«نجاح سلام صوت العروبة» في أسطوانة… الصوت الذي لا يشيخ

sahar-taha

سحر طه

(كاتبة وفنانة- عرافية-لبنانية)

 تأتي أسطوانة «نجاح سلام، صوت العروبة» لتجمع شمل أكثر من أربعين أغنية هي بعض من نتاج الفنانة الكبيرة خلال مسيرتها الفنية المضيئة، المليئة بمحطات غنية شكلت جزءاً من ذاكرة الفن اللبناني والعربي معاً.

نجاح سلام التي عرّفت الجمهور العربي في بداية الخمسينات، بالأغنية اللبنانية منذ أن غنت «برهوم حاكيني» و»الشاب الأسمر» في فيلم «ابن ذوات» في مصر، لتنال أعجاب الجمهور والمخرجين وتتوالى الاغنيات اللبنانية في افلامها التالية.

الاسطوانة صدرت بمناسبة تكريم الفنانة القديرة من قبل «المعهد الموسيقي الوطني اللبناني»، جمعت نخبة من أغنياتها التي تتنوع بين الموال والموشح والقصيدة العاطفية والاغنية الشعبية والطربية وبعض الثنائيات مع فنانين، وبعض أغنيات الأفلام الشهيرة الى مجموعة من أغنياتها الوطنية، لمصر ولبنان وسوريا.

بالطبع لسنا في وارد إبداء رأي أو تحليل لمضمون الأسطوانة، وما ضمته من أعمال، فمسيرة الفنانة سلام تجاوزت الآراء والنقد والتحليل، وباتت أغنياتها جزءاً لا يتجزأ من الموروث الموسيقي والغنائي الثقافي العربي، ومدرسة تتعلم منها الأجيال منذ اكثر من سبعة عقود، منذ أن شدت بأولى نغماتها، وهي طفلة بعد، بل نحن هنا، نلقي الضوء على هذا الإصدار، إذ تأتي أهميته كما أسلفنا في جمع بعض من مخزون هائل لفنانة سارت على نهج الأولين في مدرسة الطرب والتقاليد العربية الأصيلة في الغناء، ذلك أن الموروث الغنائي العربي بأغلبه يعاني ندرة التوثيق والحفظ والأرشفة، لهذا السبب، ضاع معظم نتاج الفنانين العرب سواء، قبل اختراع الإذاعة والتسجيل والأسطوانة أو بعد ذلك.

وعلى أمل ان تصدر أسطوانات أخرى تجمع ما تبقى من نتاج السيدة نجاح سلام الذي يتجاوز عدد أغنياتها أضعاف ما حوته الأسطوانة. سوف نسرّ بالاستماع الى اغنيات تحتل ذاكرتنا ونسترجعها في كل مناسبة واحتفال، مثل: «حوّل يا غنام»، التي غنتها مع حسن عبدالنبي عام 1949 وهي من ألحان إيليا المتني. «يا جارحة قلبي» التي سجّلتها في العام نفسه. واغنية «على مسرحك يا دنيا» عام 1950، سجلتها للإذاعة اللبنانية و»ميّل يا غزيّل» احدى ابداعات سامي الصيداوي.

ومن اجمل اغنياتها الطربية «رقة حسنك وسمارك»، لحن محمد عبدالكريم عازف البزق المبدع، و»برهوم حاكيني» و»الشب الاسمر» من ابداعات فيلمون وهبي الخفيفة الظل، و»يا ريم وادي ثقيف» لطارق عبدالحكيم، الملحن السعودي الراحل، «يا صورة المحبوب» للشاعر ميشال طعمة و»مرلك تبقى مرة» لأسعد سابا وهما من ألحان اللبناني الراحل شفيق أبو شقرا. ورائعة عفيف رضوان لها «غزالي»، و»شوشو يا شوشو»، «انقر يا دف عالطارة»، «يا ماما من باب الطيارة»، «مش هين فراقك يا حنين، «بالسلامة يا حبيبي» وغيرها من اغنيات عاطفية ووجدانية مثل «يا زمان الوفا»، وموشح «بنت كرم» لحنه لها الشيخ زكريا احمد.

najah salam

الأغاني الوطنية

كان مشوارها الفني حافلاً أيضاً بالأغنيات الوطنية النابعة من حسّها العربي وإخلاصها لأرضها، من مصر ارض النيل الى القضية الفلسطينية الى قضية بلدها لبنان وصراعه مع اسرائيل الى الجزائر وسوريا، ومواكبتها للأحداث الكبيرة طوال عقود. غنت «سورية حبيبتي» عام 1973 بعد حرب تشرين مع الراحل محمد سلمان ومحمد جمال، من هنا أطلقت عليها ألقاب عدة مثل «مطربة العروبة»، و»صوت العرب» و»عاشقة مصر» وغيرها، مما استحق أن تنال عنه الأوسمة من رؤساء دول عدة، والجنسية المصرية من الرئيس جمال عبدالناصر. غنت بكل اللهجات تقريباً ومن ملحنين من اليمن والسعودية والكويت وغيرها، وغنت في العراق ففتن بها الشعراء وكتبوا لها القصائد، مثل قصيدة «غنّي نجاح» للشاعر العراقي هادي الخفاجي.

غنت إبان العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956، «يا أغلى اسم في الوجود يا مصر» لمحمد الموجي، ثم «أنا النيل مقبرة للغزاة» للشاعر محمود حسن اسماعيل، ولحن رياض السنباطي، الذي كان من أشد المعجبين بصوتها، لحن لها أيضاً «عايز جواباتك» و «يا ظالمي» وغيرها.

بصمة

صوت نجاح سلام له بصمة في عالم الأصوات الغنائية العربية، أي إننا نعرفه من بين عشرات الأصوات، ذلك أن له هوية وشخصية نابعة من إنسانة شغفت بالنغمة الشرقية والحرف العربي، منذ وعت على الدنيا في كنف والدها محيي الدين سلام الموسيقي الأكاديمي الصارم، وجدها العالم والأديب والشاعر الشيخ عبدالرحمن سلام والذي أطلق عليها اسم نجاح، ودللها، وأخذت عنهما الكثير من عشق الأدب والموسيقى.

نجاحها منذ البداية يعود الى أنها لم تقلد شخصية فنية معينة، بل منذ طفولتها كان لها شخصيتها وأسلوبها في الغناء، بحيث فرضت الموهبة نفسها، وتحدت بها كل المعوقات التي كانت تحول في ذلك الوقت دون احترافها الغناء. ومن ثم تلقفتها مصر حيث طغت الأفلام الاستعراضية التي كانت بحاجة الى كل موهبة غنائية، لتكون نجاح سلام جزءاً من ستة أفلام قامت ببطولتها في مصر، واضافت اليها سبعة أفلام من إنتاج شركتها «سمر فيلم» التي أسستها بالاشتراك مع زوجها الفنان الشامل محمد سلمان، والتي كانت من أوائل شركات الانتاج السينمائي في لبنان.

عرف عنها قولها: «إن الكلام فوضى والغناء نظام»، لذلك تعاملت باحترام وجدية وعلى السواء، مع كل الأنماط التي غنتها الشعبية أو الطربية أو الوطنية.

الخبرة الطويلة

هي من قلة من المطربات اللواتي تملكت من غناء المواويل والارتجالات، وهذا الأمر جاء من خبرة طويلة وعلم استقته من مصادر عدة منذ طفولتها وحتى نضجها، وكان والدها الحريص الأول على تعليمها اصول المقامات، ثم أذنها الموسيقية ومخزونها السماعي وذكاءها الغنائي، فهي تقول ليس كل من لديه موهبة الصوت يعرف الغناء، فالغناء ذكاء وموهبة معاً، وهناك العديد من المطربين والمطربات الذين يملكون الموهبة لكن لا يملكون الذكاء والمعرفة بالغناء. والموال او الارتجال خير دليل على إمكانية المطربة او المطرب وقيمته الفنية. بدليل ان هذه القامة الفنية حين اعتلت المسرح قبل فترة أثناء تكريمها وهي تقارب الخامسة والثمانين، أبت إلا أن تبدأ بموال، فأثبتت مرة أخرى ان الغناء ذكاء فتحايلت على عمر الحنجرة وأظهرت جمال أوتارها كحرير لم يؤثر فيها مرور الزمن إلا قليلاً.

ولعل تربيتها الدينية وتعلمها اصول قراءة القرآن على يد والدها، ساهمت بشكل كبير في إتقانها لفظ الحروف ومخارج الكلمات، فكانت سمة أدائها النطق الواضح بل والجميل على الأذن من هنا شهادة «مجمع اللغة العربية» الذي قرر بالاجماع ان نجاح سلام هي أفضل من نطق الفصحى في جيلها وعصرها من المطربات».

شهادات

قال عنها محمد عبدالوهاب: صوت نجاح سلام يتحدى الزمن، إنه الصوت الذي لا يشيخ أبداً«. اما رياض السنباطي فوصفها بقوله: نجاح سلام الصوت الأمين. أما الرئيس جمال عبدالناصر فبعد حفلة وطنية كان حاضراً فيها، قال لها: ما أجمل لبنان. قالت: لكنك لم تزره بعد، قال: بل زرته من خلال صوتك.

وعلى أثر غنائها مع محمد سلمان للأنشودة الشهيرة، «لبيك يا علم العروبة»، توالت الاناشيد الوطنية من قبل الفنانين الاخرين وغنت نجاح «أنا النيل مقبرة الغزاة» الذي قال عنه عبدالناصر: «هذا النشيد بمثابة المدفعية الثقيلة لنا، وهذا هو الفن الذي نحتاجه في هذه اللحظات الخطيرة من تاريخ أمتنا». اما موشي دايان فقال إثر سماعه أناشيد نجاح سلام: «أوقفوا هذا الصوت إنه يهز عرش إسرائيل».

بعض ما ذكرناه أعلاه: خطه قلم الكاتبة سمر محمد سلمان، ابنة الفنانة نجاح سلام ضمن الكتيب المرافق للاسطوانة، وفيه بعض من سيرتها وآراء لفنانين عن صوتها، وتختتم الكتيب كلمات بقلم نجاح سلام، تقول فيها:

«الغناء مسؤولية واحترام للذات والمتلقي.. هو وجهة نظر وذوق ورؤية.. وهو متعة وإحساس صادق يخرج من القلب ليدخل الى القلوب. فالاغنية الجيدة تعيش على شفاه الناس لتصبح جزءاً من وجدان الشعوب تشاركهم أفراحهم واحزانهم، ليعرف من غناها بصدق معنى الخلود.. نجاح سلام».

******

(*) جريدة المستقبل (2 إبريل 2016)

One comment

  1. يقول RAMZI HOURI:

    THE GREAT LEBANESE LEGEND NAJAH SALAM

اترك رد