حاورته: ليندا نصار
أنور محمّد الأسمر من محافظة المزار الشّماليّ إربد، حاصل على إجازة في إدارة الأعمال من جامعة بيروت العربيّة لبنان سنة 1985.له من الشّعر ديوان «رحلة حرجة» الصادر عن دار العلوم العربية سنة 1985، الديوان الثاني «وأنا مثلك مطفأ» دار الكندي 2001، الديوان الثالث «مرثاة الغريب» صدر في الأردن سنة 2004، الديوان الرابع «وأنت إذ تكتب على الريح» – دار الدّليل بيروت 2012، الديوان الخامس «أبابيل الغياب» الصادرعن البيروني ناشرون موزّعون 2013.
هو عضو في رابطة الكتّاب الأردنيّين وملتقى إربد الثّقافيّ. شارك في عدّة أمسيات شعريّة في الأردن والإمارات ولبنان، وقد نال جائزة شرحبيل بن حسنة للإبداع الأدبيّ في إربد سنة 2002.
كان لنا معه الحوار الآتي:
أستاذ أنور أخبرنا عن بداياتك كشاعر.
بداية أنا من محافظة المزار الشمّالي كما سبق أن ذكرت، وهي تشبه طبيعة الجنوب في لبنان، وقد خدمني الحظّ في البدايات إذ درستُ في بيروت سنة 1980 أيّام الأحداث اللّبنانيّة حيث كنّا نبحث عن الحياة وسط الموت، وكان الاحتكاك مع شعراء لبنانيّين أضافوا إلى الشعر العربيّ والقصيدة العربيّة بناءً جميلاً، ممّا شكّل عندي مخزونًا للصور والمفردات. بدأت بنشرعدّة كتب فصلت بينها فترات زمنيّة معيّنة، فأنا لا أحبّ النشر بشكل متواصل، أعتقد أنّ علينا الانتظار فترات طويلة وهذا أفضل ما يمكن فعله، لأنّ الشّاعر بذلك يضيف شيئاً جديدًا من تجربته على الكتب والشعر.
معظم الأمسيات التي شاركت فيها كانت في الأردن، وكان لي وجود أيضًا في البلدان العربية كالإمارات ولبنان، ولكن أنا اليوم متفرّغ من الوظيفة أشعر وكأنني أملك جناحين للتحليق في فضاء الشعر أكثر فأكثر.
برأيك إلى أيّ مدى يجب أن يقيّد الشّاعر معنى القصيدة بوزن محدّد؟
قد تتواجد في القصيدة نفسها مقاطع موزونة ومقاطع غير موزونة، لا التزام بشكل محدّد بالنّسبة إليّ، فهناك إشكاليّة في ماهيّة الشعر من حيث انتمائه إلى الشعر الموزون أو قصيدة النثر وهذا موضوع واسع. أشعر بالانحياز إلى الصور الفنّيّة والجماليّات في القصيدة، فإذا كان الوزن يخدم الصورة والمعنى المراد إيصاله في القصيدة أتبعه، أمّا إذا شعرت بأنّ الإيقاع سيؤذي الصورة الفنّيّة فلا أعتمده. لا قدسيّة للتفعيلة فالقصيدة تنطلق من الإحساس والإيقاع الداخليّ.
ما هي أهميّة هذه التّجربة الّتي ذكرتها؟
أعتبر أنّ هذه التجربة مميّزة، وهذا لون خاصّ أن نجد في القصيدة نفسها شعر التّفعيلة ومقاطع تنتمي إلى قصيدة النثر، وبذلك أكون أمينًا على اللّغة وعلى عمر القصيدة الزمنيّ، وقد تتجاوز أحيانًا القصيدة هذا الإطار أيضاً فأكون بذلك أمينًا على الإيقاع ودائرة المتلقّي. وهذا يعتبر نمطًا مميّزًا في الأردن أيضًا.
الشّاعر أنور الأسمر إذا انتقلنا إلى آخر ديوان صدر لك «أبابيل الغياب»، هل يمكن تحديد المواضيع الواردة فيه انطلاقًا من العنوان؟
إنّ هذا الديوان هو ولادة وجع وقد تناول العنوان مفردة الغياب بكلّ أشكالها. والغياب هنا ليس فقط غياب شخص واحد عن حياتنا، بل هو غياب القيم والأخلاق، وغياب الإنسان عن نفسه والخسارات التي يعيشها. فهذا الديوان يتحدّث عن كلّ أسراب الغياب الّتي هجمت علينا وأفقدتنا الكثير في مجتمعنا.
ثمّة من يقول أنّ هناك توأمة بين الشّعر والوجع. ما رأيك في هذا الموضوع؟
إنّ الوجع يخلق الشعر مع أنّي أتمنّى أن لا تكون القصيدة ابنة الألم والوجع ولكنّها كذلك. إنّه الأرض الخصبة للشّعر. فأشعر أنّ الإنسان بات يصطاد فرحه صيدًا، لأنّه أصبح مفقودًا في حياتنا بسبب الوضع العام. وإذا نظرنا إلى المرآة، نرى هويّتنا مملوءة بالهزائم والخسارات، وطبعًا القصيدة هي ابنة الحياة ولا تكتمل إلّا بها.
كيف تنظر إلى المنتديات الثقافيّة في الدّول العربيّة؟ وما هو تأثيرها في الشّعراء والمتلقّين؟
لهذه المنتديات ناحية إيجابيّة ففي النهاية لا بدّ للشاعر أن يفرغ طاقته بين أيدي المتلقّي، وهي أيضًا تساعد على معرفة هويّة الثقافة وتنسج المنهج الثقافي في العالم العربيّ، أمّا هذا الاحتكاك بين الاثنين، فهو مهمّ لتقديم التجربة الشعريّة للعالم. إنّها من الحسنات لفتح باب الجماعات وأتمنّى أن يتركّز عليها أكثر في الإعلام ففي نهاية المطاف، الثقافة والأدب هما ما تبقّى لنا وكل شيء بدأ ينهار. بعبارة أخرى إنّ الثقافة هي الوحيدة القادرة على قيادة الأمّة بنجاح، وهي حركة إيجابيّة نحو التعاون.
بما أنّك ذكرت الإعــــــلام، برأيك ما هو تأثيره في الأدب والشّعر؟
إنّ الإعلام يضخّم الكتّاب وهو يأخذ دور «الفيديو كليب» لتغطية عورة مشهد فنّيّ معيّن. ولكنّ الزمن قادر على غربلة هذه الأعمال مهما تمّ إلقاء الضوء عليها، فهو يحاكم ويحكم ويعطي لكلّ واحد حجمه الذي يليق به.
ما هي تصوّراتك للمشهد الثّقافيّ في ظلّ الأوضاع العربيّة والتّحوّلات في المنطقة ككلّ؟
إنّ الإنسان ابن بيئته، وهو صاحب العقل الأوّل، يفهم طبيعة بلاده والبيئة المحيطة به ويعرف ما تملي عليه. ما يجري في العالم العربيّ هو موت يوميّ، وهذه الهجمة على الأدب والشعر تخلق منفذًا بسيطًا ليصرخ الشاعر، فمن الألم تولد القصائد. وبرأيي هناك ظلام كبير يحجب الرؤية حولنا، إذ لا نعرف إلى أين ستصل القصيدة العربيّة. ما أعرفه أنّها قد تكون بدايات تجربة الشعر الذي يحتاج إلى حريّة أكبر ومساحة أوسع.
******
(*) جريدة “اللواء” 25 إبريل 2015