“تجديد الفكر الدينى” … تحليل الخطاب الديني الإسلامي وموقعه في محيط مضطرب

yousri al 3azbaoui

د. يسرى العزباوي

صدر أخيرًا للمفكر نبيل عبد الفتاح مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية كتاب  “تجديد الفكر الدينى” ( المركز العربي للبحوث والدراسات)، يتناول بالتحليل قضايا وإشكاليات، يأتى على رأسها محاولة الإجابة عن تاريخية وسؤال التجديد فى الفكر والخطابات الإسلامية، والأسباب التى تقف وراء جمود الفكر الدينى وسؤال التجديد، والخطاب الدينى الإسلامى فى واقع سياسى مضطرب.

كذلك يتناول المؤلف الإطار التاريخى لأزمة الفكر الدينى الإسلامى، والفرق بين التسلطية السياسية والتسلطية الدينية، والسياسة الدينية المحافظة فى عهدى السادات ومبارك. فضلا عن تناوله لأزمة العقل السياسى الإخوانى والسلفى، وأزمة التعليم والإعلام والأمن، واتساع السوق الدينى وحرب الفتاوى الفضائية، وغيرها الكثير من القضايا التى تناقش استمرارية الجمود والمتغيرات فى الفكر الدينى واضطراب الأسواق الدينية.

وفي هذا الإطار يناقش الكتاب أيضًا الأصول التاريخية والسياقية لطرح مسألة التجديد والإصلاح الدينى وأسبابها، وتطوراتها، وإبراز ماهية المتغيرات التى شملت هذه الدعوة القديمة الجديدة. تطرح الدراسة عديد الأسئلة والملاحظات ولا تقدم إجابات حاسمة فى هذا الصدد.  كما يقدم الكتاب تأصيلا وافياً، ورؤية حول مدارس التجديد ومشاريعه، والعطب البنيوىفى نسيجها، فى عديد مراحلها، فضلاً عن مناقشة تاريخية لأسئلة التجديد فى الفكر والخطابات الإسلامية، وضبط بعض المصطلحات والمفاهيم السائلة.

ويؤكد المؤلف بأن تجديد الفكر الإسلامى، هو تجديد أولى فى بنية العقل الإسلامى يرمى إلى إحداث تحولات فى نظم التفكير والمقاربات المنهجية وآليات التفكير والبحث والمقاربة تستهدف إعادة النظر فى بنية الموروثات الفقهية والأفتائية، وذلك بهدف تطوير وتجديد العلوم الإسلامية النقلية والكلامية، وإعادة النظر فى دراسة هذه العلوم من منظورات متعددة، والسعى إلى مقارباتها تاريخياً وسياسياً وسوسيو- ثقافياً. أن المسعى التجديدى يرمى إلى طرح الأسئلة والإشكاليات الجديدة ومساءلة الإجابات القديمة، وإعادة المساءلة، بهدف تحريك الجمود العقلى، والنقلى، ومواجهة أسئلة العصر المعولم وما بعد الحديث وما بعدهما من خلال الاجتهاد العقلى والشرعى والفلسفى والسياسى.. إلخ.

guilaf fikr dind

يوضح أن ثمة احتمالات  على التغيير فى الخرائط الجيو- سياسية، والجيو- دينية والمذهبية، فى ظل الاضطرابات والتغيرات فى الإقليم العربى، وتأثير دول الجوار الجغرافى العربى على التفاعلات السياسية والدينية والمذهبية داخله، ومن ثم لن تستطيع الإمكانات المالية الضخمة لدى بعض الدول، ومذهبة سياساتها الدينية الداخلية والإقليمي أن تساعد على تماسكها الداخلى، لاسيما فى ظل بعض مظاهر الفشل فى الإدارة، وفى أداء سياساتها الخارجية والداخلية. يبدو أيضا فشل بعض تجارب الإسلام السياسى فى السلطة تلقى ببعض ظلالها السلبية على الإيديولوجيا الإسلامية السياسية، وطرائق التجنيد والتعبئة والتمدد، وهو ما سوف يؤثر على جاذبية هذه الأفكار فى تنظيم المجتمع والدولة.

 التحديات الأخرى التى تواجه الفكر الدينى المحافظ والمتشدد السائد، تتمثل فى:

أولاً: التباس العلاقة مع الزمن حيث تسيطر التجربة التأسيسية، والمذاهب الإسلامية الأساسية فى الفقه السنى على بعض من إدراك الزمن لدى رجال الدين المعاصرين، وذلك بوصفه عودة ورجوعًا إلى زمن مثالى يضفى على بعضه مسُّ من القداسة، أو غلالة عليه، ومن ثم يؤثر ذلك على طريقة مقارباتهم للظواهر الاجتماعية والثقافية والسياسية المعاصرة، وتفهم جوانبها المعقدة والمركبة، ويحاولون التعامل معها بذات الأدوات الموروثة من أصول الفقه، لا سيما القياس فى أمور قد لا يصلح فى بعضها آلية القياس وممارساته فى التقليد الإسلامى.

ثانياً: تحدى ضرورة تجديد نوعى فى مناهج الدراسة وموادها فى التعليم الدينى الأزهرى، والمدنى معاً، من أجل إنماء العقل النقدى والتحليلى والتاريخى وضرورة إدخال الفلسفات الحديثة والعلوم الاجتماعية والألسنيات فى هذه المناهج فى عديد مراحله، وربما منذ المرحلة الإعدادية حتى التعليم الجامعى.

ثالثاً: تحدى ضرورة إدماج المدارس الإسلامية والتجديدية المعاصرة فى دارسة الفكر والتاريخ الإسلامى ضمن مناهج التعليم المدنى والدينى معاً، وذلك من منظور نقدى وتاريخى لبيان أوجه النجاح أو الفشل فى مقارباتهما لموضوع التجديد والإصلاح الدينى.

رابعاً: دراسة الأديان المقارنة وفق المناهج السائدة فى علم الاجتماع الدينى والأنثربولوجيا ويشكل هذا المطلب تحديا للفكر الدينى التقليدى الذي يرى فى ذلك خطراً على تكوين طلاب المعرفة الدينية، فى حين أن ذلك يوسع من أفق التفكير النقدى وممارساته البحثية على اختلافها، بل ويؤدى إلى تأصيل المشترك بين القيم الدينية، والإنسانية، وإلى إبراز التمايزات بين الأديان والمذاهب.

*****

(*)  للمركز العربي للبحوث والدراسات

اترك رد