مازن عبود
(كاتب- لبنان)
تطلع فرأى السماء تذرف دمعاً على وجنة الكوكب. سأل الدموع من اين اتت وكيف. التمعت الدمعة بسحر الومضة والومضة انعكاس الشمس على سطح القطرة.
قالت:” انا دمعة ذرفها من هو فوق على من هم تحت، علهم بالماء والروح يحيون. اجتمعت القطرات وصارت جدولا سقى الأرض اشواقا واخرج منها عرائس النبات التي عانقت الشمس فحصدت اشعتها وحولتها اطعمة اشبعت الجياع وكل من يتوق الى كلمة او خبز يحيي. ارتوت البشرية وشبعت خبزا، من دموع من هو فوق وملائكته.
نعم انا دمعة حملها الجدول الى البحر وفي طريقها رفعتها حرارة الشوق الى الحرية، فطارت الى العلى، صرت سحابة من دموع وعطور استقرت على مشارف العالم وعلى سطحه ومجدت الخالق في الخليقة. وما الخليقة قبل السقوط الا صورة الخالق. سحابة عانقت الريح وتبعتها في صمت وطاعة. وما الطاعة يا بنيّ في الحق الا خروج النفس من شرنقة الانا الى العالم الأرحب.
نعم انا قطرة التهمتها نفس متعطشة الى مياه الحياة فكبرت وذرفتها دمعة الم وندم وتحسر على خاصرة التراب فأمتصها ودخلت في احشاء الأرض وتجمعت هناك قطرات الم الأيام وتفجرت محبة، فخرجت ينابيع من ماء روت الظمآن. مياه احتساها الطير وكل حيوانات الغاب.
انا دمعة بلغت البحر واغنته ملوحة ومياه، قطرة امتصها الأزرق الكبير، ذاك المالح الذي طوى في احشائه الاجسام الندية والفقراء والمتعبين الهاربين من ظلم عوالمهم الى اصقاع غريبة. اكتشفت العظام المكدسة في الأعماق وحضارات البشر البائدة وقصصهم، رأت الحيتان والسلاحف والاسماك وكل نباتات وحيوانات وعوالم البحر، فمجدت الرب ورفعت التسبيح من الماء وما تحته الى من فوقه. قطرة زارت الأرواح المحتجزة من قديم الزمان، وبشرتها بقرب الخلاص. ابلغتها انّ اله الفجر قادم لا محالة.
ومن ثمّ عمت على السطح وناديت الريح التي انزلتني ان تعود فتصعدني لأنه لا بد لمن نزل ان يعود فيصعد بفعل حرارة الايمان والمحبة، فكان ان حملتني على متنها وارتني العالم من فوق. حزنت كثيرا اذ شعرت انّ الدنيا قد غرقت في لعنة الحروب والإنسانية في حضارة الإلغاء. انغمست الإنسانية في الوحول وما عادت القطرات البشرية قادرة على الصعود الى حيث تنتمي ضاعت في التراب. والانسان روح وماء وطين، والماء تصير روحا بدورها كي تحملها والا علقت تلك في الطين وأصبح قدرها الغرق والانغلاق والموت وأضحت محتجزة ما تحت الأرض
.انا قطرة نقية لوثها البشر بنفاياتهم وطمعهم فانحدرت الى قعر الحفر الصحية والى أدني الدركات الموت، فصرت الوث كل ما المس حتى استعادها رب الغيوم وطهرها بنار الشوق وشعاع الغفران والمحبة، فاستعدت نقائي وعدت الهو مع الريح والامس سطح العالم.
انا قطرة ان غابت عن الأرض غابت الحياة، وحل الجفاف. انا رسالة يخاطب بها من فوق كائناته ناقلا إليهم محبته. رسالة ان جفت انتفت الحياة، وها انّ من تحت يعبثون بالحياة حتى موتهم المحتم ويلطخون صورة الخالق حتى الزوال. خوفي ان يندر وجودي وعندها الا فاعلم يا صبي ان حضارتكم قد صارت الى زوال”.
صمتت القطرة. والصبي استكان واخذته الدهشة والعجب. نظر في القطرة وأبصر من خلالها الكون كل الكون وجمالاته على اشعة الشمس. حمل النقطة التي سقطت على سطح قرميد منزله ووافته كي تبلغه كل تلك الرسائل. حفظ قصتها في قلبه، وأدرك انّ لها كما لكل العناصر قصص تتلوها عليه كي يكبر في الفهم ويدرك المعنى الحقيقي للحياة.