حكي

mazen aboud

مازن ح. عبود

(كاتب -لبنان)

توقفت سيارته اذ توقفت حركة السير قبالة بيت “كوكب”، وفجأة رجعت سيارة الى الوراء ولطمت سيارته. ولم يفلح “زموره” ولا صراخه بإخطارها بوجوده. فحصلت الواقعة، وقد توقع من المعتدي ان ينزل ويطمئن عليه ويعتذر. الا انّ هذا لم يحدث. انتظره لدقائق، الا انّه لم يبن. فظنّ ان في الامر سوء نية ما، كيف لا وهو من مرجعيات الناحية المستهدفين.

ترجل شخصيا وتوجه صوب السيارة المعتدية. فوجد السائق مسترخيا. سأله: ” من انت يا ابن المرأة؟ لماذا صنعت بي هذا يا هذا؟ اما تعلم من أكون يا ابن آدم؟”. فتطلع به المعتدي متعجبا، وقال “ماذا تقول يا هذا؟ انت من صدمني، وتأتي كي تعاتبني؟؟ “. فقد كان الأخير كما الكثير من اهل تلك الناحية تحت تأثير المخدرات التي راجت جدا.

ولولا لم تطل “كوكب” من شرفتها مستفسرة عن أسباب الاعتداء، لكان ظنّ فعلا بانه قد اعتدى، ولكان امّ عيادة الدكتور “فرشو” بحثا عن الأسباب التي قد تكون نابعة عن مرض “اذى الهامر” أي “الالزهيمر”. وهو مرض سمع عنه بانه يقلب الرؤوس الكبيرة كرأسه ويمحوها، ومفعوله ك “الهامر” الرباعي الدفع المعادلات.

ركل سيارته جانبا، وقف، سحب سيكارة من جيبه، قلبها عن غير قصد، ووضعها في فيه، وحاول ان يشعلها، الا ان الفلتر لا يشتعل، ولا بصاق الفم بترول يشعل التبغ المبلول. فكان ان افتقد الى النيكوتين اللازم لحسن سير خلايا دماغه وتعزيز شجاعته، فوجد في مأوى “كوكب” ضالته، فللنسوة مفاعيل النيكوتين ايضا.

استجمع قواه وراح يصعد الى علية “كوكب”، وفي باله انّ ما جرى معه محاولة اغتيال موصوفة لشخصه الكريم بوصفه رمزا من رموز طائفته المرموقة. فالحرب الوجودية دائرة ما بين الطوائف والمسألة مسألة وجود في هذا الشرق، ف “اما ان نكون او لا نكون”.

وما هي الا لحظات حتى عصفت سيارة أخرى بالمكان، وكاد يطير وهو يتسلق الدرج. ارتعد اذ اعتقد ان لمحاولة اغتياله فصول أخرى لم تنته. وبخاصة انّ “ظريفة يا لطيف” كانت قد توقعت اغتياله واحوال الطقس المرتقبة وأسعار العملات وما شابه من الموضوعات. تمترس وراء حائط الدرج وراح يرصد المشهد، فلمح شابا يقود سيارة مألوفة، ورقمها مألوف، فأرتعد. وعاد الى صوابه، فاستنتج ان السائق المتهور كان بكره. فسحب من جيبه هاتفه النقال، ضرب رقما، وسمع يقول: “الو دجو بابا… مطلوب انت فورا الى هنا على جناح السرعة حيا او ميتا، ابوك في ملطى “كوكب”.

امسك سيكارته وراح يرصد كيف تجري النار في عروقها وتحرقها، فقال “هكذا هم الأولاد، كالنار يحرقون الاهل ويجعلونهم يدخنون”. نفض يديه، ورجع الى الوراء، رمى السيكارة، بصق ولعن الشيطان. ثمّ سمع يتكلم ويتمتم: “ها انّ الوقت قد حان كي يزحف دجو كالحية”.

وفي غضون دقائق، ووافى الصبي الى العلية، وقد برر عملته للوالد بفحص الدواليب الجديدة. اما الوالد فقد اسمعه قصة الحية التي فقدت أرجلها الأربع بفعل تمردها وعصيانها وصية خالقها ومبدعها، فصارت تزحف، زحفا. سلبه المفاتيح، وارسله يزحف ماشيا كحية الى المنزل.

سرت نسوة علية “كوكب” بالتدبير الكتابي في بداية زمن صوم الروم والاسبوع العظيم لدى الكاثوليك. اذ انّ النسوة كنّ منكبات على تحليل توقعات “ظريفة يا لطيف” ومناقشة أسباب تفاوت مواعيد الصوم ما بين شقي الكنيسة لهذا العام بهذا الشكل، وذلك على أثر اتهام بطريرك الكاثوليك الضمني لبطريرك الروم بالتقاعس، و”لولا لقاء كوبا ما بين بطريرك المسكوب وبابا رومية في ضيافة الرفيق كاسترو، لكانت البشر قد اختنقت”، بحسب القائد الذي نجا لتوه من مسلسل الاغتيالات. وقد بدا مهتما بجدول اعمال المجمع الكبير لكنيسته والمناخات ما بين البطاركة ورؤساء الكنائس، والمستقبل والتنجيم. فكان ان استحوذ اعجاب كل النسوة وتقديرهنّ، حتى انّ “أولغا” المرشحة عن المقعد الاختياري للحارة التحتا انبرت من بينهنّ واعتلت “الصوفا” (المقعد) وألقت خطابا مديح طنان فيه.

هذا كان غيضا من فيض اخبار الضيعة المواجهة لوادي الجماجم، التي قال فيها الخوري “طنسى” المفوه بأنها “غارقة في قشور الدين حتى الضياع، وفي التنجيم حتى الإحباط، وفي الولاء للزعامات حتى العمى والعبودية. هرب اناسها من الواقع الى الوهم، سكن شبابهم الكذبة والإحباط حتى صارت المخدرات خبزهم اليومي، وتغلغل الخوف في الازقة وزهّر قصصا مضحكة”.

اترك رد