هدفنا تصحيح مسار بوصلة الفكر من التطرف إلى الاعتدال.. ومن التكفير إلى قبول الآخر

 حوار: بول باسيل

لا يلحظ المرء دوران الأرض حول الشمس، ولا دورانها حول نفسها، قد يلحظ الناس اتجاه الريح rim badranالعاصف.. هكذا الإنسان في الاستحقاقات والتقاطعات الكبرى..

إنها فسحة الأمل والخطوة الأولى لمسيرة الأف ميل، قد لا تعني للكثيرين بانطلاقتها الأولى وخطواتها الأولى؛ تماماً كاتجاه المقاومة في لبنان في بداياتها واتجاه اليقظة في مسارها الفكري المعاكس للاتجاه العام، ليأخذ انتباهنا صراخ وجعنا المرتفع من تعثّر “عنترات” أقدام معاركنا العبثية، ومن يصمد للنهاية ينتصر، و”داعش” اليوم الفكرية قبل العسكرية ستذبل بالسرعة عينها التي فيها نمت، وسيعود الأمل والصلاح والسلام والحب حافز الإنسان، رغم سوء تقديره وجهله.

جريدة “الثبات” التقت رائدة الأعمال الأردنية، والنائبة السابقة في البرلمان، وابنة رئيس الوزراء الأسبق مضر بدران؛ ريم بدران، في بيروت على هامش أعمال ولقاءات وفد “جماعة عمان لحوارات المستقبل”، الهادفة إلى تزخيم أنشطتها في عالمنا العربي، من أجل مواجهة “التوحّش الفكري” التطرفي، والليل الحالك ينبئ بانبلاج الفجر، ولكم الحوار:

نعم، لُغم العقل في منطقتنا بأسوأ أنواع الموبقات الفكرية الإبليسية، وليس من السهل إيقافها أولاً، والحد منها ثانياً، ومواجهتها ثالثاً، والانتصار عليها رابعاً.. لكن “ريم بدران” الملقَّبة بالمرأة الحديدية، لكثرة أعمالها وأنشطتها التحفيزية في مجالات الاقتصاد والاستثمار والأنشطة الاجتماعية، بدأت بحراكها لمواجهة هذا الليل الدامس في منطقتنا، بدءاً من عمّان؛ من خلال انخراطها في “جماعة عمّان لحوارات المستقبل” التي اسسها المفكر المعروف بلال حسن التل، تقول: مجيئنا إلى بيروت هدفه تزخيم “جماعة عمّان”، كون لبنان بتنوّعه يشكّل مركزاً ثقافياً مميزاً في منطقتنا العربية، وبرأيي، من أجل تغيير وتيرة البوصلة التطرفية باتجاه الاعتدال، والتعصبية نحوالانفتاح، هدف التباحث والتفكر مع المثقفين في عمّان، على اختلاف أطيافهم ومهنهم وفئاتهم العمرية والجنسية، توسيع دائرة المشاركة قدر المستطاع، لاستبيان كافة المشاكل بغية مواجهتها، وتضيف بدران: تنوُّع الأفكار وآليات العمل من شأنه غربلة الحلول وتطويرها.. مشكلة عالمنا العربي أننا نُسقط على مجتمعاتنا حلولاً سحرية تؤمن بها قلة حاكمة، أو نستورد حلولاً خارجية مرّت بها شعوب أخرى، وبالتالي حتى لا يكون لدينا فكر واحد مسيطر، وسّعت “جماعة عمّان لحوارات المستقبل” دائرة المنتسبين إليها لتشمل شرائح المجتمع الأردني بأكمله، بحيث يلتقي فيها “اليميني” مع “اليساري”، الرجال مع السيدات، أكاديميون (أطباء ومحامون وإعلاميون ومسرحيون) مع أرباب عمل واقتصاديين، حتى تكون رؤيتنا في اجتراح الحلول مرنة وثابة، لأنه لا تكفي محاكاة الواقع بتفسيره ورمي المسؤوليات على الغير، بل علينا مسؤولية وضع سبل مواجهة المشاكل التي تعصف بنا، وأساس أي عمل في هذا المجال، التحلّي بالإيجابية، ووجودنا اليوم في بيروت ومن بعده في مصر وتونس هدفه النظر إلى الجانب المضيء، للبناء عليه.

يدور في كواليس مؤتمرات “جماعة عمّان” سؤال محوري: كيف يمكن التعويل كمفكرين على الإيجابيات لتثميرها بالاتجاه الصحيح؟ وكيف نحوّل مآسينا وآلامنا باتجاه قيامة هذا المشرق؟ تقول بدران: اليوم نحن في صدد دراسة الأولويات المختلفة، كون كل منطقة أو مجموعة لها تفكيرها الخاص، وبيروت المؤهَّلة حضارياً وثقافيا أكثر من غيرها في هذا المجال، قادرة على توسيع أفق تطلعاتنا في هذا المجال، وبرأينا، رغم وجود قضايا مُلحّة كثيرة؛ من فقر وتشريد وتخريب، الحل الناجح لهذه المشاكل يبدأ ببناء استراتجيات طويلة الأمد، وهذا الأمر لا يكون إلا ببناء الإنسان العربي، كي يكون مؤثراً وفاعلاً وناشطاً في قضاياه، لا متلقياً ومتفرّجاً وعاطفياً فيها.

من خلال اللقاءات المتعاقبة لـ”جماعة عمّان”، سواء في الأردن أو لبنان، يمكن استبيان خط واضح أساسي بحسب ريم بدران؛ الكل يُجمع على ضرورة العمل تربوياً؛ “التربية ثم التربية”.. فإنساننا العربي لا يحتاج فقط إلى تعليم أكاديمي وحسب، بل يحتاج إلى تعليم تربوي لناحية الأخلاق والقبول بالآخر، فالموضوع أبعد من قصاصة “شهادة” علمية تمس نشاطاً معيّناً، المسألة تتعلق بجوهر الإنسان، ونشأته على قيم الأخلاق والانتماء والصدق، وهذا كله لن يكون إلا بالتعليم التربوي الصحيح، وبرأينا، يجب أن يطال المنهج التربوي الصحيح المعلمَ والطالبَ والعائلة..

الحوار للحوار

تشير بدران التي تترأس مشاريع عدة، منها “بنك تمويل مشاريع صغيرة”، إلى أنه في لبنان تمنى بعض الأصدقاء على “جماعة عمان” أن يكون الحوار وسيلة بحدّ ذاتها، تقول: واقعنا المرير برأي البعض في لبنان، وسيلة لتقريب وجهات النظر المتباعدة، فالكثير تربّى على فكرة أن الحق إلى جانبه فقط، ما يستتبع تباعداً ونفوراً ورفضاً للآخر، ما يؤدي إلى تناحر الأحزاب فيما بينها داخلياً، وأفكارنا بين مجتمعاتنا خارجياً، تضيف بدران: وضع المشاريع الضخمة وتوسيع الدائرة من شأنهما توسيع العراقيل كذلك، نؤمن بالأعمال البسيطة القادرة على تغيير الكثير.. وبرأينا، الحوار بحد ذاته بين متخاصمين من شأنه كسر حواجز الكراهية والأفكار النمطية عن الآخر، وهذه الأمور هامة اليوم في عالمنا العربي، والحوار في هذا المجال يقرّب المسافات، ويضع “الأنا الصغرى” في مواجهة “الأنا الكبرى”، التي تجمع الكل بالكل في رحاب الإنسانية.

تمازُج الأفكار والرؤى حتى المتناقضة من شأنها إزالة الحواجز برأي بدران، وهذا ما يميز “جماعة عمّان” عن غيرها من البنى الحزبية: التجمّع مرن وواسع، وجدية أعضائه وحبهم للعمل العام كفيل بالمتابعة، وأعتقد أن هذه المزايا ستكون مقبولة من الجميع، رغم أن مبادئنا قد ترفعها العديد من الأحزاب والتيارات، فإنها من خلال تجمّعنا ستكون أكثر انتشاراً وفعالية، كوننا لا نأبه بلعبة السلطة والمعارضة، وهذا ما يعطي جماعتنا مصداقية في العمل، وجدية في طرح المواضيع.

تعوّل بدران على الإعلام الملتزم بقضايا الناس من أجل صلاحهم لا تهلكتهم، وترفض الترويج الإعلامي للتكفير، فـ”الدين بجوهره سعي لسموّ الإنسان نحو الأفضل بالإحسان لا بالتخويف، والعالم العربي اليوم يعاني تطرفاً أعمى نتيجة ضخ إعلامي مقصود ومشبوه، ووجود هذا الفراغ المدقع بالعلم والثقافة والتربية الصحيحية يلاقيه انعدام أفق وآمال للشباب المقفلة أمامه أفق التغيير، فكيف إذا أضيفت إلى ذلك مناهج تربوية ناقصة ومشوّهة، وفقر وبطالة بين الشباب؟ هذه العوامل تشكّل مجتمعة ارضاً خصبة للتطرف التي تعانيه المجتمعات العربية.

سألنا بدران عن دور الأجهزة العالمية وحكومات الدول الغربية، سيما الأميركية، في تخريب منطقة الشرق الأوسط، تقول: مصطلحات التناحر تارة بين السُّنة والشيعة، وطوراً بين العرب والفرس، كلها مصطلحات تخدم المشاريع المصلحية للدول الكبيرة، فالتقاتل في تونس وليبيا لا يرتكز على مقومات طائفية، لهذا السبب المسألة تبدأ برفع مستوى الوعي الجماعي لدى مجتمعاتنا، لأنه إذا كانت نواة المجتمع متينة وصلبة وقوية، لا يمكن للخارج أن يستغل نقاط ضعفك، لكن إن كانت بنيتك الإجتماعية هشة، فستكون سياساتك قصيرة النظر، ومطيةً لمشاريع الغير.. المطلوب اليوم تجفيف هذه الآفة من أساساتها، من خلال برامج التوعية والتثقيف، لأن معالجة الأمور تكون من الجذور لا من خلال النتائج، وبرأيي، الحلول الأمنية والحروب وإن كانت قادرة على تهدئة الأوضاع بعض الوقت، غير أنها تزيد الأمور تعقيداً.

وعما إذا كان الأردن محصَّناً من الحريق المشتعل من المحيط إلى الخليج، وإذا كان الحوار يفيد مع عقل يكفّر ويستخدم العنف وسيلة لنشر أفكاره ومبادئه، كما تفعل “داعش” اليوم و”القاعدة” أمس و”الإخوان المسلمون” أول من أمس، تقول بدران: الأردن تجاوز القطوع التخريبي، لأنه رأى ماذا حصل في البلدان العربية من خراب أولاً، ولأنه اكتشف أن ما سُمي “الربيع العربي” لا علاقة له بالإصلاحات ثانياً.. والشعب الأردني اليوم أكثر تماسكاً من أية فترة سابقة، من دون أن يعني ذلك أننا مرتاحون، لأن بعض الدول الخارجية تسعى للعب بأمن الأردن، لكن بفضل وعي شعبنا وعملنا الاستباقي، كل فئات المجتمع الأردني تنبذ دخول الجماعات التكفيرية إلينا، رغم سعي قلة لذلك،فالوضع الأمني بالأردن مستتب تماماً.

وهل من خوف لتخريبه من قبَل بعض الفلسطينيين؛ كما حصل في سورية ولبنان، تردّ ريم بدران: وضع الفلسطينيين في الأردن يختلف عما هو عليه في باقي الدول العربية، فهم أردنيون ولهم كافة الحقوق والواجبات، وبالتالي ينطبق عليهم ما ينطبق على أي مواطن أردني.

رغم المخاض العسير لما يُسمى “ربيع عربي”، ورغم تداخل العناصر الداخلية بالخارجية، والمحلي بالعوامل الإقليمية والدولية، والاقتصادية بالسياسية، ترى ريم بدران أن المسار الديمقراطي ليس كبسة زر، تقول: خريفنا العربي سيسير على مسار الديمقراطيات العريقة، والإصلاحات ستمرّ بثورات وحروب، فالديمقراطية مشوار طويل، وفيه الكثير من الألغام والتحديات، لكن الشعوب بكفاحها ووعيها قادرة على تجاوز محَنها، وهذا ما نأمله بأنشطتنا، ولنا التوفيق بإذن الله.

اترك رد