حاورته: ليندا نصار
سباستيان هاينه دكتور في جامعة بون المانيا قسم العلوم اللّسانيّة وأستاذ محاضر للأدب المقارن، واختصاصه هو اللغات الإيرانية والتركية قام بترجمة نصوص شعرية لشعراء شباب من لبنان في انطولوجيا تحت عنوان «لبنان وطن التهجئة». حول هذا العمل وتصوره للواقع الثقافي والإبداعي اللبناني كان هذا اللقاء:
بدايةً ماذا تعني لك اللّغة العربيّة، وكيف انطلق هذا العمل؟
إنّ دراسة اللغة العربية أمر مهمّ بالنسبة إلى المستشرق والباحث اللّغوي، ليدرك ويفهم النصوص الفارسيّة وبشكل عام النصوص الأعجمية.وقد كان اهتمامي بالشعر العربيّ القديم في الإطار نفسه مع الشاعر الدكتور سرجون كرم، وهو الذي جعلني أتعمّق باللّغة العربيّة، وقد تعاونت معه لترجمة شعر حديث لبنانيّ. بدأ مشروع الأنطولوجيا منذ عام 2013 ، ومازال مستمرًّا حتى اليوم. وقد تمّت ترجمت ديوان «هذا أنا» – د. سرجون كرم وديوان «أجمع في صدفة» – للشاعر هنيبعل كرم وديوان «شهوة القيامة» – الشاعر نعيم تلحوق. وما زال العمل مستمرًّا لترجمة ديوان «لا يصل الكلام باليسير»- د. شربل داغر . أمّا الأنطولوجيا بعنوان «لبنان وطن التّهجئة» فهي تعتبر صغيرة، وهي ترجمة نصوص لشعراء لبنانيّين أيضًا، وتطرح مسألة الوطن.
هل من الممكن أن تعرّفنا أكثر على هذه الأنطولوجيا والّتي صدرت بعنوان «لبنان وطن التهجئــــــة»؟
إنّ «لبنان وطن التهجئة» العنوان الّذي أطلقناه على هذا المشروع، هو محاولة مبكّرة لترجمات أكبر، فنحن نتقدّم في هذا المشروع شيئًا فشيئا.
لقد تمّت ترجمة نصوص لمجموعة من الشّعراء اللّبنانيّين هم: هينيبعل كرم، أحمد وهبة، أدهم الدمشقيّ، مهدي منصور، محمد ناصر الدين، ندين طربيه حشاش، باسكال صوما، رامي كنعان، سنا البنّا، وليد زيتوني، ريم فيّاض، زاهر عريضي، معمّر عطوي، مكرم غصوب، جميلة عبد الرضا، أدونيس الخطيب، تغريد عبد العال، زهرة مروّة، نسرين كمال، حسين عدرا. هذه النّصوص تتراوح بين السّبعين والتّسعين كلمة، والممّيز أنّ الشّعراء من عدّة انتماءات، وهذا ما يدلّ على اختلاف الآراء والنظريّات،ممّا يجمّل الصورة الشعريّة وخصوصًا في الشعر الوطنيّ.
ما الهدف من تنظيم أمسيّة شعريّة خاصّة بهذا العمل في ملتقى شهرياد؟ وما الرّسالة الّتي وددت إيصالها؟
هذا الاحتفال الذي أقيم يوم الثلاثاء 21 نيسان في أمسيّة شعريّة خاصّة بملتقى شهرياد في مطعم واست إيف الحمرا، شكّل جسرًا للأنطولوجيا بين لبنان وألمانيا،وهو لإظهار رأي الألمان بالشّرق، واستقبالهم الفكر اللّبناني من خلال هذه القصائد. إنّ المفكّرين الألمان ما زالوا يبحثون عن النقاط المشتركة والمختلفة بين لبنان وألمانيا، على سبيل المثال مسألة الوطن التي تعني لألمانيا كثيراً. أنا متأكد بأنّ الشّعب الألمانيّ سيتمتّع بهذه الترجمة.
أين تكمن أهمّيّة هذه الأنطولوجيا؟
تكمن أهميّة هذه الأنطولوجيا في أنّها تعبّر عن التنوّع بين المذاهب والمواقف وإيديولوجيات الشعراء الذين يجتمعون حول النقطة نفسها ليناقشوا لغة الشعر. إنّ لبنان عمومًا، وملتقى شهرياد خصوصًا من أفضل المساحات لتلاوة أنطولوجيا وطن، ومناقشة ما يهمّ المثقّف اللّبنانيّ باللّغة العربيّة، وأنا أرى أنّ هذا الأمر سيؤثّر في البلدان الأخرى مستقبليًّا، إذ ستتّجه أنظارهم إلى هذه الموهبة الشّرقيّة وما فيها من جمال.
ما هي شروط الترجمـــــة من لغة إلى أخرى؟
لو اعتبرنا أنّ أيّ شخص يتقن لغة الآخرين يستطيع أن يترجم الشّعر، لكان الجميع أساتذة للتّرجمة. ولكن في الحقيقة الترجمة لديوان معيّن، هي ترجمة الشعر بشكل شعريّ، أي يجب التركيز على الصورة الشعريّة. فعندما أوكلني د. سرجون كرم بترجمة هذه الكتابات، كان يشعر أنّ لديّ معرفة وبعد نظر في الشعر، وحين بدأت الترجمة، حافظت على الشكل الشعريّ في النصوص.
لقد استطعت من خلال ترجمتي أن أوصل الرسالة التي يبغيها الشاعر في نصّه بالّلغة الألمانيّة، وهذا كان أصعب ما فعلته. فالأساس في عمليّة الترجمة هو تذوّق الشعر، ومعرفة عالمه باللّغتين المترجمتين، أي يجب الإحاطة بتطوّر اللّغة بحسب تغيّر الأزمنة.
إنّ الغربي لا يعرف اللّغّات الشرقيّة، وخصوصًا اللّغة العربيّة، لأنّ الصّورة التي اكتسبها عن العرب، ارتبطت بظروف اجتماعيّة وسياسيّة معيّنة.
بالنّسبة إلى الألمان، هل الأنطولوجيا محصورة بالشعر فقط؟
لقد تطرقت الأنطولوجيا إلى القصص القصيرة والقصص الطويلة، والروايات فالأنطولوجيا لا تعني الشعر فقط.
ماذا عن التراث العربيّ القديم، هل يتمّ العمل على ترجمته؟ ولماذا اخترتم لبنان لهذا المشروع؟
إنّ مواضيع الشعر الكلاسيكيّ القديم متكرّرة ومعروفة، وأغلب النصوص القديمة لم تترجم حتى اليوم. وبما أنّ اللّغة في حالة تطوّر مستمرّ، وهي لغة حيّة، فهي لا تستطيع أن تقف على حالها إلى الأبد. أمّا الشعر الحديث، فكلّ قصيدة فيه تشكّل موضوعًا بحدّ ذاته. في كلّ سطرٍ صورة معيّنة متعلّقة بحالة الشاعر النفسيّة، فهو في حالة اكتشاف الذات والبحث عن «الأنا» الإنسانيّ والأنا الوطنيّ. لقد تمّت الترجمة لشعراء محدثين، وقد اخترناهم من اللبنانييّن لأنّنا نعتبرهم الأكثر فعالية في الشعر والثّقافة مقارنةً بالعالم العربيّ.
ما رأيك بالحركة الثقافية في لبنـــــــان وخصوصًا ملتقى شهرياد، الّذي ينظّم الأمسيّات الشعريّة الأسبوعيّة، وما تأثير هذه الحركة في المثقّف الألمانيّ؟
بصراحة أنا متفاجئ وبشكل إيجابي بهذا الإنتاج الأدبيّ اللبنانيّ، وبهذه المحافظة على مكانة الشعر، على الرغم من هيمنة التكنولوجيا والظّروف الصّعبةالّتي يمرّ بها لبنان. وقد لاحظت من خلال «شهرياد» ،أنّ الشعر هو نَفَس اللبنانيّ، وأملي أن يبقى كذلك. إنّ مشروع الأنطولوجيا سيؤثّر بشكل كبير في الغرب ، وسيشجّع الشعراء الألمان على كتابة الشعر وتدوينه من جديد.
ما هي أسباب اهتمام المستشرقين الألمان بالمراكز الثّقافيّة العربيّة في وطنهم؟
إنّ الإستشراق مهمّة قديمة لدى الألمان، ونحن نعتبر أنّ هذه الترجمات، ستجعل الشّرقيّين يحبّون ألمانيا أكثر، ممّا سيثير فضول البحث في ثقافتها. لذلك كان الاهتمام الألمانيّ بالمراكز الثّقافية ، هذا بالإضافة إلى العمل على توسيع الدّراسات بالأدب الشّرقيّ قدر المستطاع.
إلى أيّ مدى يتّضح لك تأثّر الأدب الشّرقيّ الحديث بالأدب الغربيّ؟
إنّ لبنان متأثّر بالغرب إلى حدّ بعيد، وقد ظهر ذلك في الكتابات. فآثار الحرب العالميّة الأولى والإستعمار الفرنسيّ، تظهر في اللّغة والقصائد. الفرق بين اللّبناني وغيره، أنّ هذا الأخير يقف بين الشرق والغرب ويتأثّر بالغرب، بينما الثّقافات الأخرى كالتركية والفارسيّة، لم تؤثّر فيه مع أنّها من الدول المجاورة.
في نهاية الحوار، وجّه المستشرق سيباستيان هاينه رسالة إلى العرب وإلى اللّبنانيّين خصوصًا يدعوهم فيها ليحبّوا لغتهم ويتمسّكوا بها، لأنّ فقدانها يعني فقدانهم هويّتهم وثقافتهم العربيّة.
******
(*) جريدة اللواء 30 إبريل 2015