لمناسبة عيد بشارة العذراء مريم، الذي يقع مبدئيّاً نهار الخميس في 25 آذار، أقام مركز الدراسات المريميَّة في جامعة سيَّدة اللويزة، نهار الاثنين 21 آذار، لقاءً مع طلاب الجامعة حول معنى المناسبة. وقد حاضر فيها الأب عبدو أنطون، مدير المركز، مركَّزاً في محاضرته حول “تكرّس مريم لله” استناداً إلى نصِّ البشارة كما ورد في القرآن والإنجيل. إذ أنَّ القرآن يشدّد على ذكر اسم مريم والإنجيل ينوّه بالطوبى المعطاة لها. ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ…﴾ (سورة مريم 16).«…. فهوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبني» (لو1/48)
وقد قسم موضوعه الى ثلاثة أقسام:
1-تكريس مريم من قِبَل أُمها (امرأة عمران حسب القرآن):” قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ:﴿رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا..﴾. فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ: ﴿رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى،… وَسَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَأُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ﴾(آل عمران35- 36). فتكون بذلك مريم، بحكم صلاة أمها لها وإيمانها بأنَّ الله يستجيب الصلاة، محفوظة من أيّ سلطة للشر عليها وبالطالي معصومة من الخطأ. ويقابلها في المسيحيَّة عقيد الحبل بلا دنس منذ اللحظة الأولى للحبل بها. وهي بذلك معصومة من وصمة الخطيئة.
2-اصطفاء مريم من قبل الله. وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ:﴿يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ، وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ﴾ وقَالَتِ الْمَلائِكَةُ: ﴿ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ، عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾ (آل عمران42-45). فالاصطفاء الأول هو اختيار مريم وتقديسها مباشرة من قبل الله، والاصطفاء الثاني هو دعوتها الفريدة، أيّ أنَّ الله اصطفاة من بين سائر نساء العالم وميَّزها بدعوة سامية ومقدَّسة وهي أن تحمل كلمةً منه. ويقابلها في إنجيل، أنْ دخل إليها الملاك وقال: “السلامُ عليك أيَّتها المنعمُ عليها، الربُّ معكِ، مباركةٌ أنتِ في النساء…ها أنت ستحبلين وتلدين ابناً و تسمّينه يسوع…هذا يكون عظيماً وابنَ العليّ يدعى…»(لو 1/28). وحسب نصّ الإنجيل، فالكلمة التي يبشر بها القرآن مريم ليست سوى كلمة من ذات الله أي منبثقة منه. لذا فإنَّها تحمل في ذاتها ذات الطبيعة الإلهيَّة.
3-تكرّس مريم نفسها لله. كما راينا كيف أنَّ والدة مريم قد استودعتها بين يدي الله كي يحميها من الشرير وكيف أنَّ الله قد اصطفاها وودعاها الى رسالة على مستوى الألوهة. قَالَ الملاك: ﴿إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا﴾. قَالَتْ مريم: لذا لا يغيبنَّ عنَّا أنَّ مريم نفسها قد عاشت طيلة حياتها نقيَّة طاهرة حتَّى قبل دعوة الله لها. فقال للملاك ﴿ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا ﴾ (سورة مريم 20). وكذلك في الإنجيل «قالت مريم للملاك:” كيف يكون هذا وأنا لا أعرف رجلاً. فأجاب الملاك: “ الروح القدس يحلُّ عليك، و قوَّةُّ العليّ تُظلِّلك، فالمولود منك يدعى ابن الله»(لو1/34 //لو1-35).
وفي الختام، نوَّه الأب عبدو بأهميَّة الصلاة والاتكال على الله. فالإنصياع لإلهامات الروح القدس يُدخلنا في مشروع الله الخلاصي. فالصلاة، لنا وللآخرين، تجعلنا نفهم مشيئة الله وتقودنا بلا شكٍّ الى التكرس له. فالله رحوم ورحمته هي خلاص الانسان وقداسته، غير أنَّ الانسان لا يستطيع شيئاً من تلقاء نفسه. لذا فالقرآن نفسه يقول ﴿…وَلِنَجْعَلَهُ[عيسى] آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا…﴾ (سورة مريم 21 ). وفي الإنجيل تقول مريم: «تُعَظِّمُ نَفْسِي الرَّبَّ،… لأَنَّ الْقَدِيرَ صَنَعَ بِي عَظَائِمَ، وَاسْمُهُ قُدُّوسٌ، وَرَحْمَتُهُ إِلَى جِيلِ الأَجْيَالِ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَهُ.» (لو 46/1-50)