حرّكت رابطة قنوبين للرسالة والتراث الاهتمام بواحد من أهم المواقع البطريركية الاثرية في الديمان المتصلة بوادي قنوبين، انه الموقع الذي اتخذ أول مقر بطريركي حين انتقل البطاركة الموارنة من وادي قنوبين الى الديمان أواخر عهد البطريرك يوحنا الحلو ( 1809-1823).
بنى البطريرك الحلو أقبيته التحتية في تلك الحقبة، ليبني بعده البطريرك يوسف حبيش سنة 1833 كنيسة مار يوحنا مارون الحالية، وليبني بعدهما البطريرك يوحنا الحاج الكرسي البطريركي القديم سنة 1890. فتشكل الابنية المتكاملة في موقع جغرافي واحد مجمعاً روحياً تراثياً بارزاً على كتف وادي قنوبين.
الاقبية الاثرية
تقع الاقبية الاثرية المهملة في بناء قائم متصل بكنيسة مار يوحنا مارون وبالكرسي البطريركي القديم على مساحة تقارب مئتين وخمسين متراً مربعاً. تتوزع على أربع غرف تفصلها شرقاً وغرباً فسحة هي الاوسع، ربما كانت دار المبنى، مفتوحة على غرفة صغيرة لا تزال فيها آثار مذبح القداس، اي اتخذها البطريرك كنيسة صغيرة لاقامة قداسه اليومي فيها.
الاقبية هذه مبنية بكاملها بالحجر الصخري الجردي، ومعقودة عقداً فنياً رائعاً فوق جدران صخرية تشكلت بغالبيتها من شير منتصب الجوانب فارغ الوسط، بنيت فوق جوانبه أو جدرانه المرتفعة حوالي ثلاثة أمتار عقود الحجارة مكونة شكلاً رائع الجمال غير مألوف. فيما بنيت المداخل على شكل قناطر حجرية بعضها منحوت. ويقع البناء هذا عند أول طريق المشاة التقليدية المعروفة باسم طريق القديسين بين الديمان وقنوبين، في ظلال سنديانة معمرة تعتبر من سنديانات لبنان الدهرية.
الكشف الأولي
وفي اطار الاهتمام بترميم هذه الاقبية المقر البطريركي، قام النائب البطريركي المشرف على رابطة قنوبين المطران مارون العمار بكشف أولي على الموقع، وجال في غرفه المهجورة حيث وجدت أجران صخرية وبعض مقتنيات تراثية قديمة، وحيث لا تزال بعض الجدران الداخلية تحمل طبقات الكلس المخلوط بالتبن، المادة التي كان يتم التلييس بها في ذلك العصر. كما تحمل آثار دخان الحطب المتفحم باللون الاسود.
فيما بدت أقسام أخرى من الجدران وقد أصابها بعض التصدع بفعل مرور الزمن وعوامل الطبيعة. كما بدت حنية المذبح شبه منهارة، وحجارتها مغمورة بالاتربة والردم.
تنظيف وتهيئة
رئيس رابطة قنوبين للرسالة والتراث نوفل الشدراوي شدد على أهمية العناية بهذا الموقع في اطار تحقيق مشروع المسح الثقافي الشامل لتراث الوادي المقدس، وفي سياق مسؤولية الرابطة لجهة العناية بالاديار والمزارات والابنية الاثرية القائمة في وادي قنوبين والجوار.
بدأت ورشة تنظيف الردم والاتربة التي تحيط الموقع ومن داخله مع المحافظة التامة على كل الموجودات الحجرية وسواها. وأوضح الشدراوي ان العمل سيتركز في المرحلة المقبلة على تنفيذ التصميم الفني الذي ستضعه المديرية العامة للآثار لترميم الاقبية، ولتجميل المساحة التي تحيطها، وجعلها محطة استراحة روحية ثقافية عند احد مداخل المشاة الى عمق وادي قنوبين، مشيراً الى ان هذه المحطة ستلحظ بلا شك تحية وفاء للبطريرك يوحنا الحلو الذي بنى هذه الاقبية، ولسواه من البطاركة الذين تعاقبوا على هذا الموقع، فأضافوا اليه أقساماً عمرانية أخرى وأقاموا فيه.
وأشار الى ان رابطة قنوبين توجهت بكتاب الى رئيس رابطة آل الحلو المهندس مارون حلو، شكرته فيه على تقدمته تمثال البطريرك يوحنا الحلو ولوازمه من مطبوعات تاريخية وسواها ليرفع هذه السنة في حديقة البطاركة. وعرضت لرابطة العائلة انطلاق ورشة ترميم وتأهيل اقبية المقر البطريركي وسبل التعاون لاحقاً بين الرابطتين.
المدير التنفيذي لمشروع المسح الثقافي الشامل لتراث الوادي المقدس الزميل جورج عرب وبعد الكشف الاولي على الموقع أجرى اتصالاً بمدير عام الآثار المهندس سركيس خوري طالباً ايفاد فريق هندسي متخصص لدراسة واقع المبنى، واعداد الملف الفني اللازم لاجراء أعمال الترميم والتأهيل. وأبدى المهندس خوري اهتماماً بالامر ووعد بالاسراع في وضع الشروط العلمية للمباشرة بأشغال الترميم. وقال: بعد مرور مئتي سنة على بناء المقر البطريركي هذا في الاقبية المذكورة ( 1815-2015) يعود الاهتمام اليه لترميمه وتسليط الاضواء على أبعاده التاريخية والثقافية، وفور انجاز الدراسة سوف يباشر بترميمه وتأهيله ليفتتحه البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الراعي لاحقاً.
وأشار الزميل عرب الى ان البطاركة الذين تعاقبوا على هذا الموقع هم يوحنا الحلو، يوسف حبيش، يوسف راجي الخازن الذي انتخب سنة 1845 في دير مار يوحنا مارون المتصل بأقبية المقر، وبولس مسعد الذي أقام في جناح علوي فوقه أيضاً، ويوحنا الحاج الذي بنى الكرسي البطريركي القديم في المحلة عينها.
كلام الصور
- المطران العمار متفقداً المقر الاثري.
- واجهة الاقبية.
- سقفها عقود حجرية.
- بعض جدرانها.
- من بقايا الأجران الحجرية داخلها.