مازن عبّود
هل إنّ الحوت الذي ابتلع يونان النبي قديماً لثلاثة أيام، ابتلعهما كي يعود فيقذفهما، كما قذفه قديماً في نواحي نينوى، فيدعوان أهلها إلى التوبة ؟ أم إنّ البحر قد ابتلعتهما؟
علّ زمن عودتهما لم يحن بعد؟ أم إنّ ” نينوى” ما عادت ما كانت عليه، وقد هجرها أهلها ودمرت حضارتها؟
هل إنّ أيام يونان الثلاثة في الحوت قد أضحت في عصر العولمة ثلاث سنوات؟
لقد اختفت أخبارهما كما تختفي أخبار بطل المسرحية عن المشاهدين حين تسدل الستارة. إلا أنّ مسرحية الحياة لا تنتهي. وكلمات بولس ويوحنّا ما زالت تفعل فعلها متخطية الزمن.
أيكونا قد غابا كي يقولا إنّ الراعي هو دوماً مستعد أن يغيب عن الخراف؟
لا أعرف، ولا اعتقد بأنّ أحدا، يعرف عنهما الشيء الكثير.
كل ما أعرفه أنهما قد صارا صليب انطاكية الممتد من فلسطين الجريحة حتى لواء اسكندرون، ومن نينوى حتى تخوم صور وصيدا.
ما هذا الصمت الرهيب الذي يملأ الأرض يا رب؟؟ أيكون الصمت خوفا؟ أيكون الصمت موتا؟
كلا ليس الصمت موتاً، وليس إذعاناً لواقع، انما هو استكانة كي تلتمس من رب الصمت كلمة حق.
إنّ الصمت صلاة، إنّ الصمت مناجاة.
تستكين كلماتي خفراً في حضرة الألم.
تستكين كلماتي ذهولا أمام مشهدية القيامة.
علها تستحيل دندنات تلامس قلب الأرض فتحملها أنغاماً إلى رب السماوات.
فتنشدها الملائكة لرب القوات.
ربي يا من تنظر قلبي وخفقاته، ألا فتطلّع علينا وعليهما.
ثبتنا وثبتهما في محبتك فإنّ زمن الغربلة قد أضحى على الأبواب.
سيدي، إن رغبت أرجعهما فخرافك تنتظرهما.
ما أطول الطريق ما بين انطاكيا وحلب واصعبها!!
فمعهما صارت الطريق جلجلة!!
جلجلة وطن، لا بل جلجلة مشرق يتألم.
سيدي، يا مشرقياً ذاق الموت لأجلنا، ألا فابعد عن مشرقك هذا الكأس.
ربي اسألك أن تعيد المطرانين وكل المخطوفين إلينا معافين.
ألا فاجعل الحوت يقذفهما قريباً في نواحي نينوى فأهل كل المشرق ينتظرون من فمهما كلمة حق، كلمتك التي تعيد إلى مشرقنا سلامه المسلوب. فتفرح بلاد ما بين النهرين وفينيقيا والعربية وكل سوريا.
ربي يا من ولدت مشرقياً لا تسلّم مشرقك إلى الموت.
لا تدعه في القبر.
أقمه وأقمنا، فنرث جميعا في ملكوتك.