د. عماد عبد اللطيف
التقى الموت مرتين؛ في الأولى كان يلملم أعطاف مراهقة وديعة، ويستعد لولوج زمن الشباب. كان يُغرق شقاء عام مضى بين طيات موج البحر المتوسط، حين فاجأه وجه الموت لدقيقة واحدة في قلب حفرة عميقة بلا قرار.
كان جسده يعارك الماء، أما عقله فقد انشغل كلية في تقليب صور الماضي، التي مرت مثل شريط سينمائي أمام عينيه. حينها نوى، إنْ أدار الموت وجهه بعيدًا عنه، أن يصنع شريطًا مغايرًا، أقل صرامة وأكثر تسامحًا مع النفس والآخرين.
بعد ما يقرب من ربع قرن من الزمان، رمقه الموت بنظرة عابثة داخل حجرة عمليّات منمّقة. لمح ظلال الموت في أروقة المستشفى، قبل أن يزيل الحجاب عن وجهه في ساعاتٍ ثلاثةٍ حاصرَه فيها. في حضرة الموت غدا هشًّا كعصفور وليد، كأنه لم يمتلك شجاعة قط.
كانت روحه أشبه بسيارة معطلة، وكان يجتاز متاهة النفق الفاصل بين الموت والحياة، مدفوعًا فحسب بمحبة الآخرين. ومنذ أدار الموت وجهه ورحل، عاهد نفسه أن يُلازم الابتسام والرضا حتى يلقاه من جديد.