب اليسار وكنتيجة للفشل صاروا في كل مناسبة يتهمون اللغة العربية بالقصر والعقم وأنها السبب في فشلهم متناسين انه بفضل ثرائها واتساع فضاء تداولها اشتهر البعض منهم ولو في الحيز الجغرافي المتداولة فيه فاللغة بدون شك هي التي حملتهم عقودا من الزمن ,والقارئ العربي بات يدرك ذلك جيدا ولاشك أن هذا الجحود والشرود المتعنت للكاتب الشيوعي هو الذي افرز قارئا تقليديا لا يقرا إلا بالصدفة على رأي الأديب أمين الزاوي وبالتالي أدي إلى فشلهم وسقوط أيديولوجيتهم على ارض العرب الأمر الذي جعل أمين الزاوي يبحث عن قارئ شجاع وجعل الروائي واسيني الأعرج يتساءل في مقال له عما يريده العرب ؟..
لقد كان من الأفضل للزاوي وغيره من كتاب اليسار أن يراجعوا أنفسهم ويتخلوا عن إيديولوجيتهم المهزومة بدل الإصرار على أن تقرأ أعمالهم وأفكارهم بعين يسارية فقط ترى ما يرون وتتوقف حيث يقفون متعمدين تجاهل القارئ العربي الآخر غير اليساري ,ومصنفين كل ناقد نافذ من منظومتهم النقدية متطرفا و ظلاميا وإرهابيا إذا كان ذا انتماءات إسلامية ومتعصبا رجعيا إذا كان قوميا عربيا وبورجوازيا امبرياليا إذا كان غربي التفكير ودخيلا اذا كان حديث عهد بالأدب وهو سلوك بدا في تعقيب أمين الزاوي على ردي عليه في موقع الرواية الجزائرية لصاحبه الروائي مولود بن زادي حيث عقب بالقول “بدون مقدمات أنت دخيل على الأدب الروائي بأحكامك الإطلاقية و خطابك البيداغوجي – الديماغوجي/ أسألك ما الروايات التي قرأت لي بالعربية كانت أو بالفرنسية/ أتحداك إن كنت قرأت واحدة منها “ واني في مقالتي هذه اردد تعقيبي عليه فأقول له المعذرة أستاذ أمين الزاوي لأني سأقرأ هذا التحدي من باب ” قرأتَ رواياتي إذا أنا موجود… لم تقرأها فأنت دخيل .. والحال هكذا يا دكتور أفضل أن أكون دخيلا ..فهذا أحسن لي بكثير.يكفي أن لي أحكاما إطلاقية وخطاب بيداغوجي ديماغوجي حسب قراءتك . فقط يجب أن نؤمن بان لكل نص قراءات متعددة لا طبقات قراء تصنفها كما تشاء وفقا لأيديولوجيتك المهزومة
(ابريل 2016)
*****
(*) الدكتور محمد مبارك استقبال النص عند العرب الطبعة العربية الأولى 1999 دار الفارس للنشر والتوزيع عمان الأردن ص37/133
(*) حوار مع الدكتور منذر عياشي مقدمة لكتاب رولان بارت لذة النص ص13