انقلابات الإخوان المسلمين -10- انقلاب على البنـــــا

الكاتب بلال حسن التل

 أشرنا في مقال سابق الى أن الاخوان المسلمين في الاردن يعتبرون انفسهم جزءًأ من تنظيم القاهرة، bilal talيتلقون منه التعليمات والتوجيهات ويطيعونه إلا اذا تعلق الأمر بمفهوم الوطنية والانتماء للوطن؛ عندها تدير مجموعة التنظيم السري المتحكمة بقرار الجماعة في الاردن الظهر للقاهرة حتى لو اضطرهم الامر للانقلاب على مفاهيم البنا ومكتب الارشاد وتعاليمهما في هذه القضية.

 حتى انه تم حذف كلام المرشد الاول للجماعة حسن البنا عن الدستور ومفاهيم الوحدة القومية والعربية والاسلامية، وحديثه عن الوطنية كما وردت في رسالة المؤتمر الخامس من مناهج التربية للاخوان المسلمين في الاردن، وهذا انقلاب من مختطفي اخوان الاردن على البنا ومكتب الارشاد اللذين كانا يزرعان في شباب الاخوان المسلمين حب مصر، وينمون فيهم الشخصية الوطنية المصرية.. ومثلهم سائر الاخوان المسلمين، كل في بلده لتبرير موقفهم من الاردن كوطن، ووثائق الاخوان المسلمين هي الحكم الفيصل في هذه القضية بيننا وبين الانقلابيين داخل الجماعة..

 من ذلك على سبيل المثال ما جاء في رسالة المنهج الدراسي لجوالة الاخوان المسلمين من بنود تصب كلها في بناء الشخصية الوطنية المصرية في نفوس جوالة الاخوان المسلمين وتربيتهم على حب مصر، ففي مجال الكشافة نص المنهج في درجة الحديث وهي اول درجات الكشاف على تحفيظ الجوال الميثاق والقانون، وتحفيظه تاريخ العلم المصري ورسمه ونشره.

وفي اطار حرص الاخوان المسلمين في مصر على تنمية حب مصر وزرع الانتماء الوطني لمصر في نفوس الاخوان، فقد اكد المنهج الدراسي لجوالة الاخوان المسلمين على ضرورة معرفة افراد جوالة الاخوان بكل ربوع مصر من خلال تكثيف الرحلات التي تعزز الوطنية في نفوس الاخوان المسلمين في كل مرحلة من مراحل الجوالة.

 بالاضافة الى الرحلات التي تزرع حب مصر في نفوس جوالة الاخوان المسلمين، فقد كانت الدروس الثقافية التي يتلقاها الجوال في كل درجة من درجات الدراسة الكشفية، تعمق روح الانتماء لمصر في نفوس الإخوان، فقد كان على الجوال ان يتلقى في الدرجة الاولى وهي درجة الحديث دروساً في تاريخ العرب في مصر، اما في درجة الراقي فقد كان الجوال يتلقى دروساً في تاريخ مصر الحديث، اما في درجة الأرقى فقد كان جوالة الاخوان يتلقون دروسا في تاريخ مصر القديم حتى دخول الاسلام مصر. أما في درجة الجوال فقد كانت الدروس الثقافية لجوالة الاخوان المسلمين تشتمل على التعريف بالنظام السياسي بمصر، ونشأة الأحزاب المصرية.

 ليس منهج جوالة الاخوان المسلمين وحده هو الذي كان يغرس حب مصر والوطنية المصرية في نفوس الاخوان المسلمين، بل سائر انشطتهم ومناهجهم.. من ذلك على سبيل المثال ما ورد في المذكرة التفصيلية عن مناهج مدارس الجمعة التابعة للجماعة، والتي اعيدت طباعتها وتوزيعها عام، 1980 فعند حديث المذكرة عن خطوات التربية جاء مايلي: «البدء بالقصص المحلي بدءا طبيعيا مع الطفل، يأتي بعده التدرج الى القصص المصري واشعار الطفل (بمصر) في أطوار تاريخها وإذكاء روح العزة فيها بتاريخها».

 وعند حديث هذه المذكرة عن الاناشيد بينت ان الغرض من الأناشيد «إذكاء العاطفة الوطنية»، ومن الاناشيد التي كان يُحفّظها الاخوان لطلاب هذه المدارس لإذكاء الروح الوطنية المصرية فيهم نشيد وصف الراية المصرية، ونشيد الوطن. وهذا الهدف من القصص والاناشيد انسحب على نشاط التمثيل في هذه المدارس.

 ومما كان يحرص الاخوان المسلمون في مصر على تعليمه لطلاب مدارس الجمعة ما اسموه بقصة مصر، حيث يتم تعليم الطالب مراحل تاريخ مصر، وقد بينت المذكرة التفصيلية عن مناهج هذه المدارس الهدف من هذه القصة على النحو التالي:

قصة مصر: الغرض من هذا القسم بث روح الوطنية في نفس الطفل واظهاره على الحقائق، واول الحقائق التي اشارت اليها المذكرة هي: «إن اباءه الذين سكنوا هذا الوادي من اقدم العصور كانوا سادة العالم».

 ثم تتحدث المذكرة الاخوانية عن تعليم تاريخ مصر القديمة من خلال:

1.قصص مبسطة عن مبدأ الحياة في وادي النيل.

2.دراسة شخصيات هامة بعد شرح رخاء الوادي وعظمته واعجاب الناس به.

3.مظهر (الحضارة) القديم كان دينيا، فالمصريون اهل دين من قديم الزمان.

4.دراسات لجهاد مصر في سبيل استقلالها بعد شرح إغارة الغير عليها نتيجة رخائها.

 وتفرد المذكرة الاخوانية مساحة واسعة لتاريخ مصر الحديثة من حيث إغارة (الاجانب) على مصر، وجهاد مصر في سبيل استقلالها، والاهتمام بالعظماء المحليين الذين قاموا بدور في النهضة المصرية، ويمكن اتخاذهم نقطة بدء في دراسة تاريخ مصر الحديث، ومن امثلة ذلك: على باشا مبارك في برمبال القديمة، احمد عرابي باشا في هرية رزنة، رفاعه بك الطهطاوي في طهطا، مصطفى كامل باشا في الدرب الأحمر بالقاهرة.

 ولم تهمل المذكرة الالعاب المصرية المحلية، فقد جاء فيها ما يلي: في ريف مصر كثير من الالعاب المحلية تشبه الى حد كبير العابا من النوع الغربي، ولا تحتاج الى اكثر من اعادة تنظيم كي تؤدي الاغراض المقصودة منها، فضلا عن اعتمادها الى حد كبير على موارد من البيئة المحلية. وسيقوم القسم باشراف اخصائيين على تنظيم هذه الالعاب، وعمل مجموعة منها تمهيدا لفكرة (الالعاب الرياضية المصرية) ومصادرها الموجودة حاليا منها في الريف ما وجد على الآثار المصرية والاسلامية ملائما لروح التربية الحديثة، واذا نجحت الفكرة وأمكن إحياء التقاليد المصرية، وعمل حفلات شعبية منظمة لهذه الالعاب وتنظيم المباريات لها وفق النظم الرياضية الصحيحة.

 وهكذا نرى ان الاخوان المسلمين في مصر لم يتركوا وسيلة من الوسائل لغرس الروح الوطنية المصرية وتنميتها في اعضاء الجماعة الا واتبعوها.. فلماذا لم يسر الاخوان المسلمون في الاردن على نهج اخوان مصر في هذا التوجه مع اصرارهم على انهم جزء من تنظيم مصر، الا يعزز الاصرار على هذا النهج من مجموعة التنظيم السري على تعزيز الشبهات حولهم بأنهم لا يعترفون بالاردن وطناً، ويتعاملون معه على انه مجرد ساحة؟!

اترك رد