الأديبة ميشلين حبيب
الجامعة الأميركية اللبنانية LAU هي إحدى جامعات لبنان الخاصة التي استطاعت في فترة قصيرة أن تنافس أهم الجامعات المحلية والعالمية باختصاصاتها وشهاداتها ومستواها العلمي، حيث يحقق طلابها أهم الإنجازات في لبنان والعالم. من هنا كان لنا لقاء مع رئيس الجامعة اللبنانية الأميركية الدكتور جوزيف جبرا، وهو رجل صاحب رؤية مستقبلية هدفه تعليم الطلاب وتثقيف الإنسان الذي فيهم قبل كل شيء.
صعيدان أساسيان
*د. جبرا، نرى أن هناك تراجع في النظام التعليمي في المدارس وفي المستوى الثقافي عند التلاميذ والطلبة وفي المجتمع اللبناني بشكل عام، وفي المقابل هناك الكثير من الجامعات التي أنشئت وتنشأ حديثاً. هو أمر خطير والأخطر منه وجودنا اليوم أمام فرد لا يأبه بالثقافة أو اللغة أو التعليم ولا يأخذ أيا منها بجدية، من هنا كرئيس جامعة ومساهم في العملية التعليمية في البلد، كيف تنظر إلى هذا الأمر، وما هو دور الجامعة اللبنانية الأميركية LAU في دعم هذا النظام التعليمي؟
-سأتكلم على صعيدين أساسيين: الأول مرتبط باللغة. التطورات التكنولوجية لديها أثر كبير على اللغات وعلى تعلّم اللغات. عندما يتعلق الأمر بالتكنولوجيا شبابنا بارعون ولديهم مقدرة هائلة على استعمال التكنولوجيا من اجل التواصل في أي مكان وفي كل مكان. أنا شخصيا أشعر أن النظام التعليمي ليس هنا فقط وانما في العالم قد خذَل شبابنا. بمعنى أننا لم نحرص على عدم السماح للتطورات التكنولوجية التأثير بطريقة سلبية على اللغات وعلى تعلّم وإتقان عدة لغات. مشكلتنا هي في التركيز أكثر وأكثر على المهارات من أجل السوق والحصول على وظيفة ناسين أن المهارات بحد ذاتها ليست كافية لأنه مع المهارات نحتاج إلى التعليم والتثقيف.
تثقيف الانسان هو أهم شيء في الحياة. يجب أن يتخذ الناس القرارات في المجتمع، إن لم يكونوا مثقّفين كما يجب بالإضافة إلى مهاراتهم، فلن يتّخذوا القرار الصحيح وانما القرار الخاطئ. لأنه من الممكن جداً أن تضللك مهاراتك. أما الصعيد الثاني فهو مرتبط بما نقوم به نحن في الجامعة اللبنانية الأميركية لمواجهة هذا التحدي. إن جامعتنا هي مؤسسة ليبرالية من ناحية الآداب والعلوم الإنسانية والعلوم الاجتماعية. نحن نؤمن أننا نحتاج إلى أن نكون حضاريين والحضارة تأتي من التعليم والثقافة والتربية، والعلوم الانسانية والآداب، والفنون. يتضمن منهجنا ما يسمى بالمنهج الأساسي وهو مؤلف بصورة رئيسية من مواد في العلوم الانسانية والاجتماعية والتاريخ والفلسفة والأدب واللغات. ونحرص على أن كل طالب يتخرج من جامعتنا يكون قد استوفى المتطلبات في الاداب والعلوم الانسانية؛ لأنه مع المهارات فقط لن يتمكن شبابنا من التعامل مع التحديات الصعبة والمعقدة التي فرضتها العولمة علينا.
القنبلة الصامتة
*كيف ترى المستقبل بما يتعلق بهذا الأمر؟
-أعتقد أننا في وسط معمعة. لكنني متفائل وأقول دائماً عندما تُجبر المجتمعات على فعل شيء فإنها ستفعله. لكني أرى أنه ليس هناك أي تخطيط بما يتعلق بهذا الشأن والناس غافلون عن هذه القنبلة الصامتة التي تقبع في خلفية ما يحدث. لقد رأينا شرارات منها لكن إن لم يجدوا ملايين من الوظائف للناس في العشرين سنة المقبلة في هذه المنطقة فسيكون لدينا مشكلة كبيرة جداً.
*هل توفرون الوظائف لطلابكم بعد تخرجهم؟
-إن طلابنا الذين يحصلون على مساعدات مالية يُطلب منهم أن يعملوا في مكاتبنا ليتعوّدوا على فكرة ومفهوم العمل. كما أننا نحاول من خلال قسم التخطيط للحياة المهنية لدينا أن نقدم الإرشاد لطلابنا بما يتعلق بالتفتيش عن وظائف كما نقوم في مكتب العلاقات العامة على توفير الوظائف.
*هناك جامعات أنشئت في لبنان وهي تجعل التعليم للطلاب ممكناً من الناحية المالية، ولأن الطلاب يعملون فلا يتوجّب عليهم الحضور إلى الجامعة إلا يومين أو ثلاثة فقط. سؤالي لك ليس كرئيس جامعة، ولكن كشخص أكاديمي، وأنت رجل ذو رؤية، وأرى أن التعليم هو همك وفي فكرك دائماً وهذا ما تعمل من أجله. لا يمكننا أن نقول لهؤلاء الطلاب لا يحق لكم بالتعليم، فقد ذكرت للتو أن للجميع الحق بالتعليم، هل تظن أن ذلك سيؤثر على مستوى التعليم وفي الوقت تفسه ماذا عن توفير فرص العمل لأولئك الطلاب أيضاً؟
-أعتقد أن هذا سؤال مهم جداً. أولا لست في موقع يخوّلني القول أن هذه الجامعة جيدة أم لا. أفترض أن كل الجامعات جيدة. لكن أين السياسة الوطنية للتعليم في نظامنا التعليمي؟ أعتقد أن المؤسسات تعمل بطريقة جيدة لكن يجب عليهم إلى جانب ذلك أن يحرصوا على التمتع بالنوعية. لا يمكنهم القول نحن نقوم بعمل رائع وممتاز، أحد آخر يجب أن يأتي ويقول، أنتم رائعين حقاً لأنكم تقومون بهذا وذلك، أو أنتم لستم رائعين بسبب هذا وذاك. لقد وضعت الحكومة في لبنان نظاماً للتأكد من أن النوعية هي الأساس، وأعتقد أن كل الجامعات يجب أن تمر بهذا الإجراء بما يتعلق بتقييم برامج كلياتهم وأداء طلابهم. آمل أنه مع القانون الجديد وقوانين التعليم العالي التي أصدرت مؤخراً، أن الأمور ستبدأ بالتغير. ونحن في LAU نتفق أنه علينا أن نكون القدوة. من هنا فإن برامجنا معتمدة ومعترف بها عالمياً ومحلياً. نحن معترف بنا من قبل “نياز” NIAZ (national association of schools and colleges).
*لأن هدفكم هو خلق وتأمين تعليم جيد ونوعية جيدة والمحافظة عليهما، لذلك أنتم تفعلون ذلك. ربما لدى الآخرين مشاريع أخرى؟
-النوعية أساسية ومهمة. وأقول أنه حان الوقت لمراقبة وضبط وتنظيم التحصيل العلمي والتأكد من أنه والنوعية يتماشيان معاً يداً بيد. ونحن لا نحافظ على النوعية فقط بل أننا نحاول الارتقاء بها كل الوقت. لا تستقبل الجامعة اللبنانية الأميركية الطلبة الذين لا يتمتعون بمستوى أكاديمي معين.
منارة أمل
*إذا ما زال هناك أمل؟
-أنا متفائل أبدي ونحن في LAU سنبقى منارة أمل للجميع من دون أي تمييز. نحن نؤمن أن أي أحد مؤهل جداً يجب أن يعطى فرصة التعلم في LAU. تحتوي ميزانيتنا على 20 مليون دولار من أجل المساعدات المالية والمنح الدراسية. إن هذا مهم جداً بالنسبة إلينا، ونؤمن أن ذلك يذهب إلى قلب رسالتنا كمؤسسة تعليم عال.
*أود سؤالك أيضاً عن برنامج النموذج عن الأمم المتحدة، أعتقد أن ذلك أمر مهم أيضاً تقوم به الجامعة. ماذا كانت رؤيتك ولماذا بدأت الجامعة بهذا المشروع؟
-عندما عدتُ إلى لبنان أواخر سنة 2004 رأيت الانقسامات والعنف ورأيت تفكك النظام، بعبارة أخرى، نحن شهدنا وما زلنا نشهد على تفكك العقد الاجتماعي الذي تكلم عنه جان جاك روسو بطريقة بليغة وفصيحة جداً. لذلك رأينا في الجامعة الأميركية اللبنانية إنه من مسؤوليتنا البدء بغرس طرق جديدة في التفكير وتنفيذ الأمور في ذهن الشباب. هناك ثلاثة عناصر مهمة جداً في بناء أي وطن بما يتعلق بالشباب: الأول هو في إزالة الصعوبات والاختلافات. لديك الحق في الاختلاف معي وأنا لن أسحب مسدساً وأبدأ بإطلاق النار عليك. الثاني مهم جداً أن تقوم الجامعة بتعليم الناس كيفية السيطرة على غضبهم وكيفية تقبل الاخر. العنصر الثالث هو تعلم الديبلوماسية، كيف تحتاج أحياناً أن تقوم بتسوية أو المساومة ليس على حساب مبادئك ولكن بما يؤتي خيراً للطرفين. أنا أؤمن بشدة أن بناء الأوطان يتطلب الكثير من التضحيات بخاصة الشخصية، يجب أن تعطي وليس أن تأخذ فقط. وهكذا أسسنا نموذخ الامم المتحدة. هذا العام شارك ألف تلميذ من كافة أنحاء البلد في هذا البرنامج وكانوا متحمسين جداً.
*كيف هو تعاون المدارس معكم؟
-إنهم متحمسون جداً للأمر. كما أننا أسسنا نموذجاً عن جامعة الدول العربية في الجنوب.
*إذاً أنتم تأملون أن يؤثر ذلك على مستقبل البلد؟
-هذا واحد من العناصر. إنه منظر جميل أن نرى المسيحيين والسنة والروم جالسين معاً يحاولون أن يفهموا ويتناقشوا ويتعلموا من بعضهم البعض بالحوار وليس بالتشبث السلبي بالاراء والمواقف الغير البناءة والتي لا تؤدي إلى أي تطور أو خير عام.
المتابعة والاستمرارية والتطبيق
*هذا يعني أنكم تعرفون ماذا تفعلون لأنكم تكلمتم عن تعليم الفرد واللغات والعلوم الانسانية وفي الوقت نفسه ها أنتم تأسسون هذا المشرو،ع مما يعني أنكم تحرصون على المتابعة والاستمرارية والتطبيق لأن هذا مرتبط بذاك؟
-نعم، إن كل تعليمنا يخدم رسالتنا. الجامعة اللبنانية الأميركية هي رسالة، ونشعر بقوة أننا نحتاج إلى الحرص على أن طلابنا الشباب لا يتفوّقوا أكاديمياً فقط، بل أن يتطوروا ويكبروا وينضجوا ويصبحوا قادة أيضاً، والقيادة لا تفرض نفسها بالعنف.
*يعني أن يفكروا وليس أن يتركوا أحدا آخر يقوم بالتفكير عنهم. هذا مهم جداً. وأنت تريدهم أن يكونوا كذلك في وطنهم أليس كذلك؟ كيف تشعر إن تعلموا في هذه الجامعة ومن ثم حملوا كل هذه المعطيات التي أخذوها منها وغادروا البلد؟
-الهجرة ليست خطأ، فقد كانت في تاريخنا منذ زمن طويل. لكن أهم أمر بالنسبة إلي هو ماذا يفعل القطاع الخاص والقطاع العام وقطاع التعليم ليوفروا فرصاً للأشخاص كي يعودوا. هناك الكثير من المال في هذا البلد وأيضا هناك الكثير من الفقر. لماذا لا تستطيع هذه القطاعات أن تتعاون مع بعضها في السوق من أجل توفير فرص عمل لطلابنا؟
*أنت كرئيس لجامعة مرموقة، تسعى إلى إحداث فرق وتغيير، هل يمكنك التأثير في مكان ما لتغيير بعض الأمور؟
-نحن نتكلم.
*هل تظن أن شيئاً سيتغير في المستقبل؟
-نعم إلى حد ما. ولكن ما زال الطريق أمامنا طويل.
*****
(*) بالاشتراك مع aleph-lam
www.georgetraboulsi.wordpress.com