المحطة

الأديبة ميشلين حبيب

أوكلت الرحمة ثلاثة من خدامها ليهتمّوا بالمكان، مكان أصبح محطة تنتظر قدوم الموت ليحصد كل مرة micheline newغرفة.

تركتها أمها في عمر الثماني سنوات. تزوج أبوها وتركها وحدها في بيت كبير؛ طفلة فهمت معنى اليتم الحقيقي لأم ماتت وأب حيّ أمات نفسه. أخذتها قريبتها واهتمت بها. تعرّفت بشاب تزوّجها ووضعها في بيت كبير. لم تضطر للعمل أبداً إلا على خدمته وتسخير جسدها لسوطه الجلدي و”الجسدي”.أنجبت طفلين تحت قصف الحب الزوجي. ذات يوم أحضر رفيقة، وفي يوم آخر أحضر أخرى. أرادت الهرب إذ لم يعد هناك من مسكّن لألمها. وصمتت… طفلاها صغيران. ربتهما إلى أن كبرا وأصبحا مراهقين. عندها هرب بها الألم وسكنت الغرفة رقم ستة.

عشقت الأدب وكتبت الخواطر ورافقت الكتّاب والسفراء والأدباء والأطباء. الأب صديق مشجّع واع وذو عقل منفتح. تأثرت به وآثرت تجنب الأم ذات العقل الضيق والصدر الأضيق. شخصية حيوية وقوية تقتحم الحياة وتلاعبها وتعيشها. إخوة وأخوات لم يضاهوها فوجّهوا حقد غيرتهم اليها. أغدقت عليهم من كرمها فتعلّموا وتزوجوا وسكنوا بيوتا اشترتها هي . وقفت وحيدة ثم رافقها المرض. سكنت الغرفة رقم ثمانية.

أجنبية أتت من بلد آخر وسكنت مع من اسمه زوج في بلده. أفهمها معنى الغربة بكل حدة وقوة وعمق… دعمه في ذلك والدته وأخواته. قاومت وصمتت وعاشت وأنجبت فهي آتية من بلد مناضلين. تحمّلت بقوة، لكن عظامها خانتها في النهاية. خافت على عظام ابنها ذي الأربعة عشر عاما، حملته وأتت به وناما أمام الغرفة رقم سبعة إلى أن سمحوا لها بالسكن فيها.micheline

لم تعرف والديها، أخذهما حادث سيارة وهي صغيرة. عاشت يتيمة مع أخوين. وقد أخذ ذلك الحادث أيضا نضجها العاطفي. لم تفهم الحب ولم تقدر على منحه. سكنت الغرفة رقم عشرة.

تقدّم بها العمر وتقدّمت به. أصبح البيت كبيراً عليها. جاء ابنها من البلد البعيد، باع البيت، أخذ ماله وتركها. تشرّدت ولم تُعر ابنتها الأمر اهتماما. سكنت الغرفة رقم 21.

لم تتزوج ولم ترد إزعاج أحد. ركبت سيارتها وأتت تسكن الغرفة رقم 18.

هكذا قررت. لطالما كان قرارها بيدها ، والآن، لن يختلف الأمر. حملت كتبها ومسبحة الصلاة وأتت تنتظر موتاً لا يخيفها … سكنت في الغرفة رقم 5.

خانتها قدماها فأصبحت عبئا، لكن ليس ثقيلا جداً، إذ قبلت تلك الرجلان أن تقوما ببعض الخطى. أتت وسكنت الغرفة رقم 9.

مات ابنها. ابنتها متزوجة وحفيدها يحبها. زوجها توفي منذ زمن. تعودت هي على حياة الرفاهية والعز. وما زالت تعيش في ذكراها في الغرفة رقم 11.

كانت تقود سيارتها وهي ترتدي ملابس جميلة وتعتني بنفسها، وفجأة فقدت إرادة الحياة وهي مستلقية دائما في السرير في الغرفة رقم 12.

شقراء، طويلة القامة، بيضاء البشرة إلى حد ناصع، تفهم الألوان وتستعملها. رآها في بلدها وتزوجها، فلونها مرغوب جداً في بلده. أنجبت طفلين. وهي الآن في الغرفة رقم 20.

*****

(*) من مجموعتها القصصية الجديدة

بالاشتراك مع aleph- lam

www.georgetraboulsi.wordpress.com

اترك رد