مها بن عبد العظيم
زخر ” مهرجان كان” هذا العام بمواضيع تدور حول الحب والجنس، لكن الفيلم الذي أثار أكبر ضجة هو “حب” للأرجنتيني غسبار نوي ويحوي مشاهد ممارسة الجنس مصورة بأبعاد ثلاثية. وضمن المسابقة الرسمية، تناول فيلما “ملكي” لمايوان و”وادي الحب” لغيوم نيكلو مسألة الحب واختباره لمرور الزمن.
كان فيلم “حب” لغسبار نوي من ضمن الاختيارات الرسمية في “مهرجان كان” لكن خارج المسابقة، رغم ذلك ألهبت الحكايات التي دارت حوله الكروازيت قبل العرض بأسابيع. اعتاد غسبار نوي، الذي صور في “لا رجعة فيه” مشهد اغتصاب تجاوزت مدته عشر دقائق، إثارة الجدل.
بورنوغرافيا الفراغ
رائحة اللهب حول “حب” راجت عبر ملصقات تلتهم فيها الألسن الألسن، وأخرى تظهر سائلا منويا يغمر الكاميرا، ودعاية تعدنا بأننا سنرى ما لم نره من قبل، وبرنامج ترويج قوي يظهر بعض المقاطع على مواقع التواصل الاجتماعي… كان كل ذلك كافيا حتى تكون الزحمة والترقب على أشده في كان لحضور “عرض منتصف الليل” لفيلم غسبار نوي، أما العرض الصحافي الوحيد فترك عشرات الصحافيين يحترقون غيظا خارج القاعة.
تتحول هذه الإثارة في الفيلم إلى قصة حب عاشها “مورفي” مع “إلكترا”. وأكد غسبار نوي أن همه لم يكن تصوير مشاهد ممارسة الجنس، “فسبق لي أن فعلت ذلك في أفلام سابقة. لكن ما أثارني هي تجربة الأبعاد الثلاثية”.
فعلا لم يكن “حب” فيلماً من نوع المسلسلات المبتذلة، ولا قصة حب خارقة بل تجربة عاطفية تختبر أقصى الحدود في تعاطي المخدرات (بين أرداف الشريكة) وجنس جماعي، وكأن نوي هو الذي يقول على لسان مورفي إن السينما يجب أن تكون “مصنوعة من الدم والمني والدموع” … لكن يبقى غسبار نوي من أبرع المخرجين في صياغة الشكل وفي ابتكار لغة بصرية “ميلانكولية” تبحث عن الجديد في الـ”حب” الذي اختاره الفيلم باللغة الانجليزية Love وتعني ممارسة الجنس.
ولقب البعض الفيلم بـ”البورنو الأخير في باريس” (في إشارة إلى “التانغو الأخير في باريس” وهو فيلم بورنوغرافي هز سبعينات القرن الماضي)، لأنه يصور الجنس في شبه عزلة داخل شقة. “الحب مخدرات، ومرض عقلي ولعبة نفوذ ونور أعمى”… المخدرات والمرض النفسي والنفوذ تميز أيضا قصة الحب التي تسردها المخرجة مايوان في “ملكي” الذي ينافس على السعفة الذهبية.
“ملكي”: كيف تقع في حب منحرف نرجسي ثم تنجو منه؟
قسم فيلم “ملكي” جمهور الكروازيت، وربما غلبت الخيبة على الحماسة. فبدا الفيلم لكثر نزوة طفلة مدللة (الممثلة إيمانويل بيركو) تعطي قصة الحب التي تعيشها على مدى عشر سنوات، حجماً مبالغاً فيه. و”ملك” قلبها هو الممثل فانسان كاسيل الذي بدا في أدائه ملك المهرجين! وخيب الفيلم كل من أحب فيلم “بوليس” للمخرج الذي نال قبل أربع سنوات جائزة لجنة التحكيم في “مهرجان كان” ببحثه وسط الشرطة المختصة في قضايا القاصرين.
تدخل البطلة “طوني” مركزا للاستشفاء بعد حادث تزحلق على الثلج، وطيلة فترة علاج ركبتها، تتذكر قصتها العاصفة مع جورجيو، وتستعيد أطوارها مرحلة مرحلة في محاولة لمعرفة الأسباب التي جعلتهما يحبان بعضهما. وتطرح المخرجة أسئلة تحير الإنسان الذي يعجز عن معرفة حقيقة الحب والإلمام بكل وجوه شخصية شركائه في الحياة. وبعد سبر الحبكة لمختلف نواميس ومظاهر العشق الخانق والمدمر، كان المجاز الموازي في الفيلم، حول استعادة “طوني” الحركة تدريجاً، صورة عن تحررها الموجع وصورة عن روحها التي أنهكها الحب.
الفيلم، إذاً، من نوع الدراما النفسية التي تدور حول “الأنا” وتعرف بأفلام “السرة”، وكان “ملكي” استعراضاً لحميمية “طوني” وغرورها الذي يحاول عبثاً الصمود في وجه ذبول الحب وتلاعب “جورجيو”. ويتخبط الفيلم وسط إخلالات متنوعة يتلاشى معها وهمنا بصدق الرواية، فبعدما فشلت البطلة لسنوات طويلة في فك ارتباطها بـ”جورجيو”، تتعلق بسهولة ببعض الشباب في مركز العناية الصحية. إضافة إلى ذلك، فإن ظهور الممثل لوي غاريل في دور أخ طوني لا ينجح في إدخال بعض الخفة والضحك.
أما فانسان كاسيل فكان متصنعا في أداء شخصية المنحرف النرجسي. وفي هذا الثنائي المانوي كانت فجاجة “جورجيو” الذي يتعاطى المخدرات ولم يبلغ درجة النضج العاطفي، تضاهي “الرومنطقية المغفلة” التي تميز شريكته. هكذا خيبت “مايوان” توقعات الجمهور، بوصفة ميلودراما مزيفة، عبر نظرة تافهة على صراع النفوذ بين شريكين.
ونشير إلى الحضور الفرنسي القوي في هذه النسخة من “مهرجان كان” بخمسة أفلام تتنافس على السعفة الذهبية، إضافة إلى أخرى خارج المسابقة على غرار فيلم الافتتاح “مرفوع الرأس” لإيمانويل بيركو فهي أيضا مخرجة. وظهر فانسان كاسيل في فيلم “حكاية الحكايات” للإيطالي ماتيو غارون الذي ينافس بدوره على السعفة.
“وادي الحب“
“وادي الحب”، فيلم فرنسي آخر ينافس على السعفة، للمخرج غيوم نيكلو. ويتناول بدوره مسألة الحب في مواجهته للموت. فيلتقي جيرار (الممثل جيرار دوبارديو) وإيزابيل (الممثلة إيزابيل هوبار) بعد سنوات على انفصالهما، في صحراء كاليفورنيا استجابة لدعوة غريبة من ابنهما الذي انتحر قبل أشهر. ورغم عبثية الموقف يتبع البطلان الخطة التي وضعها ابنهما الراحل عبر سبع محطات وسط أمل غريب في رؤيته مرة أخيرة.
ويزرع السيناريو على طريق الوداع هذا، مؤشرات من صنف “ما وراء الطبيعة” حول رجوع الابن. فتستيقظ إيزابيل ليلا في حالة من الفزع وهي متأكدة من أن أحداً لم يكن في غرفتها ومسك رجليها، وفي مشهد آخر تعثر في الحمام على كيس يحوي رأس كلب مقطوع وتنقصه عين. أما جيرار فيلتقي، خلال نزهة، امرأة مشوهة الوجه والجسد تتحاور معه بشأن الموت…
بين التكذيب والتصديق، يغامر الزوجان السابقان في حر الصيف وسط ديكور فظ، في رحلة تتلاشى نقطة نهايتها على حساب الشوط الذي يقطعانه معاً. فيسترجع الزوجان الذكريات ويصفيان الحسابات ويتقاسمان الذنب والإحساس بالتقصير في حق ابنهما الذي ألقى بنفسه في التهلكة.
لم يجمع فيلم بين جيرار دوبارديو وإيزابيل هوبار منذ “لولو” لموريس بيالا في 1980، وهاهي أرملته سيلفي بيالا (منتجة “وادي الحب”) تعيد لم شملهما في محاولة لتخليد ذكرى الأموات عبر ماض يبدو مكتوباً في المستقبل بفضل حب نابض رغم تغيره بفعل الزمن. فجيرار وإيزابيل يحملان الاسم نفسه في الفيلم وفي الحياة، وجيرار ممثل في الفيلم وفي الحياة، ودوبارديو فقد أيضا ابنه في السنوات الأخيرة… وكأن الفيلم وصية تكفير سينمائي عن الموت والفقدان.
(فرانس 24)
******
كلام الصورة
جيرار دوبارديو وإيزابيل هوبار