منطقة الشرق الأوسط الأولى عالميا في نقص الفيتامين د والأسباب بيئية وسلوكية وجينية

تحقيق: بهاء الرملي

رغم كون منطقة الشرق الأوسط تنعم بالشمس معظم أيام السنة، فإن سكانها رجالا ونساء، أكثر من vitamine dيعاني عالمياً من نقص في الفيتامين د، ولا سيما النساء إذ تفوق نسبة من يعانين من هذه المشكلة الثمانين في المئة، لتصل إلى 86 في المئة في المملكة العربية السعودية، مثلا وتصل في لبنان إلى 82 في المئة.

ويبدو هذا الواقع أكثر استغرابا في ضوء حقيقة أن 80 في المئة من حاجة الإنسان إلى هذا الفيتامين الحيوي يصنعه الجسم مباشرة من خلال تعرضه للأشعة فوق البنفسجية.

علمياً ما هو الفيتامين د، وما دور الشمس في عملية إنتاجه؟ منظمة الصحة العالمية تصفه بأنه جزيئات دهنية قابلة للذوبان يتم تصنيعه من خلال تفاعل الأشعة فوق البنفسجية مع المواد الدهنية تحت الجلد لدى تعرضه مباشرة لهذه الأشعة في منتصف النهار.

الاختصاصي في أمراض الغدد والأمراض الوظيفية الدكتور شارل صعب شرح لـ “الوكالة الوطنية للاعلام” عملية إنتاج هذا الفيتامين بالقول “إن الأشعة فوق البنفسجية تؤدي إلى تسخين مادة دهنية موجودة تحت الجلد مشتقة من الكولسترول فينتج من ذلك الفيتامين D2 الذي يتحول إلى الكبد حيث يتخزن ويتحول إلى فيتامين D3 ثم يتحول إلى الكلى حيث يعمل عليه نوع من الانزيمات ليصير فعالا في الجسم”.

وأوضح أن “من هذه العلاقة بين الشمس والجلد والدهون يتم تصنيع ما بين 85 و90 في المئة من الفيتامين د، فيما لا تتخطى نسبة ما يحصل عليه الجسم من هذا الفيتامين من المأكولات 10 أو 15 في المئة لأنه لا يتوافر إلا في عدد محدود جدا من الأطعمة مثل السمك الغني بالدهون (سلمون، سردين وتونا) والاجبان الملونة والبيض، ومن هنا تلجأ الدول المتقدمة إلى إضافة الفيتامين د إلى المأكولات المصنعة ولا سيما مأكولات الأطفال”.

وأشار إلى أن نسبة النقص عالميا تصل إلى 63.9 في المئة، وأن سكان أميركا اللاتينية هم الأقل نقصا في هذا الفيتامين يليهم الأوروبيون بنسبة 57.7 في المئة، الأوستراليون 60.3 في المئة، الاسيويون 71.4 في المئة وسكان منطقة الشرق الأوسط 81.8 في المئة.

وأعلن أن الدراسات تشير إلى أن نقص الفيتامين في لبنان يتوزع من حيث النوع والفئات العمرية كالاتي: الأطفال الذكور 12 في المئة، الفتيات 32 في المئة، البالغون الرجال 48 في المئة والنساء 84 في المئة.

أما أسباب هذا النقص والواقع المتناقض بين وفرة الشمس ومحدودية دورها في إنتاج الفيتامين د لدى سكان المنطقة عموما، فعددها الدكتور صعب وشرح مفاعيلها كالاتي:

– نمط الحياة اليومية: معظم الناس يغطون أجسادهم ويحاذرون التعرض للشمس مباشرة، ويستعملون مستحضرات واقية من الشمس، والأهم أنهم يمتنعون عن الجلوس في الشمس عندما تكون أشعتها عمودية، أي في فترة الظهيرة، وهو الوقت المثالي لعملية تصنيع الفيتامين د، إلا انه حذر من التعرض لأشعة الشمس في هذه الفترة لأكثر من 10 دقائق أو 15 دقيقة ثلاثة مرات في الأسبوع تلافيا لمضارها الصحية على البشرة وأهمها السرطان، مؤكدا أن أشعة الشمس في فترة قبل الظهر واعتبارا من الخامسة عصرا لا تفيد إلا في إنتاج نحو 5 في المئة فقط من الفيتامين د.

وفي هذا السياق، أوضح أن سكان النروج لديهم أعلى نسبة فيتامين د في العالم رغم أنها بلد يفتقر إلى الشمس معظم أيام السنة، عازيا الامر إلى كونهم يعرضون أجسامهم مباشرة للشمس أكثر من سكان منطقتنا، ومميزا أيضا بين البشرة البيضاء القابلة لامتصاص الأشعة الفوق البنفسجية أكثر من البشرة الداكنة التي تعتبر طاردة لها كونها غنية بهرمون الميلاتونين الذي يؤمن لها حماية طبيعية ضد الأشعة فوق البنفسجية.

– العامل البيئي: تشير الدراسات إلى أن من يعيشون في المدن يعانون من نقص في الفيتانين د أكثر ممن يعيشون في الأرياف. فبعد مقارنة تستند إلى مدة مماثلة للتعرض للشمس وفي وقت واحد لأشخاص يعيشون في المدن واخرون يعيشون في الأرياف تبين أن التلوث يمنع الأشعة فوق البنفسجية من الدخول إلى الجلد.

– الشيخوخة: رغم الاختلاف في تحديد سن الشيخوخة لدى النساء بعد ال 55 عاما، أي بعد انقطاع الدورة الشهرية مباشرة، أو بعد ال 65 عاما، تجمع الدراسات على أنه بعد انقطاع الدورة الشهرية يصير الجلد أكثر مقاومة للأشعة فوق البنفسجية وتخف قدرته على تصنيع الفيتامين د.

وعن علاقة الهرمونات في هذه العملية، يقول الدكتور صعب إن الدراسات التي أجريت على نساء تخطين ال 55 عاما للبحث عن صلة بين نقص الفيتامين د وترقق العظام والكسور أثبتت هذه العلاقة، لذا ينصح من تخطين ال 55 عاما، بتناول جرعات من الفيتاميتن د ولا سيما من لديهن نقص في هذا الفيتامين.

ولفت، من جهة أخرى، إلى أن البحوث تركز على العامل الجيني لمعرفة إذا كانت له علاقة مع نقص الفيتامين د، فتبين أن دوره ضئيل جدا وتبين أنه حتى لو لم يكن هناك عامل جيني يمنع الجسم من تصنيع هذا الفيتامين ولم تتوافر البيئة الحاضنة لتصنيع هذا الفيتامين وهي الدهون، فلن يتمكن من تصنيعه.

– النظام الغذائي: تبين أن النساء الصغيرات في السن يعانين من نقص في الفيتامين د أكثر من غيرهن لأنهن لا يتعرضن للشمس، وإذا تعرضن فمع حماية من الاشعة فوق البنفسجية، كما أنهن لا يتناولن الدهون لأسباب تتعلق بالحمية، وفي هذه الحال حتى لو تناولن الفيتامين د فلن تتمكن الامعاء من امتصاصه لأنها تمتصه عندما يكون في بيئة دهنية.

ولمن يتبعون حمية خالية من الدهون لأسباب صحية، أوضح أن الدهون لا يجب أن تكون مشبعة ويمكن الحصول عليها من السمك وزيت الزيتون وحبوب Omega 3، مشيرا إلى أن الفيتامين د بات يصنع بطريقة تمكن الامعاء من امتصاصه وإن لم يكن الشخص يأكل دهونا، مشددا على وجوب أن تترافق الحمية مع تناول حبوب فيتامين د في حال كان الأشخاص المعنيون يعانون من نقص في هذا الفيتامين.

وعن دور هذا الفيتامين في علاج ترقق العظام، أكد أن أدوية الترقق لا تعطي النتيجة المتوخاة ما لم ترفق بالفيتامين د، ما يعني أن دوره أساسي في العلاج ومعه قد تصل نسبة الشفاء الى 80 أو 90 في المئة.

أما مدة العلاج في حال ترقق العظام فيحددها صعب بما بين 8 و 10 سنوات فتستعيد العظام كثافتها تدريجا، لافتا إلى أن البعض لا يحصلون على نتيجة في بداية العلاج وأن نسبة من لا يتجاوبون مع العلاج تصل إلى ما بين 7 و8 في المئة، متحدثا عن علاجات مختلفة من حبوب وأبر ترواح وتيرة تناولها بين يوم وسنة.

وعن كلفة العلاج، أوضح انها تقاس بالنتيجة التي يؤدي إليها وهي صحة الإنسان وحياته، مشددا على أن كلفة العلاجات مهما ارتفعت تبقى أقل من كلفة العمليات في حال الكسور وفترة التعافي بعدها ونوعية الحياة التي يمكن أن تتأمن للإنسان، لافتا إلى أن نسبة الأشخاص الذين يتوفون بسبب الكسور بعد سن السبعين تصل إلى ما بين 7 و8 في المئة، من هنا أهمية التشخيص المبكر واتباع العلاج المناسب، مشددا على أن الفيتامين د لا يساهم فقط في الوقاية من الكسور بل أيضا من عدد من الأمراض المزمنة، مثل السكري من النوع الأول والألزهايمر وأمراض القلب والشرايين وغيرها.

منظمة الصحة العالمية التي تولي موضوع ترقق العظام أهمية خاصة كونه مرض صامت له تبعات مرهقة على المجتمعات صحيا وعلاجيا واقتصاديا نظرا إلى الكلفة الباهضة لمعالجة الكسور، أوصت بإقامة حملات توعية وفحص لكثافة العظام لمتابعة أي حالة قبل تفاقمها.

وفي تقرير لها عن أهمية الفيتامين د تشير المنظمة الى إنه “من الضروري الحفاظ على مستوى طبيعي من الكالسيوم والفوسفات في الدم نظرا إلى أهمية هذين العنصرين في تزويد العظام بالمعادن الضرورية لمتانتها وفي تكوين النسيج العضلي وفي عمل الناقلات العصبية وفي تنظيم نظام المناعة وعمل الخلايا عموما في الجسم.

وحددت الفئات الأكثر عرضة لنقص الفيتامين د بالأطفال الحديثي الولادة الذين يعتمدون كليا على حليب الأم التي عادة ما تعاني هي أيضا من نقص في هذا الفيتامين، بالإضافة إلى المراهقين والمسنين، لافتة إلى أن نقصه عند النساء الحوامل قد يسبب ولادات المبكرة وتشنجات.

وأشارت إلى أن نقص إنتاج الفيتامين د في الجسم في فصل الشتاء بسبب قلة الأيام المشمسة وزاوية الأشعة فوق البنفسجية وقلة التعرض لهذه الأشعة يزيد من احتمالات الإصابة بالتهابات رئوية ولا سيما عند كبار السن والأطفال، من هنا أهميته في لعب دور منظم لجهاز المناعة وتاليا الحماية من الالتهابات فضلا عن الحماية من بعض أنواع السرطانات وأمراض القلب والشرايين والسكري من النوع الاول.

وتعتبر المنظمة ترقق العظام والكسور التي ترافقه معضلة صحية كبيرة يواجهها المجتمع نظرا إلى علاقتها بالإعاقة ونوعية الحياة والوفيات الناجمة عنها، مشددة على اتباع أسلوب حياة صحي يجنب هذه العواقب وأساسه الرياضة، لا سيما رياضة المشي التي تساعد على تقوية عظام الورك والعمود الفقري في مرحلة ما بعد انقطاع الدورة الشهرية وممارسة التمارين الرياضية مع حمل أوزان خفيفة ما يساعد في زيادة كثافة عظام العمود الفقري، بالإضافة إلى الامتناع عن التدخين الذي ثبتت علاقته مع خسارة العظم كثافته لدى النساء والرجال.

تنصح النساء اللواتي لا يعانين من الترقق بعد الدورة الشهرية بتناول الفيتامين د للوقاية من الكسور التي يكون سببها الترقق، مؤكدة أن الجمع بين الفيتامين د والكالسيوم يمكنه أن يقلل احتمال التعرض للكسور بنسبة 30 في المئة ولا سيما لدى الأشخاص الذين تخطوا الستين عاماً.

(الوكالة الوطنية للإعلام)

اترك رد