مليكة كركود
في عمله الروائي الأول “الطلياني”، حقق الكاتب التونسي شكري المبخوت المفاجأة بفوزه بأرقى جائزة عالمية تكرم الرواية العربية (البوكر الأدبية). عن هذا العمل الروائي الذي اختلطت فيه آلام وآمال وخيبات جيل من التونسيين، وعن الكتابة في وقت انهار فيه كل شيء، وعن المرأة والإسلاميين… يتكلم شكري المبخوت،الموجودة روايته في معرض الكتاب ولكنها ممنوعة من التوزيع في الإمارات.
رواية أولى مدهشة… رحلة في عوالم الجسد والبلد، الرغبة والمؤسسة، الانتهاك والانتهازية”، “من مشهدها الافتتاحي إلى نهايتها تشدك بحبكاتها المتداخلة وشخوصها المتنامية التي تتفاوض مع واقعها بانضباطية هلامية لا تتنكر لماضيها ولا تلتزم به كل الالتزام”، “اللغة العربية تنساب بطواعية عذبة على صفحات الطلياني”، كانت تلك بعض تعليقات أعضاء لجنة التحكيم في الجائزة العالمية للرواية العربية على رواية “الطلياني” الفائزة لصاحبها التونسي شكري المبخوت.
لغة الرواية بلغت حدا مدهشا من الجرأة، تشهد على ذلك فقراتها ومقاطعها الملتهبة: “رغم كل شيء ثمة أمر ما يربطهما أكثر من الزواج الذي ساقته الظروف والصدفة. حين تشرع شفتاه تمتصان رضاب تلك القصبة المفكرة وتجوس يداه في ملمسها اللين، تصبح غصنا أخضر غضا يتلوى كلما مسته ريح الرغبة. كانت تراه في لحظات شهوته عاشقا هنديا مستعدا للموت عشقا، لقد كان شهوة موقوتة لا تعرف متى تنفجر ولا تترك في الجسد مكانا لا تصله الحروق اللذيذة أو الشظايا القاتلة”
رواية “الطلياني” أو ذلك الشاب التونسي الذي ربطه القدر للأبد بإيطاليا لوسامته، تعرت فيها اللغة العربية من جميع “المحرمات” عند حديثها عن العلاقات والأحاسيس بين الرجل والمرأة والرجل وبقية المجتمع الذي يعيش فيه، ليختلط بين صفحاتها الماضي بالحاضر، وينسى الربيع العربي همومه بين قضايا العشق والجسد، وتأخذنا الحكاية معها في سرد روائي مميز يبدأ من بورقيبة وبن علي فالإسلاميين، إلى ذلك الوجع التونسي والأحلام المجهضة المغدورة باستمرار.
ثاني تكريم للرواية العربية المكتوبة لروائي مغاربي في هذه الجائزة العالمية بأبو ظبي، بعدما تعودنا على مثل هذا التكريم (للكتاب المغاربيين) في الضفة الشمالية من المتوسط ما تعليقك على ذلك ؟
رواية “الطلياني” هي ثاني عمل روائي مغاربي يفوز بالجائزة العالمية للرواية العربية بعد رواية “القوس والفراشة” للروائي المغربي محمد الأشعري عام 2011.
المجال الثقافي للكاتب العربي هو الفضاء العربي بأكمله سواء كنا في تونس أو الجزائر أو الإمارات أو السعودية أو غيرها… فوطننا الحقيقي هو اللغة العربية، وطن كل من يكتب بهذه اللغة العربية.
ولكن في الآن نفسه الملاحظة مهمة لأن ميزة المغرب العربي هو قربه من أوروبا فنحن على بعد خطوات من العواصم الأوروبية الكبرى وهذا عامل ثراء وتنوع مهم بالنسبة للكتاب المغاربيين بصفة عامة.
استلهمت فكرة الرواية من أحداث الربيع العربي التي شهدتها تونس على عكس بعض الأدباء الذين “نبذوا” الكتابة خلال هذه الأحداث كيف ذلك؟
الربيع العربي لم يمنعني أبدا من الكتابة، بالعكس هذه الأحداث وكل ما صاحبها من تغييرات وتسارع في الأحداث، ألهمني أفكارا وشخصيات كثيرة جسدتها في رواية “الطلياني”، لأنه كانت لدي تخوفات كبيرة كبقية التونسيين، تخوفات من الإسلام السياسي، من أشخاص أرادوا تغيير نمط المجتمع، تخوفات من صراع ضارٍ بداخل المجتمع، من نظام سياسي ينهار…كل هذا دفعني للتساؤل والبحث لماذا اليساريون والحداثيون لم يتمكنوا من توجيه و قيادة هذه الثورة، لماذا تركوها وحدها أمام مصيرها في وقت كانت فيه في أشد الحاجة إليهم ؟
يرى بعض المحللين أن تونس هو أكثر بلد عربي نجح بعد ثورات الربيع العربي، ما هي الأسباب التي جعلته يتفادى “الهاوية” كما يحدث مثلا عند الجارة ليبيا؟
بكل بساطة في تقديري هي وجود الدولة ربما مشروع الدولة الذي بناه بورقيبة في السابق، ووجود إرث مدني ممتد حتى قبل دخول الاستعمار الفرنسي، فالإرث المدني متواصل ولا يتوقف.
بالإضافة إلى ذلك تمسك التونسيين بالحرية لأن وحدها الحرية بإمكانها أن تسمح للشعوب في الاستمرار والتقدم، فعندما نؤسس دولة تبنى على الحرية الفردية يمكن للإسلام السياسي والكثير من الإيديولوجيات المغلقة أن يعرف حدوده.
استعملت كلمة “الأشباح” عند حديثك عن الإسلاميين في تونس، لما كان ذلك؟
لم أكن أعني بعبارة “الأشباح” الإسلاميين فقط، ولكن كل الشخصيات والأنظمة التي حاولت تملك المجتمع التونسي وأفراده وتعويقه عن الحركة والتقدم، فالنظام البائد هو أشباح وأمراض المجتمع التي تنخر بجسده هي الأخرى أشباح.
بطل الرواية شاب عربي ربطته وسامته بإيطاليا التي صار يلقب باسمها (الطلياني)، حاله يشبه إلى حد كبير آلاف الشباب العرب الذين صاروا يركبون قوارب الموت للذهاب إليها (إيطاليا)، كيف تفسر حالة اليأس التي تتملك الشباب العرب اليوم؟
لا أظن بأنه هنالك علاقة مباشرة بين بطل روايتي “الطلياني” وما يحدث من مأساة على السواحل الإيطالية، لكن من البديهي أن يبحث فاقد الشيء عنه في مكان آخر، فالشباب العربي فقد أحلامه في بلده وكثرت خيباته فيه لذلك فمن الطبيعي أن يذهب للبحث عنها بعيدا رغم المخاطر.
قلت بأن الرواية تكريم للمرأة التونسية رغم أن بطلها كان رجلا كيف ذلك؟
النساء كن كثيرات في روايتي كما أنهن كن مرآة لتوجيه مسار البطل، البطل الحقيقي في الرواية هو النساء، حضورهن كان أكثر من أن يقتصر على شخصية البطل وحده.
(فرانس 24)