زياد سامي عيتاني
الشعبانة والمسحراتي والفوانيس منذ أيام الفاطميين والمدفع دشَّنه محمد علي في القاهرة… غداً يحل شهر رمضان، شهر الصيام والعادات والتقاليد الرمضانية وإيقاعها في الحياة اليومية. في هذه المناسبة استعادة لبعض هذه العادات والتقاليد المتنوعة بين البلدان العربية والاسلامية، ومصدرها التراثي الضارب في القدم وصولاً إلى العهود الفاطمية في القاهرة.
ينتظر المسلمون، بكثير من الشوق والحنين، قدوم شهر رمضان المبارك، ليحل عليهم ضيفاً عزيزاً، ويُدخل البهجة والسكينة إلى قلوبهم، لامتزاج الروحانيات فيه بالنورانيات مع عبق العادات والتقاليد والذكريات ذات الطابع التراثي. لذلك يُستقبل شهر رمضان في البلدان والمدن العربية والإسلامية بحلة زاهية، وتُقام له الإحتفالات والمآدب إبتهاجاً، وتنطلق المواكب ترحيباً، وتُضاء المصابيح والأنوار في لياليه كالنجوم الساطعة.
“سيبانة” رمضان
يبدأ إستعداد المسلمين للشهر المميّز إعتباراً من شهر شعبان الذي يسبق رمضان، وتحديداً من ليلة النصف منه، التي يحيونها بالصلاة وتلاوة القرآن. ولا تقتصر إستعداداتهم على الجانب الروحي للصوم، بل تشمل أيضاً التحضر نفسياً للشهر الفضيل من خلال إحياء واحدة من العادات والتقاليد التراثية الراسخة، التي تختلف تسميتها ومظاهرها ما بين بلد وآخر، إلا أن مضمونها واحد. هذه العادة تسمى “الشعبنة” في أرض الحجاز و”حق الليلة” في الإمارات وعُمان و”قريش” في الكويت و”تكريزة” في سوريا و”سيبانة” في لبنان و”الشعبونية” في المغرب وفلسطين، و”ليلة الناصفة” في بعض أجزاء الجزيرة العربية.
في لبنان، كان الناس يخرجون في آخر يوم عطلة أسبوعية من شهر شعبان إلى الحقول والبساتين والمنتزهات وشواطىء البحر مع عيالهم وأولادهم وأقاربهم، ويقضون النهار في أكل ولهو ولعب وغناء، في شكل من أشكال “السيران”، أي ما يعرف في أيامنا بـ “البيكنيك”. هذه النزهة تسمى “سيبانة رمضان”، والمرجح أنها تصحيف لكلمة “شعبانة”، المستمدة من شهر شعبان.
أما في دول الخليج فيحتفل بالإستعداد لبدء صيام رمضان بيوم “القريش”. وكلمة “القريش” في اللغة العربية تعني السخاء، (فيقرقش الإنسان) أي يسمع صوت النقود في جيبه، ومن هنا جاءت التسمية حيث كانت كل أسرة تجود بما لديها من طعام وشراب.
وتحرص الأسر الخليجية على الإحتفال بـ”يوم القريش” الذي يصادف آخر أيام شهر شعبان، ويتم الإحتفال به يوم رؤية هلال رمضان، فاعتادت كل الأسر على حمل مختلف أنواع الأطعمة المتوافرة في المنزل والذهاب بها إلى بيت كبير العائلة والتجمع فيه للإحتفال بقدوم الشهر الفضيل. أما الأطفال فينطلقون في رحلة كرنفالية في طرق مدنهم وأحيائهم وشوارعها حاملين الأكياس المزركشة، متجولين بها من بيت لآخر للحصول على حصة من الحلويات المتنوعة التي توزع في تلك الليلة، منشدين الأغاني التراثية والأهازيج الشعبية، ومتزينين بأحلى ملابسهم.
أما في وسوريا، فقد إعتادت العائلات منذ زمن بعيد القيام بنزهات في المناطق الجبلية وعلى ضفاف الأنهر، وذلك ترويحاً عن النفس وإستعداداً لشهر مكرس للعبادة وأداء فريضة الصوم. ويسمون هذه النزهة بـ”تكريزة رمضان”، وهي التسمية نفسها المستخدمة لدى بعض المصريين. أما إذا إنتقلنا إلى بلاد المغرب العربي، فإن لـ”الشعبانة” مظاهرها وطقوسها. إذ تقام فيها الإحتفالات التي تتخللها الأناشيد والمدائح والموشحات، فتراهم، بزيهم التقليدي، (جلباب وطربوش أحمر) يشاركون في تلك الإحتفالات منشدين ومتلهفين إلى سماع الطرب الأندلسي الذي يتميزون به. وبما أننا في صدد الحديث عن شهر شعبان والطقوس المتصلة بالإستعداد لرمضان، نشير إلى أن بعض الشعوب كانت تسمي ليلة التاسع والعشرين من شعبان “الليلة الكذابة”، لأن رؤية هلال رمضان ليست مؤكدة في تلك الليلة. وفي أواخر شعبان، وقبل أيام معدودات من رمضان، كان الفقراء يشكون سوء أوضاعهم المالية وعدم قدرتهم على تحمل أعباء مصاريفه، ما دفع أحد الشعراء إلى تذكير الأثرياء بجوع الفقراء:
قيل شهر الصيام آت فقلنا
نحن شعب يصوم في كل آن
نحن لا نصوم في العام شهراً
واحداً بل نصوم طول الزمان
انارة المسجد
من المظاهر الإحتفالية برمضان المبارك التي تصاحب إعلان ثبوت رؤية هلاله أن يُكثر المسلمون من إنارة المساجد والجوامع، فيصبح الليل الرمضاني مشعاً لامعاً وبراقاً. حتى أن الرحالة الفارسي ناصر خسرو الذي زار مصر في القرن الخامس الهجري أشار إلى “الثريا” التي أهداها الخليفة الحاكم بالله إلى مسجد عمر بن العاص، قائلاً أنها كانت تزن سبعة مناظر من الفضة الخالصة، وكانت توقد خلال شهر رمضان بأكثر من 700 قنديل. وما أن ينتهي الشهر حتى تُعاد تلك الثريا والقناديل لتُحفظ في مكان آمن داخل المسجد.
يُشار إلى أن أول من إستخدم إنارة المساجد إحتفالاً برمضان في الأستانة خلال العهد العثماني كان السلطان أحمد السنة 1617 ميلادية، فأضاء أنوار المصابيح والمشاعل التي غطت مختلف مساجد اسطنبول حتى بدت كالنجوم.
يُذكر في هذا المجال أنه السنة 1909 أُذن لمدير أوقاف ولاية بيروت الحاج عبد اللطيف حمادة إبن عبد الفتاح آغا، بتنوير الجامع العمري الكبير وجامع السرايا وجامع النوفرة بالغاز الهوائي.
مواكب رمضان
من أبرز المظاهر الترحيبية بحلول شهر الصوم إنطلاق المواكب التي تتخذ أشكالاً متعددة ومختلفة ما بين بلد وآخر تبعاً لتقاليد كل بلد، وكذلك مواكبة للمتغيرات الزمنية عبر العصور. فكان الصبية قبل الكبار يتجمعون في الحارات والأزقة منتظرين رصد نور هلال الشهر. وما أن يعلن القاضي الشرعي ثبوت الرؤية حتى يهتف الجميع: “صيام صيام، بذا حكم قاضي الإسلام”. ثم تنطلق المواكب الإحتفالية، يتقدمها حملة المشاعل والأعلام الملونة وضاربو الطبول ونافخو النقاقير. ويسير في هذه الإحتفلات التجار، وصانعو المعادن والصاغة وغيرهم من الذين كانوا يتبارون في إقامة مختلف أنواع الزينة، فتبدو الشوارع والطرق متلألئة بأنوار الفوانيس والمصابيح والألوان المزركشة.
وتعرف المواكب الإحتفالية بقدوم رمضان بـ”مواكب الرؤية” أو “مواكب الركبة” التي ترجع إلى عهد الخلفاء الفاطميين في مصر، وتحديداً السنة (362 هـ، 972 م) مع تنصيب الخليفة المعز لدين الله.
كان موكب الخليفة يبدأ في القاهرة من بين القصرين (شارع المعز) ويسير في منطقة الجمالية حتى يخرج من باب الفتوح (أحد أبواب سور القاهرة الشمالية) ثم يدخل من باب النصر عائداً إلى باب الذهب. وفي أثناء العودة توزع الصدقات على الفقراء والمحتاجين.
وكانت تُصاحب الموسيقى المواكب وتصدح بأنغام قوية من آلاتها الأبواق التي لا تعزف إلا في مصاحبة الخليفة. كما تنتشر في كل مكان الأعلام التي تحمل عبارات النصر على أسنة الرماح. وكان الناس يحتشدون على جوانب الطرق لمشاهدة موكب الخليفة وإلقاء التحية عليه وتهنئته بشهر الصوم.
مدفع رمضان
أما مدفع رمضان المصاحب لآذان المغرب والفجر، فهو أشبه بلوحة تراثية تختزل حنيناً وشوقاً إلى زمن جميل وأيام خوالٍ.
فأبناء ذاك الزمن كانوا يطربون لسماع دوي مدفع رمضان، لأنه يحمل الكثير من المعاني الإنسانية والتاريخية، في غالبية الدول العربية والإسلامية، وخصوصاً أنه يدخل الفرح إلى قلوب المؤمنين المجتمعين قبيل موعد الإفطار حول المائدة، وألسنتهم تدعو ربهم لتقبّل صيامهم. وإذ أصبحت طلقات مدفع رمضان مجرد إحياء لواحد من التقاليد الرمضانية المحببة عند الناس، فإنها كانت في الماضي حاجة وضرورة ملحتين لإعلام الصائمين بمواعيد الإفطار والسحور والإمساك، لأنه كان في ذلك الوقت الوسيلة الوحيدة المتاحة للاستدلال إلى تلك المواقيت، وخصوصاً قبل أن تجهز مآذن المساجد والجوامع بمكبرات الصوت التي أصبحت توصل الآذن المرفوع إلى القريب والبعيد، وأيضاً قبيل تطور تقنيات الاتصال وشيوع أجهزة الراديو والتلفزيون.
وبالرغم من تضارب الروايات التاريخية حول أصول نشأة تقليد مدفع رمضان، إلا أن المؤكد هو أن بداية الفكرة كانت مصرية المنشأ. فهنالك دراسات تاريخية تشير إلى أن تقليد مدفع رمضان بدأ العام 1811 في زمن والي مصر محمد علي باشا، حينما إمتلك جيشه مدافع حديثة الصنع، فأمر بإحالة القديمة إلى المستودعات ووضع واحد منها في القلعة كتذكار لانتصاره. وصودف في أحد أيام رمضان أن أطلقت من القلعة طلقة مدفعية مع آذان المغرب، فظن المصريون أن هذا كان لإبلاغهم بحلول موعد الإفطار، فابتهجوا لذلك وسيّروا المواكب لشكره. ومنذ ذلك الحين أمر والي مصر بإطلاق المدافع مع آذان المغرب وعند الإمساك، حتى أصبح مدفع رمضان تقليداً متبعاً.
المسحراتي
أنا صنعتي مسحراتي، وبالبلد جوال…
جيت ولبيت زي العاشق ليالي طوال…
وكل شبر وحتة من بلدي، حتة من كبدي، حتة من موال…
بهذه العبارات كان أحد “المسحراتيين” في أحياء القاهرة القديمة يعرف عن نفسه.
والمسحراتي ظاهرة، رمضانية قديمة، وتقليد تراثي عريق عبر العصور والأجيال منذ زمن بعيد، إرتبط في شكل وثيق بشهر رمضان المبارك وصار ملازماً له. فبمجرد ذكر رمضان، على الفور تجول في الأذهان صورة المسحراتي، خصوصاً أن طبلته” لها إيقاع خاص في ذاكرة المعمرين، لأن صوتها يعيدهم إلى أيام خلت عندما كانوا يتسحرون على أنغام ايقاعاتها الشجية.
تعود بدايات السحور إلى عهد النبي، حيث كان الصائمون يعرفون جواز الأكل والشرب بآذان بلال، ويعرفون الإمساك عنهما بآذان إبن أم مكتوم. وبعدها تعددت أساليب إيقاظ الصائمين للسحور، وإبتُكرت وسائل جديدة من أجل التسحير.
يذكر المؤرخون أن المسحراتي ظهر إلى الوجود عندما لاحظ والي مصر عتبة بن إسحاق أن الناس لا ينتبهون إلى وقت السحور، ولا يوجد من يقوم بهذه المهمة آنذاك، فتطوع هو بنفسه لهذه المهمة فكان يطوف شوارع القاهرة ليلاً لإيقاظ أهلها وقت السحر. وكان ذلك السنة 238 هجرية، حينما كان يطوف على قدميه سيراً من مدينة العسكر إلى مسجد عمرو بن العاص في الفسطاط منادياً في الناس: “عباد الله تسحروا فإن في السحور بركة”.
في عصر الدولة الفاطمية أصدر الحاكم أمراً لجنوده بأن يمروا على البيوت ويدقوا الأبواب بهدف إيقاظ النائمين للسحور. ومع مرور الأيام عين أولياء الأمر رجلاً للقيام بمهمة المسحراتي كان ينادي: ” يا أهل الله قوموا تسحروا”، ويدق على أبواب البيوت بعصىً كان يحملها في يده.
تطورت بعد ذلك ظاهرة التسحير على يد أهل مصر، إذ ابتكروا الطبلة ليحملها المسحراتي ليدق عليها بدلاً من إستخدام العصا. هذه الطبلة كانت تسمى “بازة” وهي صغيرة الحجم يدق عليها المسحراتي دقات منتظمة، مردداً أشعاراً شعبية وأزجالاً خاصة بهذه المناسبة. ثم تطور فصارت تجول ليلاً فرقة يحمل أفرادها الطبل البلدي و”صاجات” يتقدمها المسحراتي، فيقومون بالتسحير من خلال الإنشاد، في مشاركة الشعراء في تأليف القصائد التي كان ينشدها المسحراتي كل ليلة.
أما في العصر العباسي في بغداد فكان ابن نقطة أشهر من قام بالتسحير، إذ كان موكلاً إليه إيقاظ الخليفة العباسي. وكان ابن نقطة يتغنى بشعر يسمى “القوما” مخصص للسحور، وهو شعر شعبي له وزنان مختلفان، وقد أُطلق عليه اسم القوما لأن ابن نقطة كان ينادي ويقول: “يا نياما قوما… قوما للسحور قوما”.
عندما مات أبو نقطة خلفه ولده الصغير، فأراد أن يُعلم الخليفة بموت أبيه ليأخذ وظيفته فلم يتيسر له ذلك، فانتظر حتى جاء رمضان ووقف في أول ليلة منه قرب قصر الخليفة وغنى القوما، وحين همّ بالإنصراف أنشد ابن أبي نقطة: يا سيد السادات لك في الكرم عادات، أنا ابن أبي نقطة، تعيش أنت أبي قد مات. فأُعجب الخليفة بسلامة ذوقه ولطف إشارته، فأحضره ورتب له من الأجر ضعف ما كان يأخذه والده.
أخذت شخصية المسحراتي بالتطور، وأُدخلت الآلات الموسيقية في أساليب التسحير، لحضّ الناس على الصوم والقيام، كما اعتمدت الأناشيد، والمدائح، والأدعية في نداءات التسحير. تنوعت الأساليب التي إستخدمها المسحرون على مر الزمن. فأفيد أن الأندلسيين استعملوا في قرطبة البوق في التسحير، وكان طوله حوالي المترين ويتألف من ثلاثة أقسام متداخلة، يُنفخ فيه فتخرج من فتحته أصوات مدندنة. ثم إنتقل البوق إلى مدينة فاس، حيث أُطلق عليه اسم النفير، فحلّ في ما بعد محل الطبل في المغرب. وفي بعض البلدان استخدم المسحراتي الطبل أو الطبلة كوسيلة للتسحير، لذلك سُميّ بالطبال أو أبو طبلية. أما في بلاد الشام فكان المسحراتيون يسحرون بالدق على آلة “الطار” التي صارت تُعرف في أيامنا بالدف، إضافة إلى الضرب على “الشبابة” لذلك سمي المسحراتيون “الدقاقين”.
في عدد من البلدان استخدم المسحراتيون العزف على “العيدان”، و”الطنابير” و”الصفافير” و”الطار” و”القيثارة”. وكان يُفترض بـ “المسحراتي” أن تتوافر فيه شروط ومواصفات لا بد من أن يتمتع بها حتى يحظى بشرف تولي أمر التسحير. فيحب أن يكون ذا ثقة عند الناس وحسن السمعة ويتمتع بصوت جميل ويجيد الإنشاد وشعر التسحير، وأن يعرف جميع سكان المحلة التي يجول فيها.
جذبت فكرة المسحراتي عدداً كبيراً من الفنانين والشعراء، أمثال بيرم التونسي وفؤاد حداد وسيد مكاوي الذين نجحوا في نقل المسحراتي من الأحياء والحارات الشعبية الى شاشة التلفزيون والإذاعة. الأمر الذي دفع الممثلن للتطوع لتقديم شخصية المسحراتي في أسلوب فني رائع ومضمون اجتماعي وتراثي. وغالباً ما كان هذا الدور يُدخل روح الدعابة والفكاهة من نداءات التسحير التي كان يطلقها ومنها: قومي يا أم محمد وصحي جوزك بلاش كسل…
وانت يا سي فؤاد، هو النوم مالوش آخر؟
اتفضل واتسحر بالهنا والشفا وادعي ربك بالتقى…
الفانوس
ما أن كانت تهل علينا نسائم شهر رمضان حتى تخلع الشوارع عباءتها التقليدية لترتدي ثوبا جديدا بألوان زاهية، فترى الفوانيس وقد صُفّت على الجانبين بإضاءتها الجميلة وألوانها المختلفة.
لا شك في أن فانوس رمضان كان مدعاة للفرح والتباهي بين الأطفال، ثم تحول من وظيفته الأصلية في الإضاءة ليلاً إلى وظيفة أخرى ترفيهية، فراح الأولاد يطوفون في الشوارع والأزقة حاملين الفوانيس مطلقين الأغاني والأناشيد، ومن أشهرها الأغنية المصرية “وحوي يا وحويى”.
لم يظهر الفانوس في شكله الحالي إلا منذ مئة عام أو يزيد قليلاً، مع بعض الاختلافات البسيطة، بينما كان أول ظهور له في الخامس من شهر رمضان العام 358 هـ، مع دخول المعز لدين الله الفاطمي القاهرة ليلاً، حيث أمر القائد جوهر الصقلي فاتح القاهرة بأن يخرج الناس لاستقبال الخليفة وهم يحملون الشموع لإنارة الطريق أمامه. وكي لا تتعرض الشموع للإنطفاء لجأ الناس إلى وضعها على قاعدة من الخشب وإحاطتها ببعض الزعف والجلد الرقيق. أعجب الخليفة بمشاهد الفوانيس التي يحملها المصريون، ومنذ ذلك التاريخ أصبح الفانوس عادة رمضانية. ويقال أيضاً أن الخليفة كان عندما يخرج لاستطلاع رؤية هلال رمضان، يسلك موكبه الطريق من باب النصر إلى باب الفتوح إلى باب الذهب، وكانت تحوطه العربات الصغيرة المضاءة بالشموع، بينما تحمل جموع الأهالي الفوانيس المضاءة.
أما صناعة الفانوس صناعة مزدهرة فحدثت في عهد الحاكم بأمر الله، الذي أمر بألا تخرج النساء من بيوتهن ليلا إلا إذا تقدمهن صبي يحمل فانوسا، كما أمر بتعليق الفوانيس على مداخل الحارات، وأبواب المنازل، وفرض غرامات على من يخالف ذلك.
وللفانوس المصري الكثير من الأشكال أشهرها: البرج، أبو أولاد، النجمة، تاج الملك، مقرنص، شويبس، بيطرده، برلمان، زهرة اللوتس، شق البطيخ، الكرة، الشمامة، وغيرها. ويعتبر الفانوس المربع البلدي والمسدس وفانوس فاروق من أقدم الأنواع.
واليوم ما نزال نرى بائعين صينيين جوالين في القاهرة يبيعون الفوانيس في شهر رمضان.
*****
(*) إعلامي وباحث في التراث الشعبي
(*) جريدة النهار 14\8\2010