الروائي واسيني الأعرج
تشمم المكان بكل حواسه. فتح الذئب رماد عينيه للمرة الأخيرة. نظر إلى شعلات اللهب التي ارتسمت في البؤبؤين اللذين تلونا بحرائق البيوتات الخشبية.
تشمم الجثث المتناثرة. للأحياء رائحة وللأموات رائحة أيضا. فتح فمه. أراد أن يعوي حتى ينفجر دماغه وقلبه المثقل بالدم. تذكر أمه رمادة التي كانت هدفا للصيادين الأمريكان والإنجليز لفروها الجميل والكثيف.
أرضعته يوما واحدا قبل أن يجرحها الصياد الأمريكي جرحا بليغا في الصدر. لكنه لم ينلها وكأنها كانت تعرف ماذا كان يريد منها. ركضت طويلا بكل ما أوتيت من قوة، محاولة أن تتفادى الرصاص الذي كان يأتيها من أمكنة عديدة، وهي تحمل رماد بين أسنانها.
كانت مجهدة والدم يخرج من صدرها كلما بذلت جهدا أكبر وهي تصعد بصعوبة. ثم خبأته بين الصخور، بالقرب من شجرة البلوط القديمة ليستطيع التخفي في ظلالها وأوراقها ويأكل من نبتتها الثقيلة. تشممته طويلا قبل أن تدفع به عميقا بين صخرتين.
رأى رماد يومها شيئاً حارقاً يرتسم في عينيها المثقلتين بالخوف والتعب. رفعت راسها عالياً وعوت طويلا قبل أن تركض للمرة الأخيرة في نفس مسالك الصياد لسحبه نحوها.
جلس الصياد الأمريكي على ركبتيه، وحدد رصاصته في رأسها لكن انحناءتها الأخيرة جعلت الرصاصة تعبر فوق رأسها. وعندما رآها تتجه نحو الوادي الذي علت مياهه بسبب العواصف والأمطار الأخيرة. عرف الصياد الأمريكي ما كانت تريد فعله.
حاول الصياد الأمريكي أن يسبقها عند فتحة الوادي. عندما وصلت إلى الحافة، نظرت إلى قاتلها الذي اصبح على بعد خطوات منها ولا يريد أن يضيع فروها بعد أن أصبحت في مرماه. في اللحظة التي صوب فيها البندقية الباردة نحو رأسها ارتفعت عاليا فتبعثر دمها في الفضاءات العالية مصحوباً بصوت الطلقة الجاف، قبل أن تسقط من الأعالي مثل طير جريح نحو الأسفل. لم يسمع رماد يومها إلا صوت الرصاصة الأخيرة مرفوقاً بصوت ارتطام رمادة في مياه الوادي العنيفة.
مرة أخرى رفع رماد رأسه نحو شجرة البلوط البعيدة، التي شم رائحتها ممزوجة برائحة جرح أمه. عوى طويلا حتى تردد صوته بين التلال والجبال والمنحدرات الحادة، ثم ركض بلا هوادة نحو الصخرتين وشجرة البلوط وجرح أمه.