الكاتب بلال حسن التل
استعرضنا في المقال السابق بعض المزايا التي تأمل جماعة عمان لحوارات المستقبل بأن تميزها عن غيرها من الهيئات والجماعات الاهلية والمدنية، بعد ان جاءت جماعة عمان كخلاصة لمشاورات مطولة جرت مع أهل الرأي في بلادنا، في اطار السعي لايجاد نواة للتفكير والتفكر في قضايانا الوطنية والقومية والانسانية، بأسلوب جماعي ينقذنا من النظرة الأحادية التي طالما زادت قضايا مجتمعنا ومشاكله تعقيدا، ولتكون هذه النواة اطاراً يعمل من خلاله اصحاب الاختصاصات المختلفة والخبرات المتنوعة، ليكمل كل منهم ما عند الآخر، فيقدمون للوطن والأمة رؤية متكاملة حول كل قضية من قضاياه،
والجماعة بهذا المعنى تتحول في جانب من جوانبها الى اطار تربوي ينقذ اعضاءها اولاً من واحدة من أخطر الآفات التي اصيب بها مجتمعنا، أعني به آفة الأنا والأنانية، وهي الآفة التي تجعل المصاب بها يظن نفسه محور الكون، وانه وحده يمتلك الحقيقة، فيسعى الى طمس اي رأي آخر، فالفردي والأناني أعمى عن الحق مستبد برأيه، ولعل تحكّم الأنا والأنانية في مجتمعنا هو الذي حرم هذا المجتمع من روح الجماعة والعمل الجماعي، الذي تتكامل فيه الجهود وتُسد الثغرات، ومن ثم فإن انحسار روح الجماعة والفريق من مجتمعنا لحساب الأنا والأنانية قد زاد من شرذمة هذا المجتمع وانقساماته، ومن ثم خسرانه للكثير من المبادرات الخلاّقة، التي كان نجاحها يحتاج الى العمل الجماعي المتجرد من الهوى، الذي يغذي نزعة الفردية والأنانية من جهة، وجعله اكثر استجابة لمحاولات الاختراق السياسي والاجتماعي، وصولا الى الاختراق الذي تمارسه جماعات العنف التكفيري، فالفرد الذي لا ينتمي الى اطار جمعي يحميه، يكون اكثر عرضة للانحراف، ويكون اكثر سهولة في السقوط. لذلك كانت الاسرة ومثلها المدرسة من أهم حواضن الانسان وحمايته.
وعندما تنجح جماعة عمان في تقديم نموذج متميز في العمل الجماعي، فإن ذلك سيكون عامل توعية للمجتمع على اهمية العمل الجماعي، ومن ثم فإن البعد التربوي لجماعة عمان سيمتد من اعضائها الى سائر مكونات مجتمعها، وهذه من اهم مزايا التربية بالقدوة العملية التي نأمل ان تقدمها جماعة عمان لحوارات المستقبل لمجتمعها.
وحتى تنجح جماعة عمان في مهمتها الرئيسة في تقديم حلول عملية علمية لمشاكل مجتمعنا، فإن عليها ان تدخل في تفاصيل كل قضية ومشكلة لتقف على ابعادها ومكوناتها الحقيقية، فآفة مجتمعنا هي اننا نأخذ مشاكلنا بالجملة، ونتعامل معها بالعموميات، فنتحدث عن الاقتصاد بالعموم، وعن التعليم بالجملة، وعن قضايا الثقافة والاعلام بالمطلق، الأمر الذي لا يمكّننا من الوصول في كثير من الأحيان الى جوهر المشكلة، ومن ثم الى العلاج الحقيقي المطلوب لها، تماما مثلما يخطئ الطبيب في تشخيص المرض، ومن ثم في تحديد الدواء المناسب إن لم يحسن المريض عرض أعراض مرضه على حقيقتها تفصيلاً.. ولعل هذا التعميم في تناول المشاكل والقضايا والملفات سببا من اسباب تفاقم مشاكلنا ومن ثم تفاقم معاناتنا منها، وهنا تبرز ميزة اخرى لجماعة عمان، هي انها لا تتوقف عند العناوين العريضة، بل تدخل في تفصيل كل ملف فتفككها من خلال التفكير في كل تفصيلة من هذه التفصيلات، ومدى تأثيرها على سائر تفصيلات ومكونات هذا الملف، مما يجعل عملها في الملفات التي تتصدى لها متكاملا وشاملا ودقيقا.
وجماعة عمان لحوارات المستقبل بهذا المعنى ايضا لن تكون حزباً، وان صار عليها أن تسعى لسد الفراغ الذي تركته الاحزاب في مجتمعنا، خاصة بعد ان حصرت جل الاحزاب في بلادنا همها في الخطاب السياسي العام، وتركت سائر مكونات الحياة الاجتماعية والتعليمية…الخ على هامش اهتمامها، وهو الأمر الذي ستتداركه جماعة عمان من خلال تكامل رؤيتها لقضايا بلادنا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وتربويا ومن ثم سعيها الى دفع المواطنين للمشاركة اكثر، اولا في ابداء الرأي الموضوعي في قضايا وطنهم وأمتهم من خلال احترام اهل الاختصاص، بعد ان عانينا طويلاً من توسيد الأمر لغير اهله من غير اهل الاختصاص، لتكون هذه الجماعة اطارًا يؤمن بالاختصاص، وقناة لترسيخ مفهوم المشاركة في ابداء الرأي الرشيد. ومن ثم للمشاركة في صناعة القرار الصائب المبني على المعلومة الدقيقة، والرؤية الشاملــــه الثاقبة. ومن ثم ستسعى جماعة عمان الى إنزال المواطنين من شرفات النظارة وأرصفة المتفرجين، الى ميدان العمل الايجابي، ولاخراجهم من دائرة السلبية التي تمارس النقد، لغاية النقد الى دائرة الفعل الايجابي الذي يكون فيه النقد وسيلة لتقويم المعوج من خلال الرأي الصائب.
ومثلما انها ليست حزبا فان جماعة عمان لحوارات المستقبل ليست مركزًا للدراسات، وان كان من برامجها ان ترتقي بمستوى الدراسات في مجتمعنا لتكون وسيلتنا للمعالجة الشافية لامراضنا الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية، وهذا لن يتم الا اذا تحولت نتائج الدراسات الى برامج عمل تطبق في واقع الناس وحياتهم.. فآفة بلادنا ليست في نقص الدراسات فحسب، ولكن في الإهمال الذي يلحق بهذه الدراسات وهي آفة ستسعى جماعة عمان الى تفاديها.
كذلك فإن جماعة عمان لحوارات المستقبل لا تسعى لتكون مجرد منتدى ثقافيٌ يعقد الندوات والمؤتمرات، بل ستسعى لاعادة المؤتمرات الى مفهومها الحقيقي كوسائل وادوات لحل المشكلات، بعد ان صار عقد المؤتمرات في وطننا غاية في ذاتها. اما جماعة عمان لحوارات المستقبل فستعيد هذه المؤتمرات الى وسيلة لدراسة المشاكل ووضع خطط عمل لحلها، بحيث يكون المؤتمر بداية للعمل لا نهاية له. كل ذلك في اطار سعي جماعة عمان لحوارات المستقبل إلى بناء روح ايجابية نحو الوطن والامة، تُترجم بعمل جماعي ينعكس خيراً على جميع المواطنين. وبهذا تكون جماعة عمان لحوارات المستقبل حركة مجتمعية ذات رؤية متكاملة لقضايا الوطن والأمة، تهدف الى تغيير الواقع عبر الوعي الذي يؤثر في واقع المجتمع لينقله نحو الأحسن.
******
(*) رئيس “مركز البيرق للدراسات والمعلومات” ومؤسس “جماعة عمات لحوارات المستقبل” وصاحب وناشر جريدة “اللواء” الأردنية.