الكاتب بلال حسن التل
أُقدم فضيلة الاستاذ عبد المجيد ذنيبات، المراقب العام الأسبق لمدة اثنى عشر عاما لجماعة الاخوان المسلمين، بالاضافة الى عضويته في مكتب الارشاد العالمي، ومن ثم إشغاله لموقع نائب المرشد في التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين.
وهي المواقع التي وصل اليها بفعل إخلاصه للدعوة في المراحل التي كان يحملها الرجال على ظهورهم لتبليغها للناس، وقد أمضوا وقضوا في سبيل ذلك زهرة شبابهم، وكل اعمارهم، قبل ان تصل الدعوة الى ما وصلت اليه من قوة وانتشار، فصارت مصدر وجاهة وعز لمن يُنسب اليها، فتكاثر الطامعون في صفوفها، ممن صارت تحملهم الدعوة للناس بدلا من ان يحملوها هم للناس.
أقول: اقدم الاستاذ عبد المجيد ومعه كوكبة من اصحاب السبق في الجماعة الى التقدم بطلب تصويب الاوضاع القانونية للجماعة، حيث تم تسجيلها تحت مسمى «جمعية جماعة الاخوان المسلمين»، وهي الخطوة التي استقبلها بعض المحسوبين على الجماعة بالاستنكار والاستهجان، وبتوجيه التهم والاتهامات، كما هو دأبهم مع كل من يخالفهم الرأي.
وعندي، إن هؤلاء الذين استنكروا خطوة الاستاذ عبد المجيد ذنيبات واخوانه قوم لا يعرفون تاريخ الجماعة، ولم يستوعبوا مبادءئها التي تُربيّ على احسان الظن والإيثار (وهذه مصيبة)، او انهم يعرفون وينكرون (وهذه مصيبه اعظم)، لأنها تدخل في باب التدليس والخداع، بهدف اختطاف الجماعة وحرفها عن مسارها التاريخي، الذي يسعى الاخوة الذين تقدموا بطلب تصويب اوضاع الجماعة الى اعادتها اليه.
ان قراءة تاريخ الجماعة في الاردن تؤكد أن الأخوة الذين تقدموا بطلب تصويب الاوضاع القانونية لجماعة الاخوان المسلمين لم يأتوا بشيء مستغرب، بل أعادوا الأمور الى نصابها الصحيح ومسارها التاريخي، ذلك أن جماعة الاخوان المسلمين تم ترخيصها في الاردن عام 1945 كجمعية تحمل اسم «جمعية الاخوان المسلمين» بموجب قرار مجلس الوزراء الصادر بتاريخ 9 كانون الثاني، وهو القرار الذي نشرته جريدة الجزيرة لمؤسسها المرحوم محمد تيسير ظيبان، والقريبة من الاخوان المسلمين على النحو التالي: «قرر مجلس الوزراء العالي في جلسته المنعقدة بتاريخ 9 كانون الثاني السماح للوجيه اسماعيل بك البلبيسي واخوانه السادة عبد اللطيف ابو قوره، وابراهيم جاموس، وراشد دروزه، وقاسم الأمعري، وغيرهم بتأسيس جمعية في شرق الاردن تُدعى جمعية الاخوان المسلمين.. و(الجزيرة) التي اخذت على عاتقها تشجيع المؤسسات الاسلامية والقومية ترحب بهذه الجمعية أجمل ترحيب، وترجو لها التوفيق والسداد في مهتمها وأعمالها» انتهى خبر الجزيرة المنشور في عددها رقم 1089 سنة 1946، وقد كانت المخاطبات الرسمية الصادرة عن الجماعة تحمل اسم «جمعية جماعة الاخوان المسلمين»..
من ذلك على سبيل المثال نص البرقية الى ارسلتها الجمعية بخصوص قضية فلسطين والمنشورة في جريدة الاخوان المسلمين العدد 1195 سنة 1947 تحت عنوان رئيس (عواطف الاخوان المسلمين نحو مصر وفلسطين) وتحت عنوان فرعي (جمعية الاخوان المسلمين-عمان) مما يؤكد ان الترخيص الصادر للجماعة هو ترخيص جمعية، وهو ترخيص ينسجم ويتساوق مع ترخيص الجماعة في مصر كجمعية، فبصفته رئيساً لجمعية الاخوان المسلمين، كان مرشد الجماعة ومؤسسها الشهيد حسن البنا يوقع مراسلاته، ومنها على سبيل المثال الرسالة الموجهة من فضيلته الى الأمير عمر طوسون والمثبتة في مذكراته والتي استهلها بما يلي: (تتشرف اللجنة المركزية لمساعدة فلسطين التابعة «لجمعية الاخوان المسلمين»… الى اخر الرسالة) التي ذيلها بتوقيعه بصفته رئيسا لجمعية الاخوان المسلمين.
وهو الامر الذي انسحب فيما بعد على الترخيص الذي حصل عليه الاخوان المسلمون للعمل في الاردن كجمعية تحمل اسم جمعية الاخوان المسلمين، علما بان المباديء والاهداف التي اسست على اساسها «جمعية جماعة الاخوان المسلمين» في الاردن لم تتضمن اية اشارة للعمل السياسي او تشكيل الاحزاب، على العكس من ذلك، فقد نص الباب الثاني من المباديء الاساسية التي رخصت الجماعة على اساسها في الاردن والذي حمل عنوان (في الوسائل) على تأسيس «نادي جماعة الاخوان المسلمين» ولم ينص على تأسيس حزب سياسي.
ان قراءة وثيقة المبادئ والأهداف التي رخصت على أساسها «جمعية الاخوان المسلمين» في الاردن والتي نظن ان جل المتنطحين للتحدث باسم الجماعة او عنها لم يطلعوا عليها، نقول: إن قراءة هذه الوثيقة تؤكد الطابع الدعوي للجماعة.. وهو الطابع الذي يرجح الخطاب التربوي، والعمل الاجتماعي على الخطاب، والعمل السياسي في سلوك الجماعة وعملها. ولم تتضمن المبادئ والاهداف أية اشارة للعمل السياسي…
وهنا لابد من تسجيل الشكر لفضيلة الاستاذ عبد المجيد ذنيبات واخوانه الذين تقدموا بطلب تصويب الاوضاع القانونية للجماعة لأنهم تداركوا النقص في نظام واهداف ووسائل الجماعة، فادخلوا بند العمل السياسي اليه عند تقديمهم طلب التصويب الذي تمت الاستجابة اليه، مما يجعل العمل السياسي للجماعة مشروعاً وقانونيا بخلاف ما كان عليه الأمر في السابق.
… مما تقدم نستطيع القول: إن الجدل القائم في صفوف الجماعة ليس مبنيا على معرفة بتاريخها للأسف الشديد، وان القائمين على امرها اليوم لم ينصرفوا الى قراءة هذا التاريخ، بل واكثر من ذلك، فانه لم يبذل اي جهد لكتابة وتوثيق هذا التاريخ، وهو الجهد الذي كنا في مركز البيرق الاردني للدراسات والمعلومات قد باشرنا به في تسعينات القرن الماضي، الى ان تواصل معنا بعض رموز الجماعة وطلبوا منا عدم المضي في المشروع، لانه تم تشكيل لجنة لكتابة تاريخ الجماعة.
وهو الامر الذي لم يتم حتى الساعة، مما يعني ضياع اجزاء كبيرة من هذا التاريخ بسبب وفاة الكثيرين من رجالات الرعيل الاول والثاني والثالث من ابناء الجماعة، وبسبب تلف واتلاف الكثير من وثائقها واوراقها، اي اتلاف جزء كبير من تاريخها الذي صار مجهولا لجل قواعدها وللكثيرين من قادتها مما سهل عليهم وعلى غيرهم تزوير هذا التاريخ، او تحكيم الهوى فيه، او اختطاف الجماعة الى غير مسارها الحقيقي، الذي نعتقد ان ما فعله الاخوة الذين تقدموا بطلب تصويب الاوضاع القانونية للجماعة، هو خطوة كبيرة على درب استرداد الجماعة واعادتها الى مسارها الحقيقي، وإعادة أمورها الى نصابها.
*****
(*) رئيس “مركز البيرق للدراسات والمعلومات” وصاحب وناشر جريدة “اللواء” الأردنية.