الكاتب بلال حسن التل
كلما تأملنا أكثر في صور دعم الدولة الاردنية لجماعة الاخوان المسلمين ورعايتها، والتي استعرضنا بعضها في المقالين السابقين، زاد استغرابنا من النظرة العدائية التي صار بعض الإخوان ينظرون بها لهذه الدولة، التي استمر دعمها لجماعة الاخوان المسلمين على مدار تاريخها، والأدلة على ذلك كثيرة، منها: أن الدولة استوعبت ابناء الجماعة ومناصريها والمتعاطفين معها في كل أجهزتها، بما في ذلك اجهزتها الأمنية والعسكرية، حتى ان كبار رجال الدولة كانوا من أعضاء الجماعة وقادتها..
ويكفي القول بأن السيد احمد الطراونه (ابو هشام) كان وكيلاً للجماعة، اي انه كان الرجل الثاني فيها، مثلما كان الشهيد هزاع المجالي من قيادات الجماعة في فترة من الفترات، مثلما هي الحال مع الدكتور عبد الرؤوف الروابده، ومثله الدكتور اسحق فرحان وغيرهم كُثر، فلم يكن الانتماء لجماعة الاخوان المسلمين من الاسباب التي تحول دون الانخراط في مؤسسات الدولة بما فيها المؤسسة العسكرية و الأمنية بل على العكس من ذلك، ويكفي التذكير هنا بان الشخصية الاخوانية البارزة وعضو كتلة نواب الاخوان المسلمين الشيخ عبد المنعم ابو زنط كان ضابطا بالامن العام الذي استوعب حركية الشيخ واستقلالية رأيه وشخصيته، بينما ضاقت قيادة الجماعة بحركية الشيخ واستقلالية رأيه وجماهيريته، فدفعته ليكون خارج صفها على اخلاصه لفكر الجماعة، كما وضعه المؤسس الشهيد، ومثل الشيخ عبد المنعم ابو زنط هناك آخرون من اعضاء الجماعة الذين منهم من تولىّ أرفع المناصب في أجهزة الدولة، حتى صارت بعض وزارات الدولة شبه محتكرة للجماعة واعضائها والمتعاطفين معها، مثل وزارة التربية ووزارة الأوقاف، اضافة الى كليات الشريعة، وخاصة في الجامعة الاردنية التي ضمت د.ابراهيم زيد الكيلاني الذي كان احد وزراء الاخوان المسلمين في الحكومة الاردنية (وزيرا للاوقاف)، وكان قبل ذلك مديرا للبرامج الدينية في اذاعة المملكة الاردنية الهاشمية وفي التلفزيون الاردني، أي أن الإعلام الرسمي الاردني كان مفتوحا على مصراعيه امام الاخوان المسلمين، ليس بسبب وجود د. ابراهيم زيد الكيلاني في هذا الموقع فقط، بل كان في الاذاعة والتلفزيون آخرون من صُلب الجماعة، منهم على سبيل المثال لا الحصر: الاستاذ على فريج، والمرحوم عبد الرحمن الباز وغيرهما، هذا عدا عن وجود الاخوان في الصحف الورقية كُتابا ومحررين قائمتهم طويلة، لا يستطيع هذا المقال حصرها. فقد ظل الإعلام الرسمي والاهلي مفتوحاً للاخوان المسلمين، وقبله سائر اجهزة الدولة ومؤسساتها.. كل هذا من صور رعاية الدولة للجماعة.
غير الدكتور ابراهيم زيد الكيلاني، كان هناك في كلية الشريعة بالجامعة الاردنية أم الجامعات الاردنية د.همام سعيد، ود.محمد ابوفارس، ود.احمد نوفل، ود.راجح الكردي، ود.فضل عباس، ود.ياسين درادكة، ود.محمد عويضه، وشرف القضاه، وغيرهم من رموز الجماعة وصقورها بما فيهم د.عبدالله عزام الذي لا نريد الحديث عن سبب خروجه من الاردن حتى لا نحرج أحدا من ابناء الجماعة.! بل إن الجامعات الاردنية احتضنت آخرين من الإخوان المسلمين من غير الاردن من امثال د. محمد اديب الصالح، وعدنان زرزو، ومحمد الزحيلي، ومحمد المبارك، وغيرهم كثر. ولم يكن وجود اعضاء جماعة الاخوان المسلمين في الجامعات الاردنية مقتصرا على كليات الشريعة بل كانوا في سائر الكليات الجامعية الاخرى وفق تخصصاتهم..
وفي اطار حماية الدولة الاردنية ورعايتها للجماعة، فقد استثنتها من قرار حل الاحزاب السياسية عام 1957، وتركت الجماعة وحيدة متفردة في ساحة العمل الدعوي والسياسي، مما أكسبها قوة ظهرت نتائجها في الانتخابات البرلمانية فيما بعد.. كانت ابرز تجلياتها نتائج انتخابات عام 1989، بل ان الدولة الاردنية غضت الطرف عن الجماعة عندما لم توفق الجماعة أوضاعها بعد صدور قانون الجمعيات عام 1965، والذي أوجب على الجمعيات والهيئات المرخصة في الاردن توفيق اوضاعها، وهو الأمر الذي لم تفعله الجماعة، وظلت تعمل منذ ذلك الحين، اي لمدة نصف قرن بلا سند قانوني، ومع ذلك لم تحرك الدولة ساكنا في اطار حمايتها للجماعة ورعايتها لها، بل زادت على ذلك بأن سجلت أذرع الجماعة الأخرى، مثل جمعية المحافظة على القرآن وغيرها حيثما أرادت الجماعة وتحت المظلّة التي تريد.. فماذا يريد دعاة مخاصمة الدولة من بعض ابناء الجماعة من الدولة اكثر من ذلك..؟!
لم تقتصر رعاية الدولة الاردنية وحمايتها لجماعة الاخوان المسلمين على اعضاء الجمـــاعة من الاردنيين، بل امتدت لتشمل الكثـــير من غير الاردنييـــن، حــــيث تحــول الاردن الى مـــــلاذٍ آمن للمضطـــهـدين في اوطــــانهم من الاخــــوان المسلمـــــــين–مصريين وسوريين وغيرهم- ممن فروا من بلدانهم الى الاردن الذي احتضنهم ووفر لهم حياة كريمة، فقد استقبل الاردن المئات من الاخوان السوريين وأُسرهم بعد احداث حماة كما لم يبخل الاردن على الكثيرين من الاخوان المسلمين من غير الاردنيين بجوازات السفر التي تمكنهم من التحرك، من أمثال الاستاذ سعيد رمضان الذي لا نريد الحديث عن اسباب خروجه من الاردن هو الآخر، حتى لا نحرج احداً من ابناء الجماعة. وكذلك الاستاذ عصام العطار، والدكتور حسن هويدي وسعيد حوا الذي احتضنته الاردن وفتح له باب جامعاته، وغيرهم الكثير الكثير.
لقد كانت حماية الدولة الاردنية للاخوان سببا في توتر العلاقات بين الاردن وبعض الدول العربية. وهو التوتر الذي بلغ احيانا مرحلة الحشد العسكري. مثلما رفض الاردن دائما وابدا تسليم احد من الاخوان المسلمين ممن لجأوا اليه عندما طالبت به دولته، والشواهد على ذلك كثيرة، وكلها تعزز حقيقة حماية الدولة الاردنية لجماعة الاخوان المسلمين ورعايتها لها بالرغم مما سببه ذلك من خصومات للدولة الاردنية مع دول اخرى، مثل مصر عبد الناصر، وسوريا حافظ الاسد، فلماذا ينكر بعض الحدثاء من المنتسبين للاخوان المسلمين هذه الحقائق التاريخية تحت وهم نديّة الجماعة للدولة وثنائيتها معها..؟
*****
(*) رئيس “مركز البيرق للدراسات والمعلومات” ومؤسس “جماعة عمان لحوارات المستقبل” وناشر وصاحب جريدة اللواء الأردنية.