أوباما بعد الاتفاق مع إيران

د. عبدالله بوحبيب

يواجه الرئيس الأميركي باراك أوباما، بعد الاتفاق التاريخي المبدئي بين ايران والدول الخمس زائداً abdallah-bou-habib-1واحداً، تحديات كبيرة قد تعيق الوصول قريباً الى اتفاق نهائي بين الطرفين. مصدر هذه التحديات أميركي داخلي، وخارجي يتعلق بدول الشرق الأوسط العربية منها وإسرائيل.

في البدء من المفيد الإشارة الى أن الاتفاق هو من صلب خطة الرئيس أوباما في رسم سياسة أميركية جديدة مع الدول التي وصفها سلفه الرئيس جورج بوش الإبن بالمارقة. وترتكز هذه السياسة على الاحترام والتعاون والمشاركة. وربما ارتكزت سياسته الجديدة تجاه ايران على تجربة المكوّن الأسود في الولايات المتحدة، الذي أُعطي الفرصة، بعد تظاهرات ستينيات القرن الماضي، لأن يصبح أبناؤه مواطنين اميركيين بكل ما تعني كلمة مواطنة في الولايات المتحدة، فنجحوا في دخول المرافق الوطنية وأوصلوا أوباما الى سدة الرئاسة الأميركية في انتخابات 2008.

بعد ان طبَّع علاقات بلاده بدولة كوبا التي استمرت مقاطعتها منذ العام 1960، نجح أوباما في حواره مع ايران حول ملفّها النووي. قبلت ايران بتخصيب اليورانيوم الى اقل من 3.5 في المئة وسمحت لوكالة الطاقة الدولية بمراقبة كل المراكز والمصانع النووية في ايران. إن الاتفاق يسمح لايران بتخصيب اليورانيوم للأغراض السلمية، كذلك سيلغي المجتمع الدولي العقوبات التي فرضت على ايران بسبب غياب اتفاق كهذا. لكن لم يتم الاتفاق بعد على تفاصيل تطبيق الاتفاق والشيطان في التفاصيل.

يتمنى الرئيس أوباما أن يفتح الاتفاق الطريق أمام إيران للمشاركة في حل قضايا المنطقة بالطرق السلمية، رغم أن ذلك لم يتم بحثه بعد. منذ عهد الشاه الإمبراطوري وإيران تحاول مدّ نفوذها الى العالم العربي ونجحت الثورة الاسلامية في هذا المضمار بسبب غياب المواطنة والمساواة والاعتراف بالآخر المختلف والقبول به في كل الدول العربية. كذلك، إن التخلف الاقتصادي والاجتماعي يدفع الشباب العربي الى الالتحاق بـ «داعش» و «النصرة» وغيرهما من المنظمات الإرهابية «الجهادية» المعادية للغرب، ما يخيف الكثير في المشرق من المختلفين مع هذه المنظمات عقائدياً ومذهبياً وممارسة للدين حتى.

يأمل الرئيس أوباما من ايران والبلدان العربية «السنية» التعاون الديبلوماسي وبشفافية، لأن الحرب والإرهاب لا يحلان المشاكل بل يزيدانها تعقيداً. كذلك أن إلغاء العقوبات الموجّهة ضد ايران لأسباب لا تتعلق بملفّها النووي، يعتمد على قبولها النظام العالمي القائم، والعمل من خلاله لحل المشاكل مع دول الجوار وغيرها. ويشدّد الرئيس أوباما على أنه يتفهّم الحساسية الإيرانية من أميركا وأوروبا اللتين حمتا الشاه ونظامه الاستبدادي ودعمتا صدام حسين في حربه عليها.

وبدأ التفكير في البيت الأبيض بما يجب عمله لتطمين الدول «السنية» وخاصة الخليجية، بعد الاتفاق مع ايران، قبل أشهر من التوصل الى الاتفاق. اعطت «عاصفة الحزم» السعودية على اليمن فرصة لواشنطن لأن تدعم السعودية لوجستياً وتطمئنها ودول الخليج الى أن الاتفاق النووي مع ايران لا يعني تخلياً عن دعمها وحمايتها. ورغم عدم اقتناع واشنطن بصواب الحرب على اليمن كما يتبين من التسريبات الرسمية الى الاعلام الاميركي، الا أن أوباما أرسل نائب وزير الخارجية لينسّق مع المملكة في كيفية دعم واشنطن الحرب الجوية، كما أن عسكريين اميركيين قصدوا الرياض وسفناً أميركية توجهت الى خليج عدن للغرض نفسه. الى كل ذلك، سيجتمع الرئيس أوباما هذا الربيع مع ملوك وأمراء الخليج في كامب ديفيد ليؤكد لهم أن القواعد والأساطيل الاميركية باقية في الخليج، وبالتالي ضرورة التنسيق الدائم بين واشنطن ودول الخليج، خاصة السعودية.

لكن الرئيس أوباما سيكرر في اجتماع كامب ديفيد ما قاله لجريدة «النيويورك تايمز» بأن الخطر على أنظمة دول الخليج لن يأتي من الخارج ما دام الوجود العسكري الأميركي منتشراً في الخليج وربوع تلك الدول. الخطر من الداخل وبالذات من ايديولوجية الأنظمة الدينية وممارستها الحكم.

أما من ناحية اسرائيل، فيبدو، رغم معارضتها القوية لأي اتفاق مع ايران، أن نتنياهو قبل ضمناً ومرغماً بالاتفاق وأن اكثر ما يبتغيه تعديلات طفيفة من خلال الكونغرس الاميركي.

داخلياً اطمأن الرئيس أوباما الى أن الهدف من إصرار الكونغرس على مراجعة الاتفاق لا يعني رفضه، وإنما المشاركة في صنع السياسة الاميركية الخارجية. وبعد أن وعده الديموقراطيون في الكونغرس بدعمه ضدّ أي محاولة من الحزب الجمهوري لرفض الاتفاق، قبل الرئيس أوباما، وإن على مضض، أن ينسّق مع الكونغرس آملاً في أن يساعد ذلك في إلغاء العقوبات التي فرضها الكونغرس على ايران والمتعلقة بملف الاخيرة النووي.

في اختصار، ان سياسة الرئيس أوباما تبدو مركّزة على ايران للتخفيف من سياستها التوسّعية والتعاون الإيجابي مع محيطها العربي «السني»؛ وعلى دول الخليج لتضبط الداخل، خاصة من النواحي المالية والبشرية والايديولوجية المتعلقة بدعم المنظمات الإرهابية الجهادية؛ واحتواء معارضة اسرائيل للاتفاق بتأكيده على حماية أمنها ومصالحها؛ بالاضافة الى الحوار مع الكونغرس لمساعدته في إلغاء كل العقوبات، وإن تدريجياً، على ايران.

*****

(*) السفير، الاربعاء 22 إبريل  2015

اترك رد