لماذا جماعة عمان لحوارات المستقبل -8- المهمــــة.. والهــــم.. والهمــــة

الكاتب بلال حسن التل

قلنا في المقال السابق ان بناء الثقة والأمل هما اولويتنا في جماعة عمان لحوارات المستقبل، في سبيل bilal talمقاومة روح اليأس والاحباط المتنامية لدى شرائح واسعة من ابناء مجتمعنا…وهذا يقودنا الى الحديث عن اولوية اخرى مرتبطة بأولوية بناء الأمل والثقة بل لعلها متقدمة عليها، تتمثل في بناء ثقة الافراد بانفسهم وبقدرتهم على التغيير، وهذا يستدعي ان نذكرهم بجملة حقائق كونية غالبا ما تغيب عن الاذهان في زحمة الحياة اليومية، وفي ظل سيطرة التشاؤم والاحباط، واول هذه الحقائق هي ان التغييرات الكبرى في المجتمعات بل وعلى مستوى البشرية بدأت بأحلام صغيرة راودت كل منها مخيلة وفكر فرد بعينه، فعمل على تحويلها الى حقيقة ملموسة في حياته، ثم في حياة الناس، وبدأ يحشدهم حولها دونما استسلام للمحبطات وللمعيقات، بل وللمقاومة التي تبديها في العادة قوى الشد العكسي التي ترفض كل تغيير وتقاومه.

ان اية قراءة متأنية لحياة اي مصلحٍ او رائدٍ من رواد التغيير في اي مجال تؤكد هذه الحقيقة التي تظهر اكثر وضوحا في حياة الانبياء والرسل، ذلك ان كل واحد من هؤلاء الانبياء والرسل بعث الى قومه فردًا منفردًا، فقاوم كل قوى الفساد والطغيان والأعراف والمعتقدات السائدة، وظل يسعى الى تغيير واقع مجتمعه لسنوات وسنوات، بل ان بعض الانبياء والرسل استمرت معاناته لعقود من اجل تغيير واقع مجتمعه، ولحكمة ارادها الله سبحانه وتعالى بعث الرسل فرادى، ليعلم البشر ان الفرد هو اساس التغيير، ولحكمة ايضا كتب الله على رسله المعاناة الشديدة قبل ان يتمكنوا من تغيير مجتمعاتهم لتكون سيرهم نبراسًا لسائر البشر، يتعلمون منها انه ما من شيء سهل وان للتغيير وهو (اصعب مهمة يتصدى لها الانسان) لها شروطها واسبابها، التي لا بد من ان يأخذ بها كل من يريد التأثير في مجتمعه واحداث تغيير في هذا المجتمع، وهي حقيقة يجب ان لا تغيب عن جماعة عمان لحوارات المستقبل.

وربطًا بالاستلهام من حياة الانبياء والرسل ومثلهم المصلحين الذين احدثوا تغييرًا في مجتمعاتهم، وتأكيدًا على دور الفرد واهميته، لابد من ان نتأمل كثيرًا في معنى ودلالات التكليف الالهي للانسان، ولماذا تم هذا التكليف بصورة فردية، مما ترتب عليه ان يكون الثواب والعقاب على اساس فردي، على قاعدة: (وأن ليس للإنسان الا ما سعى وأنّ سعيه سوف يُرى)(النجم:40،39) وقاعدة: (ولا تزر وازرة وزر اخرى)(الانعام:164) و(فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره)(الزلزله:8،7) والمتأمل في التكاليف العقدية والتعبدية يجد انها تكاليف فردية لذلك كان الخطاب للانسان الفرد، فكثيرة هي الايات التي تبدأ بالخطاب للانسان في مثل قوله تعالى: (يا ايها الانسان انك كادح الى ربك كدحاً فملاقيه)(الانشقاق:6) وهذه سمة تلتقي بها كل الشرائع السماوية، لايماننا المطلق بان الدين واحد وان تعددت شرائعه، وكل هذا يصب في تعظيم قيمة الفرد، ودوره في الحياة، ومسؤوليته الفردية فيها، وهو ما بينه رسل الله جميعا..

ومن ذلك قول سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) وقوله: (انت على ثغرة من ثغور الاسلام فلا يُؤتين من قِبلك)، من هنا انصرف همُّ الانبياء والرسل جميعا الى اصلاح الفرد عبر تربيته وتعليمه وإعداده إعدادا سليما، لأن صلاح الفرد هو اساس صلاح المجتمع.

ومثل الخطاب الديني في تركيزه على الفرد، ذهب خطاب المصلحين والتربويين الى التركيز على إعداد الفرد إعدادا يمكنه من تحمل مسؤولياته، والقيام بدوره في المجتمع. ولكي يقوم الفرد بدوره ويتحمل مسؤوليته تجاه نفسه وتجاه مجتمعه، لابد من ان يؤمن انه مكلف بمهمة في هذه الحياة تجاه نفسه وتجاه مجتمعه، تحدد ملامحها قدراته وامكانياته وقناعته بأنه صاحب دور يقع عليه واجب ينبغي له ان يؤديه كي يستطيع المطالبة بحقوقه.

وحتى يستطيع الانسان الفرد ان يؤدي مهمته فإن هذه المهمة يجب ان تصبح همّه وشغله الشاغل، وان تستغرق فكره وجهده في كيفية ادائها على اكمل وجه، مما يوجب عليه ان يكون صاحب همّةٍ تعينه على اداء هذه المهمة، وهنا يقع التفاوت بين الافراد، حيث يمتاز النشيط الفاعل الايجابي المؤثر، عن الخامل السلبي الذي يرتضي لنفسه ان يكون على هامش الأحداث، بل وعلى هامش الحياة، ينفعل ولا يفعل، ويتأثر ولا يؤثر، ويكثر من اختلاق الأعذار لتبرير خموله وتقاعسه وسلبيته، ومن ثم احباطه ويأسه وهو مالا نريده لأحد منا.

خلاصة القول في هذه القضية: ان جماعة عمان التي تسعى لتكون حركة تغيير تنويري لمجتمعنا على راس اولوياتها، محاربة اليأس والاحباط، واستبدالهما بالأمل والثقة، يجب عليها ان تجعل على رأس قائمة اولوياتها السعي لبناء الانسان الايجابي الفاعل من خلال تفجير الطاقات والامكانيات الفردية، وتوفير المناخات السليمة لحسن توظيف هذه الامكانيات والطاقات في عمل جماعي، يحقق الهدف في إحداث التغيير نحو الأحسن، وهو ما لم يتم الا إن آمنّا بان كل فرد من افراد المجتمع مهم وقادر على العطاء، وحركنا فيه الاحساس بالمسؤولية تجاه نفسه ومجتمعه من خلال أنه مكلف بمهمة الاسهام في الإعمار، التي يجب ان تكون همه وان عليه ان يشحذ همته لأداء مهمته.

*****

 (*)  رئيس “مركز البيرق للدراسات والمعلومات” ومؤسس “جماعة عمات لحوارات المستقبل” وصاحب وناشر جريدة “اللواء” الأردنية.

اترك رد